بسم الله الرحمن الرحيم
[علمَنَة السيرة النبوية، د. عصام البشير نموذجًا]
قد كتبتُ مقالًا عن مُداهنة عصام البشير للشرك ودُعاتهِ، وذكرتُ شيئًا عن نشأته التي أثَّرت سلبًا على فهمه للدِّين، وذكرتُ مثالًا على طريقته الحركية الفاسدة مع القبوريين [1].
وقد مارَسَ عصام البشير ذات الطريقة الحركيَّة السابقة في التعامل مع بعض المبادئ الغربيَّة السياسية، ففي مقطعٍ له منشور بالفيسبوك[2] تكلم فيه عن أنَّ الإسلام سبقَ الغرب في مبدأ المواطنة والإنسانية الغربي، فقال: “ومجتمع المدينة فيه أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفيهم مجتمع الأمة أهل القبلة، فقام دستور المدينة الذي يُؤسس لمرتكز العلاقة بين هذه التعددية الدينية والتعددية اللسانية والتعددية العرقية والتعددية الثقافية والقبلية، على قاعدة المواطنة منطلقًا للحقوق والواجبات“.
ثم يقول: “ثم هذا المجتمع الذي نشأت فيه كما قلنا هذه التعددية لم يكن فيها محوًا للآخر ولا إلغاءً له ولا إقصاءً له بل كان هذا التعايش، وكانت القاعدة: أنَّ لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات مثل ما لنا، هذه الصحيفة التي مثَّلت دستور المدينة كانت سبقًا في حقوق الإنسان وسبقًا في العلائق في إطار هذه التعددية“.
ثم يقول: “وإذا وسع المسلمون غيرهم من أهل الأديان الذين تأسست العلاقة معهم على مبدأ كرامة الإنسان ووحدة الأصل الإنساني، والإيمان بأنَّ الاختلاف من سنة الله في الكون والإيمان بأنَّ ثمرة الاختلاف التعارف، والإيمان بأنَّ السبيل لإدلاء الحق هو المجادلة بالتي هي أحسن وليس بالتي هي أخشن وأن نُعاملهم بالبر والقسط“.
ثم يقول: “فإذا كان المسلمون وسعوا غيرهم من أهل الديانات والملل، فينبغي أن يسعنا غيرنا أن نسعَ أنفسنا حوارًا مع الذات وقبولًا لبعضنا البعض على الاختلاف الحركي أو الدعوي أو التنظيمي أو السياسي، وأن نسعَ غيرنا من غير أهل قبلتنا على أساس أنَّ لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات“.
ينبغي أن يُعلم أولًا أنَّ محبة الوطن والانتماء إلى الوطن أمرٌ طبيعي فُطر عليه الإنسان، وهو شعور طيِّب لا شيء فيه، لكن هناك مبدأ غربي يشترك في اللفظ مع الوطن وهو مبدأ (المواطنة) ومن لا يدري يظن للوهلة الأولى أنه يدل على المعنى العام لمحبة الوطن ونحو ذلك، إلا أنه يتضمَّن معانٍ كفريَّة! فالمعنى الإجمالي لمبدأ المواطنة الغربي: أنَّ الانتماء للوطن هو الأساس الذي تقوم عليه الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن، ولا اعتبار لأيِّ شيءٍ في تأسيس هذه الحقوق والواجبات لا الدِّين ولا غيره، أي يستوي المواطن المسلم والكافر والرجل والمرأة، والعبرة بالانتماء الوطني فحسب، ولا شكَّ أنَّ هذا المبدأ الغربي يتعارض تمامًا مع الإسلام كما سيأتي تفصيله أكثر -إن شاء الله تعالى-.
وسأتعرَّض لمسألتين أقامَ عصام البشير باطلهُ على أساسهما:
المسألة الأولى: تفريغ وثيقة المدينة على قالب الإنسانية والمواطنة الغربي.
