أرجو منك شرح أو توضيح قول البربهاري: “المحنة في الإسلام بدعة، وأما اليوم فيُمتَحن بالسنة”؟
كلام الإمام البربهاري رحمه الله تعالى هذا لما قال: “المحنة في الإسلام بدعة“، يراد به – والله أعلم- أحد أمرين:
– الأمر الأول: المحنة في الإسلام من غير سبب ولا مُوجِب شرعي بدعة؛ لأن الأصل أن لا يُمتحن الناس في عقائدهم، ولا يُنتَقل للامتحان في العقائد إلا عند الحاجة ووجود السبب، هذا المعنى الأول.
– أو المعنى الثاني: يُحمَل كلامه على امتحان أهل الحق بالباطل، كما ذكر امتحان الناس في وقت الإمام أحمد على القول بأن القرآن مخلوق، فمثل هذا الامتحان بدعة.
إذًا قوله: والمحنة في الإسلام بدعة يرجع – والله أعلم- إلى أحد أمرين:
– الأمر الأول: الامتحان من غير سبب ولا حاجة، فمثل هذا بدعة.
الأمر الثاني: امتحان أهل الحق بالباطل، فمثل هذا بدعة.
أما قوله: “وأما اليوم فيُمتَحن بالسنة“ أي: إما أن يُحمَل على أنهم يُمتَحنون على السنَّة دون البدعة، وذلك بقيدٍ وهو عند وجود الحاجة؛ فإن الأصل عدم الامتحان في العقائد إلا إذا وُجِد حاجة تستدعي ذلك، ومما يدل على ذلك ما أخرج مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي «أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أعتقها فإنها مؤمنة» في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم امتحن هذه الجارية في إيمانها، وذلك بسببٍ، وهو أن معاوية بن الحكم السلمي أراد أن يعتقها، فالنبي صلى الله عليه وسلم امتحنها ليتأكَّد أنها مؤمنة؛ فإن الذي يُعتَق هي الرقبة المؤمنة.
لذلك هذا الامتحان كان لسببٍ، وهو التأكد أنها مؤمنة، لتستحق العتق، فدل هذا على أنه لا يُمتَحَن إلا عند وجود الحاجة.
فمثلًا: لو أراد حاكم أن يُولِّيَ أقوامًا ولاية، لكنه لا يريد أن يولِّيَ أهل البدع؛ فإنه يمتحن الناس، ويسألهم ليميِّز السُنِّي من البدعي.
ومثل ذلك: لو كان هناك رجلٌ، يُعلِّم الناس، فأراد أهلُ السنة أن يمتحنوه؛ ليتأكدوا منه هل هو على سُنَّة أم لا، فهذا الامتحان لسببٍ، وله حاجة، فإذا كان كذلك فإنه جائز، كما تقدَّم.