تحريق الأسير الكافر المحارب محرم بنص السنة النبوية ولا يعلم فيه خلاف بين العلماء فكيف بقتل المسلم حرقاً
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فقد أخرج الإمام البخاري – رحمه الله – في “صحيحه”(٢٩٥٤) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال:
((ﺑﻌﺜﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺚ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻨﺎ: ﺇﻥ ﻟﻘﻴﺘﻢ ﻓﻼﻧﺎ ﻭﻓﻼﻧﺎ – ﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ ﺳﻤﺎﻫﻤﺎ – ﻓﺤﺮﻗﻮﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ،ﻗﺎﻝ: ﺛﻢ ﺃﺗﻴﻨﺎﻩ ﻧﻮﺩﻋﻪ ﺣﻴﻦ ﺃﺭﺩﻧﺎ اﻟﺨﺮﻭﺝ، ﻓﻘﺎﻝ:ﺇﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﻣﺮﺗﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﻗﻮا ﻓﻼﻧﺎ ﻭﻓﻼﻧﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ، ﻭﺇﻥ اﻟﻨﺎﺭ ﻻ ﻳﻌﺬﺏ ﺑﻬﺎ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺃﺧﺬﺗﻤﻮﻫﻤﺎ ﻓﺎﻗﺘﻠﻮﻫﻤﺎ ))
وبوب عليه الإمام النسائي – رحمه الله – في “السنن الكبرى”(٨٥٩٩):
” النهي عن إحراق المشركين بعد القدرة عليهم “.
وبوب عليه الحافظ البيهقي – رحمه الله – في “السنن الكبرى”(١٨٠٦٣):
” باب المنع من إحراق المشركين بالنار بعد الإسار “.
وأخرج الإمام أبو داود – رحمه الله – في “سننه”(٢٦٧٣) عن حمزة الأسلمي – رضي الله عنه -:
(( ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻣرَّﻩ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺔ ﻗﺎﻝ: ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﻭﺟﺪﺗﻢ ﻓﻼﻧﺎً ﻓﺄﺣﺮﻗﻮﻩ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ، ﻓﻮﻟﻴﺖ ﻓﻨﺎﺩاﻧﻲ ﻓﺮﺟﻌﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﻭﺟﺪﺗﻢ ﻓﻼﻧﺎً ﻓﺎﻗﺘﻠﻮﻩ ﻭﻻ ﺗﺤﺮﻗﻮﻩ، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺬﺏ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ ﺇﻻ ﺭﺏ اﻟﻨﺎﺭ )) .
وقال الإمام الألباني – رحمه الله – في “سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها”(1565) عقبه:
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.اهـ
وقال الإمام البغوي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “شرح السنة”(١١/ ٥٥):
فأما تحريق الكافر بعدما وقع في الأسر، وتحريق المرتد، فذهب عامتهم إلا أنه لا يجوز.انتهى.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “المغني”(٩/ ٢٨6-287):
أما العدو إذا قدر عليه فلا يجوز تحريقه بالنار، بغير خلاف نعلمه، وقد كان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يأمر بتحريق أهل الردة بالنار، وفعل ذلك خالد بن الوليد بأمره، فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس خلافاً.
وقد روى حمزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَّه على سرية فقال: خرجت فيها، فقال: ((إن أخذتم فلاناً فأحرقوه بالنار، فوليت فناداني فرجعت، فقال: إن أخذتم فلاناً فاقتلوه ولا تحرقوه، فانه لا يعذب بالنار إلا رب النار )) رواه أبو داود وسعيد، وروى أحاديث سواه في هذا المعنى.اهـ
وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث حمزة اهـ
وقال الفقيه المالكي ابن المناصف – رحمه الله – في كتابه “الإنجاد في أبواب الجهاد”(ص:١٩٦):
اختلفوا في قتل العدو بغير السلاح كالتحريق بالنار والتغريق وما أشبه ذلك من ضروب القتل التي فيها تعذيب أو تمثيل، فأما المقدور عليه منهم فلا أعلم في ذلك خلافاً، وأنه لا يجوز تحريق أعيان العدو إذا أمكن قتلهم بغير ذلك، ولم يكونوا هم حرقوا أحداً من المسلمين، والأصل في ذلك حديث البخاري عن أبي هريرة قال: ((بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعثٍ فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النَّار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما؛ فاقتلوهما ))
وخرَّج مسلم عن شداد بن أوسٍ قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته )) .
وفي كتاب أبي داود عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أَعَفُّ الناسِ قِتلةً أهلُ الإيمان)) .
وفيه عن سمرة بن جندب وعن عمران بن حصينٍ أيضاً، كلاهما قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المُثلة ))
وفي حديث بريدة من طريق مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لأمراء جيوشه: ((لا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا )) .
وأما ما كان في شأن العرنيين فقصاص أو منسوخ، على خلافٍ في ذلك.
قال البخاري في “كتابه” بعد ذكر قصتهم-: قال أبو قلابة: ((قتلوا، وسرقوا، وحاربوا الله ورسوله، وسعوا في الأرض فساداً )) .
وفي كتاب مسلم عن أنس قال: ((إنما سَمَلَ النبي صلى الله عليه وسلم أعينَ أولئك؛ لأنهم سملوا أعين الرِّعاءِ )).اهـ
وقال الفقيه الحنبلي أبو الفرج ابن قدامة – رحمه الله – في “الشرح الكبير على متن المقنع”(١٠/ ٣٩٦):
ومتى قدر على العدو لم يجز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه، قد كان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يأمر بتحريق أهل الردة بالنار، وفعله خالد بن الوليد بأمره، فأما اليوم فلا نعلم فيه خلافاً بين الناس.
وقد روى حمزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية قال: فخرجت فيها، فقال: ((إن أخذتم فلاناً فأحرقوه بالنار، فوليت فناداني فرجعت، فقال: إن أخذتم فلاناً فاقتلوه ولا تحرقوه، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار (( رواه أبو داود وسعيد.
وروي البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث حمزة.اهـ
فإذا كان هذا النهي والحرمة في حق الأسير الكافر المحارب فكيف بقتل المسلم حرقاً، لا ريب أن التحريم أشد، والمنع أوكد، والنهي أغلظ، والذنب أعظم، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد الجنيد.