المسألة الثانية: خلط السياقات التي جاءت بها الشريعة في التعامل مع الخلاف والتنوُّع.
أما المسألة الأولى وهي: تفريغ وثيقة المدينة على قالب الإنسانية والمواطنة الغربي.
الذي أعلمه عن عصام البشير أنه لا يؤمن بالفلسفات الكفرية التي تضمَّنتها الديمقراطية والإنسانية والمواطنة، ويعتقد أنَّ على المسلمين الاستفادة منها كأدوات دون اعتقاد صِحة الفلسفة التي قامت عليها، وقد صرَّح بذلك في أحد لقاءاته.
وأما زعمهُ أنَّ النبي ﷺ جعلَ الحقوق والواجبات التي على الكفار هيَ هيَ التي على المسلمين، فهذا محضُ كذبٍ على الله وعلى دينه وعلى رسوله ﷺ!
فوثيقة المدينة التي يتكلم عنها عصام البشير قد نقلها جمعٌ من أهل العلم في كتب السيرة[3]، ولم يُذكر فيها حرفٌ واحدٌ يدلُّ على مبدأ المواطنة بالمعنى الذي ذكره، فهو يمارس الكذب لاسترضاء الغرب وأذنابهم لأجل المكاسب السياسية بالظهور أمامهم بالمظهر الحضاري غير المتشدد، وبإظهار الرضى بذات المبادئ والفلسفات التي يعتقد تعارضها مع الإسلام!
ومبدأ الإنسانية والمواطنة الليبرالي والعلماني قائمٌ على أنَّ قيمة الإنسان وشهواته هي المركز الذي تدور حولها الدنيا، لذلك يُرفض التمييز بين إنسان وإنسان حتى ولو كان على أساس الدِّين! بل للأسف يجعلون التمييز على أساس الدين مع قائمة التمييز على أساس العرق أو اللون!! مع أنه لا يصح أصلًا أن يُجعَل الدِّين قسيمًا للعِرق واللون؛ لأنَّ الأعراق والألوان أمور غير اختياريَّة، وأما الدِّين فهو أمرٌ اختياريٌّ يملك الإنسان فيه قراره، فلك عقل تفهم به الحُجج والبراهين وتُميِّز به بين الحق والباطل!
ثم مبدأ المساواة الإنسانية مبدأ أفلاطوني حالم غير قابل للتطبيق، والحمد لله الذي فضحَ نفاق الغرب وأذنابهم بما أظهروه من تصرفاتٍ عند بدء الحرب الروسية الأكرانية، فرأى الناس فساد وتهافت مبادئهم الإنسانية وتناقضهم في تطبيقها، ومن ذلك مُنعهم صاحب اللون الأسود من العبور قبل صاحب اللون الأبيض والعين الزرقاء! بل صرَّحت قنوات إعلامية غربية عن أهمية استقبال اللاجئين الأكرانيين لأنهم أوربيون مسيحيون متحضرون… ليسوا كالعراقيين والسوريين والليبيين![4]
وعامة هذه التصرفات نابعة عن اعتقادهم تفوّق عرقهم الآري على بقية أعراق بني آدم، فيستبيحون بذلك احتقار بقيَّة الأعراق، وهذه الثقافة العنصرية معروفة وسائدة عندهم.
وقد جعل الله تعالى القيمة الكبرى للبشر في عبوديتهم لله تعالى، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13] وقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ فكل من لم يؤمن بالله فهو في خسارة وفي درجة تحت المؤمن بالله وإن علا نسبه وشرفه! وقد ظلَمَ من ساوى بين المسلم والكافر فقط لاشتراكهما في الإنسانية، قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36].
وروى أبو داود (5116) والترمذي (3955) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ».
