“أحب البلاد إلى الله مساجدها.. وأبغض البلاد إلى الله أسواقها”
“لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته”
سالم بن سعد الطويل
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
فقد روى الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه الحديث برقم (671) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها”.
ففي هذا الحديث بيان فضل المساجد والمكث فيها وهذا أمر معلوم والأدلة فيه كثيرة مشهورة.
لكن الذي يجهله كثير من المسلمين ويغفل عنه آخرون كراهية المكث في الأسواق حيث تكثر المعاصي والمنكرات فهي- أي الأسواق- أبغض بقع البلاد وأجزائها إلى الله تعالى بهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وخبره صلى الله عليه وسلم ليس مجرد خبر وإنما هو خبر بمعنى الإنشاء أي النهي، فأراد عليه الصلاة والسلام بقوله “أبغض البلاد إلى الله أسواقها” أي فلا تمكثوا فيها بلا حاجة.
وروى مسلم في صحيحه حديث (2451) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: “لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته”.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/8) الحديث موقوف وقد أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا. أ هـ، ومعنى مرفوع أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في شرحه للحديث: قوله “إنها معركة الشيطان” قال أهل اللغة المعركة بفتح الراء موضع القتال لمعاركة الأبطال بعضهم بعضا فيها ومصارعتهم فشبَّه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع والأيمان الخائنة والعقود الفاسدة والنجش والبيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه وبخس المكيال والميزان، وقوله “وبها تنصب رايته”، إشارة إلى ثبوته هناك واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس وحملهم على هذه المفاسد ونحوها وموضع أعوانه”. أ هـ
قلت: فكيف لو علم السلف حال أسواقنا اليوم وما فيها من التبرج والسفور والاختلاط والمعاكسات وقلة الأدب الشباب بالفتيات فماذا سيقولون؟.
أخي القارئ الكريم إذا عرفت هذا أدركت خطأ بعض الدعاة- هداهم الله إلى الحق- الذين يجمعون الناس في المجمعات التجارية ولإلقاء المحاضرات عليهم وكان الأولى بهم أن يقولوا للناس لا تجتمعوا في الأسواق “فإنها أبغض البلاد إلى الله تعالى” ومن قضى حاجته فليخرج منها لا أن يدعوهم للمكث أطول مدة ممكنة فهذا لا شك خطأ والواجب التنبه إليه.
تبرج وسفور واختلاط وكاميرات تصوير
كم هو أمر مؤلم يحزن منه كل مسلم غيور إذا رأى صور نساء المسلمين يجتمعن في السوق لاستماع محاضرة بل والمحاضر يضحك النساء بتعليقاته الساخرة والكاميرات تصول وتجول وتنقل صور المسلمات قد كشفن عن وجوههن وبعضهن أكثر من ذلك مع ما في ذلك من التبرج وإبداء الزينة! لا شك هذا حرام ومنكر، فوالله تألم الكثير مما اشتهر عن أحد المحاضرين زائر للكويت من السعودية لما سألته امرأة سؤالا وكان فحواه لماذا اللوم دائما على المرأة؟! فردَّ عليها وقال: شكرا أنت سعودية؟
فقالت: طبعا.
فقال بالحرف الواحد: أنت الآن ما دام في الكويت اخرجي على راحتك، هنا ضحكت النساء وبعد ذلك صفقن له!! الله أكبر أين الغيرة عند المستضيفين لهذا وأمثاله؟!
من يدعو هؤلاء الناس إذا جلسنا في المساجد؟!
أكاد أجزم بان كثيرا من الناس سيقول إذا جلسنا في المساجد فمن سيدعو أهل الأسواق وينصحهم؟!
فأقول: لسنا مختلفين على أهمية دعوة الناس ونصحهم وإيصال الحق لهم وإنما ننتقد الأسلوب المتبع اليوم عند بعض الدعاة وإليك أخي القارئ الكريم بيان ذلك في نقاط:
-1 فرق بين أن تدخل السوق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وبين أن تقيم محاضرات في مجمع فيه من المنكرات ما فيه.
-2 يمكن للداعي إلى الله تعالى أن يدخل السوق ويدعو من في السوق لا أن يدعو الناس للحضور إلى السوق الذي هو أبغض البلاد إلى الله تعالى ليدعوهم.
-3 الدعوة إلى الله تعالى تكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا أن تأتي بدعاة وبعضهم شباب وفي كامل زينته وتنشر صوره ليواجه النساء ويضحك معهن.
-4 بعض الفقرات ليست من الدعوة إلى الله عز وجل في شيء فبعضها أنشودة لشاب بصوته الشدي الذي يحصل فيه من الفتنة أكثر منه دعوة وتوبة، وبعض الفقرات فكاهية فيها رجل مشهور بالضحك وباختيار الألفاظ والمفردات التي تضحك الناس، فأي دعوة هذه؟!
-5 إذا كان المقصود الدعوة إلى الله تعالى فلماذا التصوير بالكاميرات وتوجيهها إلى النساء ونشر صورهن في الفضائيات والصحف؟
-6 يمكن دعوة الناس إلى المساجد والصالات المخصصة للمحاضرات ويمكن توصيل الدعوة إليهم عن طريق وسائل الإعلام وفي ذلك غنية عن تجميعهم في الأسواق، فالناس ليسوا مقيمين في السوق حتى يقال كيف تصل إليهم الدعوة.
-7 النساء فتنة عظيمة لا يأمن الرجل على نفسه منهن سواء كان شيخا أو أحد الحضور وفي الحديث “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء” [رواه البخاري (5096) ومسلم (2740)].
وروى الترمذي (1173) وصححه الألباني عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان”.
فهل بعد هذه الأحاديث النبوية يشك عاقل أن هذا الوضع خطأ وفيه من الخطورة ما فيه؟!
كلمة اخيرة
أيها القراء الكرام من الموافقين والمخالفين أرجو من الله تعالى أن يوفق الجميع إلى إعادة النظر في عقد الندوات في الأسواق ومدى مشروعيتها مع النظر إلى المخالفات الشرعية التي نبهت عليها لأننا قد ابتلينا بأناس لا يتقون الله تعالى فما ننصح بكلمة ولا ننبه على مخالفة شرعية إلا كالوا لنا التهم أطنانا فحسبنا الله ونعم الوكيل ونحن نعلم أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر لا بد أن يؤذى ولا بد له من الصبر، قال تعالى *وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* [لقمان- 17]، ممتثلين ما قال الله تعالى عن رسله *وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ* [إبراهيم- 12]، فلا نخشى كلامهم وإنما نخشى أن يغتر أحد بكلامه فيصدون عن سبيل الله.
نسأل الله لنا ولهم الهداية اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تنويه
في المقال السابق الذي كان بعنوان (من لم يكفر بالطاغوت لا تنفعه لا إله إلا الله) وقع خطأ مطبعي كالآتي “والحق أن كل من ليس بشيعي فهو سني”.
والصواب “والحق أن ليس كل من ليس بشيعي فهو سني”.