الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الله أرسل الرسل مبشرين ومنذرين بدين واحد عبادة الله واجتناب الطاغوت ، قال تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت …. ) الآية , وقال تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ) ، وقال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ، فمن أطاع هؤلاء الرسل دخل الجنة ومن عصاهم دخل النار ، قال تعالى : ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا* فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا ) يعني : أخذناه أخذا شديدا .
وروى الامام البخاري – رحمه الله – في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى !! قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ” فلا يكون طاعة إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله سبحانه وتعالى ولهذا أورد الامام البخاري حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – من طريق الليث عن سعيد عن أبيه عنه – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما قبله آومن أو آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى فارجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ” ولهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو وحي أوحاه الله إليه ، فقد أخرج الامام البخاري في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” فهذا وحي أوحاه الله إليه ، المعنى من الله واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحديث النبوي ، أما حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ….. ) الحديث . هذا الحديث وحي ، لفظه ومعناه من الله ولهذا يسمى الحديث القدسي ولهذا ينسبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله . وأخرج الامام البخاري رحمه الله من حديث الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه سمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الغد حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد قبل أبا بكر فقال أما بعد فاختار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عنده على الذي عندكم وهذا الكتاب الذي هدى به الله رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله .وقد قال الامام مالك رحمه الله : ما لم يكن دينا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون دينا إلى قيام الساعة .
من هذا البيان يعلم أن الإرهاب هو الاعتداء على الآخرين بقتل أو جرح أو إضرار على وجه الغيلة وإخافة الناس بسلب الأمن الظاهر عنهم من المسلمين وغيرهم ظاهرا أو خفية محرم في الاسلام وجريمة نكراء قال تعالى : ( …أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ….. ) ، وقال تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) .
فالإرهاب تخويف للمجتمع كله وبث الرعب فيه ، وهو خلاف ما أمر الله به المسلم في قوله صلى الله عليه وسلم : ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” . ثم اعلم أخي المسلم أن المشاركة في هذه الأعمال إجرام لأن المشارك في الجريمة بأي نوع من أنواع المشاركة له حكم القائم بها ، قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في مقتول ظلماً لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به ” ، ويدخل في هذا من يفرح بالجريمة ، عليه إثم فاعلها كما قرر ذلك العلماء- رحمهم الله – فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا دين الله بالتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان وأن يأخذوا على يد السفيه وأن يكونوا جميعا مترابطين متعاونين كما جاء في الحديث ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله …. ” . فإذا سكت الناس عمن يدبرون هذه الأعمال وعلموا بها أو باشتباه فيها ولم يبلغوا عنهم الدولة فقد تعاونوا على الإثم والعدوان وخذلوا بلادهم وإخوانهم مع المجرمين من حيث لا يشعرون . أخي المسلم إن ما اقترفته أيدي هؤلاء المفسدين من جرح وقتل وترويع وانتهاك لهو من أعظم الذنوب كونه اعتداء على الأبرياء من أناس حاقدين على الاسلام وأهله هدفهم الترويع والإيذاء . إن هذا الوقت لهو أشد الأوقات التي يقف فيها الشعب صفا واحدا مع القيادة ضد هؤلاء المجرمين الذين أساءوا للإسلام ، لذا يجب أن يكون المواطن عينا يقظة لما يحاك ضدهم وضد أمن البلاد من أناس خرجوا على الاسلام وسماحته وقاموا بترويع أهل الوطن والمقيمين فيه ، فالجميع مطالب بوقفة حازمة تجاههم وعدم الالتفات لآرائهم المنحرفة وتلك الدعايات المغرضة التي من خلالها يحاولون الحديث باسم الاسلام وهم بعيدون عنه ، والإسلام براء منهم ومن أفعالهم المشينة .
إن جميع أبناء الوطن عليهم مسؤولية كبيرة وأمانة في أن يكونوا عينا ساهرة على أمن بلادهم وأن يقفوا صفا كأنهم بنيان مرصوص مع قيادتهم لردع هؤلاء الخونة المفسدين المعتدين . إننا نرفض كل أنواع وأشكال ما يقوم به أولئك الخائنون لدينهم وندعو الله أن يجعل كيدهم في نحورهم . ثم هؤلاء قاموا بعمل لا يقره الله ورسوله، إن ديننا الحنيف يدعوا إلى التسامح واليسر والمحبة والسلام ، إننا لندعو الله تبارك وتعالى أن يقي هذه البلاد من كل آثم ومعتد وأن يعين رجال الأمن والمواطنين في الوقوف بوجه هؤلاء المجرمين .
أخي المسلم إن هذه الشريعة الإسلامية تحرم العدوان على الأنفس وتنهى عن الظلم بشتى صوره ، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ” وقال صلى الله عليه وسلم : ” اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة …. ” الحديث .
ومن أبشع الظلم ظلم الإنسان لغيره من العدوان على الدماء والعقائد والأعراض والأنفس – أي بعض الضروريات الخمس أو جميعها- . ثم اعلم أخي أن هذه البلاد قاعدة الاسلام وحصن الإيمان ومعقل الدعوة ، نزل القرآن بعرصاتها ، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم من بطاحها ، دولة تلتزم بالإسلام تأخذه في عقيدتها وترسخه في تشريعاتها وترفعه في رايتها ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” تأخذه أخذ تشريف وتكليف ، شرفها ربها بالولاية على الحرمين الشريفين وأكرمها بخدمتها ورعايتها ، وكذلك شرفها بحفظ الكتاب المنزل حيث أنشأت لحفظه هذا المجمع الذي يعتني به ويعتني بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي دولة مباركة اختارها الله اختيارا للقيام بهذا الدين قولا وعملا ودعوة إليه ، نسأل الله أن يوفق القائمين عليها وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وكافة الأسرة المباركة التي وهبت نفسها خدمة لهذا الدين ، كما نسأله سبحانه أن يوفق رجال الأمن البواسل السباقين لإبطال خطط هؤلاء المجرمين وعلى رأسهم سمو وزير الداخلية – حفظه الله ورعاه وسدد خطاه – ، وأنتم أيها الشعب الوفي الواقف في صد هؤلاء باللسان والبنان وعلى رأسهم علماؤنا الأجلاء الراسخين يتقدمهم كوكبة مباركة متمثلة في هيئة كبار العلماء ، نسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا وأمننا وبلادنا وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه ، والله أعلم .