وفيما يتعلَّق بالمُواطنة والتعايُش: فإنَّ الشريعة قد جاءت بأحكام غايتها الاستعلاء على سائر الأديان والملل، وهذا ما لا يمكن الجمع بينه وبين مبدأ المواطنة الغربي! كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، ومن التشريعات التي شرعها الله لضمان هذا الاستعلاء: الجهاد، وأخذ الجزية من الكفار عن يدٍ وهم صاغرون، وعقيدة الولاء والبراء، والنهي من أن يكون الكافر حاكمًا على المسلمين أو أن يتخذه المسلمون بطانةً لهم، وتحريم زواج الكافر من المسلمة وإباحة زواج المسلم من الكتابيَّة العفيفة، ومنع النصارى من إحداثِ كنائس جديدة في بلدان المسلمين، وتحريم ابتداء الكافر بتحية المسلمين (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وإذا سلّموا علينا بها فنرد بقول: (وعليكم) فقط … إلخ.
بل حتى أهل الباطل المنتسبين للإسلام لهم أحكام كحد الردة، وقمع أهل البدع ومنعهم من نشر بدعهم وضلالاتهم بين المسلمين، كما فعلَ عمر -رضي الله عنهم- مع صبيغ بن عسل[5].
وهذه التشريعات لم تأتِ تشوُّفًا لسفك الدماء أو تشوُّفًا للظلم ولأخذ أموال الناس بالباطل كما يُصوِّر ذلك المُبطلون -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- بل جاءت لضمان علوِّ وهيمنة الإسلام على بقية الأديان من الناحية السياسية والمجتمعية، والمحافظة على عقائد المسلمين وتقوية مناعتهم تجاه الأديان والأفكار المخالفة لدينهم الحق، فبهذا يُحفظ الدِّين ويُدفع الكفر والباطل.
ومن السنن الكونية استمرار الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، واستمرار حركة المُدافعة بين الأمم بلا توقُّف؛ لذلك كانت أحكام الشريعة واقعية في التعامل مع هذا الصراع والمُدافعة، فأمرت باتخاذ الأسباب المؤثرة إيجابًا على بقاء وعز الإسلام والمسلمين، مِنْ إعدادِ القوة الإيمانية والماديَّة وجهاد أعداء الله.
والغاية من هذه الهيمنة: إعلاء كلمة الله وقمع الكفر وأهله، ونشر الرحمة للعالمين بتعبيدهم لله سبحانه وإنقاذهم من النار، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193] روى ابن جرير في تفسيره لهذه الآية عن قتادة وغيره: ” قوله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) قال: حتى لا يكون شرك “.
أما إذا تخلَّف المسلمون عن الإعداد فسيتحولون إلى هدف لأمةٍ أخرى لتهيمن عليهم، كما هو حاصل الآن، والغرب الفاجر عندما يفرض هيمنته بالاحتلال والعقوبات ومُحاصرة الدول اقتصاديًّا باسم فرض الديمقراطية وبسط حقوق الإنسان، مع إقصاء تام لكل من يُعارض ذلك… فهذه المبادئ مجرد شعارات برَّاقة وحقيقتها وثمرتها: نشرُ الكفر والقتل والظلم وانتهاك الأعراض وأكل أموال الناس بالباطل، ونشرُ المبادئ المُخالفة للفطرة كالنسوية والشذوذ واللواط …إلخ، وأما إذا مارَس المسلم القوة والهيمنة لإقامة حدود الله ورحمة الخلق بدين الله، يتم تصويرهم إعلاميًّا في صورة المتوحش الإرهابي المتطرف.
وليُعلم أنه لا يلزم من هيمنة الإسلام على غيره ألَّا نُحسن إلى الكفار غير المحاربين وغير المُعاندين للحق بغرض إنقاذهم من النار ودعوتهم للإسلام، قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
أما المسألة الثانية وهي: خلط السياقات التي جاءت بها الشريعة في التعامل مع الخلاف والتنوُّع:
عصام البشير معروفٌ ببلاغته وأسلوبه الساحر، وللأسف يستعمل ذلك في الباطل، ومن الأمور التي يتلاعب بها ويُدغدغ بها عواطف الجمهور مسألة الخلاف، ومنها ما تقدم من زعمه أنَّ الإسلام يحترم التنوع والخلاف ولا يُلغيه!
