الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً).
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .
أما بعد:
فنحمد الله تعالى على ما امتن به على هذه الأمة من
تيسير الشريعة واختصاصِها بذلك من بينِ الشرائع والأمم بكونها سمحة ميسرة؛ قال الله تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج )؛ وقال جل وعلا (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
وخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة (إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ]
قال الإمام ابن القيم في “شفاء العليل): فهي حنيفيَّةٌ في التوحيد وعدَمِ الشِّرْكِ، سَمْحَةٌ في العمل وعدَمِ الآصار والأَغْلال)
واليسر والسماحة انما تأخذ من النص الشرعي وبما
يفتي به العالم الموثوق في دينه وعلمه ، لا صاحب الهوى او مبتغي الدنيا ، وأمَّا أن يؤخذ ذلك من كل أحد يدَّعي الاجتهاد والتعليم ، فإنَّ ذلك مرفوض قطعاً ، وبما أنَّ الربَّاني يرفض الغلو والتشديد ، فهو كذلك يرفض الترخيص والتساهل من غير دليل ، فليفرَّق بين أصحاب مدرسة التيسير المتَّبعين لضوابط الشرع ، وبين أولي التساهل والتفريط والتمييع .
عباد الله : ومن رخص الله التي منّ بها علينا، وخصوصاً مع دخول فصل الشتاء البارد، والذي يشق على كثير من الناس استعمال الماء البارد حال الوضوء، المسح على الخفين أو الجوربين ملبوس القدمين
والفرق بينهما كما قال ابن باز: أن الخف: ما يصنع من الجلد أما الجورب: فهو ما يتخذ من القطن ونحوه . وهو
ما يسمى الآن بالشراب .
روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أراد أن ينزع خفيه: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ”
قال ابن عثيمين ويشترط لصحة المسح عليهما:
الأول: أن يكون لابسا لهما على طهارة.
الثاني: أن تكون الجوارب طاهرة .
الثالث: أن يكون مسحهما في الحدث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغسل.
الرابع: أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعا وهو
يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
فلا تبتدء المدة بعد لبس الشراب يل كما قال الشيخ ابن عثيمين : وهذه المدة تبتدئ من أول مرّة مسَحَ بعد الحدث على القول الراجح من أقوال العلماء؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقَّت المسح ولا يكون المسح واقعًا حقيقة إلا إذا مسح فعلاً ) وإذا تَمَّت المدة والإنسان على طهارة لم تنتقض طهارته وانما ينتقض مسحه .
وكذا لا ينتقض الوضوء والطهارة بخلع الخف في مدة المسح
، وانما يمتنع المسح فقط لما ثيت عن علي عند عبدالرزاق وابن ابي شيبة.
فإذا لبس الإنسان شرّابًا ثم مسح عليه بعد الحدث ثم
خلعها بعد المسح فإنه لا يُعيد المسح عليها مرَّة ثانية
لكنّه باقٍ على طهارته حتى تنتقض، فإذا أراد أن يتوضأ
فإنه لا بُدَّ أن يغسل قدميه .
وقال : فإذا كان على الرِّجلين خفٌّ أو جورب أو نحوهما مِمَّا يُلبس على الرِّجل فامسحوا عليه سواء كان من القطن أو الصوف أو الجلود أو غيرها مِمَّا يجوز لبسه ، وسواء كان صفيقًا لا يُرى من ورائه الجلد أو كان رقيقًا وسواء كان سليمًا أو كان مخرّقًا مادام يسمّى خفًّا» لأن السنَّة التي وردت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس فيها شيء من هذه الشروط وما جاء عن الشارع مطلقًا فإنه لا ينبغي أن يقيَّد بشروط؛ لأننا إذا قيَّدناه بشروط ضيَّقنا على عباد
الله ما كان واسعًا في شريعة الله .
أما عن كيفية المسح : فهي أن يبل المتوضيء يديه بالماء ثم يمرهما على ظاهر قدميه فقط ، اليد اليمنى على القدم اليمنى واليسرى على اليسرى مرة واحدة عند كل وضوء من أطراف اصابع القدمين الى بداية الساق قال علي رضي الله عنه : ” لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفية ” رواه أبو داود وصححه الألباني .
وإذا لبس شرابين ومسح على الشراب الثاني او على (الكنادر) ثم خلعهما وأراد أن يتوضأ فله أن يمسح على الشراب الأول على القول الراجح ، كما أنه إذا مسح على الشراب ثم لبس عليها شراباً أخرى أو حذاءً ومسح على العليا فلا بأس به على القول الراجح ما دامت المدة باقية لكن تحسب المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني واياكم بما فيهما من العلم والحكمة وأستغفر الله انه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على احسانه والشكر له على عظيم امتنانه وأشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه . أما بعد :
ومن أحكام المسح على الخفين ما ذكره الشيخ ابن عثيمين: أنه لا يجوز المسح عليهما اذا كان فيهما صورة ذات روح ،لأن المسح على الخفين رخصة فلا تُباح بالمعصية .
ومن لبس الجوربين على غير طهارة ناسيا فمسح عليهما
وصلى بهما؟
قال ابن باز: صلاته باطلة وعليه إعادة جميع الصلوات التي صلاها بهذا المسح ولا إثم عليك من أجل النسيان وإذا شكَّ الإنسان في ابتداء المسح ووقته قال ابن عثيمين: يبني على اليقين ، فإذا شكَّ هل مسح لصلاة الظهر أو لصلاة العصر فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العصر ، لأن الأصل عدم المسح .
وإن كان عادِماً للماء ، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء فإنه يلبس الخفين ، ولو كان على غير طهارة ، وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء ، لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم ، لكن اذا قدر على الماء فإنه يتوضأ وينزع خفيه ويغسل قدميه .
رزقنا الله الفقه في دينه والعمل به .
هَذَا وَصَلُّواوَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ
عَلَيْهِ, فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواتَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ, وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, الْأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَعُثْمَانَ, وَعَلِيٍّ, وَعَنْ سَائِرِ الآلِ, وَالصَّحَابَةِ, وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا, مُطْمَئِنًا, رَخَاءً, سخَاءً, وسَائِرَ بلَادِ المُسْلِمِينَ ، اللهم من أراد بلادنا بسوء فأفسد عليه أمره ، ورد كيده في نحره ، واجعل تدميره في تدبيره . اللهم أيد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة
الصالحة الناصحة برحمتك يا ارحم الراحمين .
اللهم كن لإخواننا المرابطين على ثغور بلاد الحرمين اللهم عجل نصرهم واكبت عدوهم بقوتك يا قوي يا عزيز .
اللهمّ أنت الله لا إله إلاّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهمّ أغثنا غيثًا مُغيثًا مريئًا مجلّلاً، عاجلاً غير آجل، نافعًا غير ضار. اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهمَّ اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك،
وأحي بلدَك الميت.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ) .