وحتى يُفهم الخلاف في الشريعة بالطريقة الصحيحة فلابد أن يُفرَّق بين سياقات الخطاب الشرعي ليُكشفَ تلاعب دعاة الباطل في الباب، وهذه السياقات في الجملة كالتالي:
السياق الأول: سياق بيان حتميَّة حصول الخلاف بين الناس جميعًا مسلمهم وكافرهم، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119] وأما اختلاف المنتسبين للإسلام فما روى أهل السنن عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- وجاء عن جمع من الصحابة، أنَّ النبي ﷺ قال: «أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ».
السياق الثاني: سياق ذم الخلاف والأمر بالاجتماع على الحق، قال تعالى: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31-32].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 105] قال الإمام ابن بطة: ” فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ عَنِ الْحَقِّ رَجَعُوا، وَمِنْ بَعْدِ الْبَيَانِ اخْتَلَفُوا “[6].
السياق الثالث: سياق الأوامر بأحكامٍ تجاه كل خلاف أو مُخالف بحسب درجته، فمثلًا من الأحكام الواجبة تجاه الخلاف بين المسلمين قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].
ومن درجات الخطاب في الاختلاف العقدي قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].
ومن درجات التعامل القوية مع الخلاف قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29].
ومن درجات التعامل الأخف مع الخلاف قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35].
أما أن يُخلَّط بين هذه السياقات ودرجات الخلاف وتُستخدم نصوص حتمية الخلاف في سياق الخلاف غير السائغ باسم التعايش وباسم المواطنة! فهذا من صفات اليهود الذين قال الله عنهم: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 78].
= فمما سبق يتبيَّن بوضوح:
[1] الإسلام لا يلتقي البتة مع مبدأ المواطنة الغربي؛ لأنَّ القيمة العليا فيه للموحد ومن حقق العبودية لله وليس الإنسانية المجرَّدة، ولأنّه يُوجب جهاد الكفار والاستعلاء عليهم.
[2] وثيقة المدينة التي ذُكرت في كتب السيرة ليس فيها حرفٌ واحد يدلُّ على تصحيح مبدأ المواطنة الغربي.
[3] كون الخلاف حاصل لا محالة فهذا لا يُسوّغ ترك الأوامر الشرعية تجاهه، فقد ذمت الشريعة الخلاف مطلقًا بجميع درجاته سواء في المسائل الشرعية أو الدنيوية، وحثَّت على فعلِ كل ما يرفع الخلاف، وسدّت كل طريق يُؤدي إليه، ثم لم تجعل الخلاف كله على درجةٍ واحدة، فبعضه يُحسم بالتعليم، وبعضه يُحسَم بالموعظة، وبعضه يُحَل بالتجاهل، وبعضه بالهجر، وبعضه لا يُحسَم إلا بالسيف.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله محمد
وعلى آله وصحبه
أجمعين
محمد عبد الحفيظ محمد إبراهيم
7 / شعبان / 1443هـ
10 / 3 / 2022م
[1] مقال بعنوان: (مُداهنة الشرك، د. عصام البشير نموذجًا):
https://mohamed89200.blogspot.com/2022/03/blog-post.html
[2] كلام عصام البشير عن المواطنة والإنسانية:
https://www.facebook.com/watch?v=1705395773137093
[3] انظر: [سيرة ابن هشام (1 / 503)] و [السيرة النبوية لابن كثير (2 / 322)]
[4] تصريحات عنصرية من الإعلام الغربي في الحرب الروسية الأكرانية:
https://youtu.be/rUMI7gBNCyI
[5] الإبانة الكبرى لابن بطة (برقم: 789).
[6] الإبانة الكبرى لابن بطة (1 / 273).