ألفاظ وأفعال ينهى عنها أهل البيت
الحمدلله رب العالمين، وبعد:
لا يختلف أهل البيت ولا الصحابة أن الشرك ينقسم إلى قسمين:
شرك أكبر.
وشرك أصغر.
وكلا القسمين عند ربك محظور.
إلا أن الشرك الأصغر لا يخرج مَن يقع فيه عن دائرة الإسلام، بخلاف الشرك الأكبر؛ فإنه من يقع فيه يخرج عن دائرة الإسلام، ولا يغفر لمن مات عليه ولم يتب منه، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}.
وحديثنا عن الشرك الأصغر، كالرياء، وكقول الرجل: ما شاء الله وشاء فلان، أو لولا الله وفلان.. وما شابه ذلك؛ وذلك لخفائه ولجهل الناس به، ولأنه دارج على ألسنة بعض الناس.
وهذه المسائل يحرمها أئمة أهل البيت -رضي الله عنهم- وسأعتمد على الأدلة من كتب الشيعة أنفسهم، وأما أهل السنة فإنهم يرونها محرمة، وهي من الشرك الأصغر، وهي مبثوثة في كتب العقيدة.
أدلة التحريم من كتب الشيعة:
(حكم قول الرجل لا وحياتك)
عن زرارة قال: (سألت أنا جعفر -عليه السلام- عن قول الله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمبِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ}، قال: من ذلك قول الرجل: لا وحياتك).
قلتُ: وفيه النهي عن الحلف بغير الله؛ لأن الواو من حروف القسم.
راجع مقالاً لي بعنوان: (مسألة: حكم الحَلِف بغير الله في مذهب أهل البيت).
(حكم الرياء)
قال أبو عبدالله -عليه السلام-: (كل رياء شرك، إنه مَن عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومَن عمل لله كان ثوابه على الله).
[كتاب الكافي للكليني – باب الرياء]
قال أبو عبدالله -عليه السلام-: (قال الله عز وجل: من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له).
[كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي]
قلتُ: الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجه، ولذلك تدرك على وجه اليقين أن من يذهب إلى الميت ويسأله كشف الكربات، ومغفرة السيئات، وطلب الحاجات؛ وقع فيما ينافي الإخلاص لله، والله هو الحي الذي لا يموت، وقد أمر عباده بأن يدعوه فيستجيب لهم، والدعاء عبادة يجب صرفه لله وحده، ومن صرفه لغير الله وقع فيما ينافي الإخلاص، كما قاله جعفر والرضا وعلي -رضي الله عنهم-.
عن زرارة عن جعفر -عليه السلام- في حديث قال: (أفضل العبادة الدعاء).
[كتاب وسائل الشيعة].
وعن أبي الحسن الرضا -عليه السلام- أن أمير المؤمنين -عليه السلام- كان يقول: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء….).
[أخرج الرواية الكليني في الكافي وغيره].
(حكم قول: الرجل لولا الله وفلان)
وعن زرارة عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: (شرك طاعة قول الرجل… ولولا الله وفلان).
[كتاب وسائل الشيعة، وبحار الأنوار ].
قلتُ: لأن من كمال التوحيد أن تقول: لولا الله ثم فلان. فإذا كان هذا اللفظ اعتبره محمد الباقر شركاً وهو مجرد لفظ؛ فلاشك أن دعاء الميت والاستغاثة به أشد وأعظم من لفظ لولا الله وفلان!
فتنبه إلى ذلك أيها المسلم.
(ما الفرق بين حرف “الواو” وحرف “ثم”)
الفرق بينهما واضح، وذلك أن حرف “الواو” تفيد المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم والإِعراب، مثل (سافر علي وعمر)، ولا تدل على ترتيب بينهما ولا تعقيب، إِذ يمكن أَن يكون علي سافر قبل عمر ، أَو عمر سافر قبل علي، كما يمكن أَن يكونا سافرا معاً، فالواو تفيد أن المعطوف والمعطوف عليه اشتركا في الحكم، فإذا قلتَ: لولا الله والطبيب لمات المريض. فتفيد “الواو” أن الله والطبيب اشتركا في حكم العناية وهو نجات المريض، وبهذا فيه سوء أدب مع الله؛ لأن مشيئة الله وعنايته سابقة على مشيئة الطبيب وعنايته، فمن الأدب مع الله وتعظيمه إياه، وحماية جناب التوحيد أن تأتي بحرف “ثم” بدل الواو؛ لأن حرف “ثم” تفيد الترتيب مع التراخي، أي: قد يكون هناك مدة زمنية، فالجملة (سافر علي ثم عمر ) تدل على أَن علياً سافر قبل عمر بمهلة متراخية، فدخول ثم تفيد أن مشيئة الله وعنايته سابقة على مشيئة خلقه وعنايتهم.
قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ . ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ . ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ . ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ}.
انظر إلى اللفظ القرآني لما كان تقدير الإنسان تابعًا للخلق وملازمًا له عطف عليها بالفاء: {من نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}؛ لأن الفاء تأتي للتعقيب مباشرة، ولما كانت “ثم” تفيد التراخي الزمني مع الترتيب استخدمها؛ لأن الإنسان إذا خلقه الله فقدره سيعيش في بطن أمه زمنا، وإذا خرج من بطن أمه سيعيش زمنًا، ولكن إذا مات سيدفن ولن يترك، فأتى بالفاء {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}.
ولما كان بين الإقبار بعد الموت والنشور مدة من الزمن عطف؛ بـ(ثم): {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ}.
فتنبه إلى ذلك أيها المسلم، ولا تقل لولا الله وفلان وإنما قل لوالله ثم فلان.
( حكم تعليق التمائم)
عن القاسم قال: قال أبو عبدالله -عليه السلام-: (إن كثيرًا من التمائم شرك).
[كتاب وسائل الشيعة، بحار الأنوار].
قلتُ: كتعليق الخرز أو الطلاسم في العنق أو أي معدن، يعتقد أن هذه الأشياء تجلب الخير وتدفع الشر، ولا شك أن هذا من المنهي عنه.
والرقية المشروعة: هي ما كانت من كتاب الله، كالقراءة على المريض بعض السور والآيات، ومن السُّنَّة كالأدعية الثابتة الصحيحة، واعتقد كلٌّ من الرَّاقي والمرتقي أنّ تأثيرها لا يكون إلا بإذن الله عزَّ وجلَّ.
والرقية المنافية للشرع؛ هي التي يتم فيها الاستعانة بغير الله عز وجل، أو ألفاظها ليست بالعربية؛ وإنما بكلام غير مفهوم كالأحرف وكتابة مربعات وطلاسم كما يفعله المشعوذون والسحرة.
(حكم تلطيخ رأس الصبي بالدم)
قال الحر العاملي: (باب عدم جواز لطخ رأس الصبي بدم العقيقة).
عن ابن وهب عن أبي عبدالله -عليه السلام- في حديث أنه قال: (كان ناس يلطخون رأس الصبي بدم العقيقة، وكان أبي يقول: ذلك شرك).
وفي رواية: عن عاصم الكوزي عن أبي عبدالله -عليه السلام- في حديث العقيقة قال: (قلت له: أيُؤخذ الدم فيُلطخ به رأس الصبي؟ فقال: شرك. فقال: لِمَ لَمْ يكن ذلك شِركًا؟! فإنه كان يعمل في الجاهلية، ونُهى عنه في الإسلام).
[كتاب وسائل الشيعة]
قلتُ: لو دعا له بالبركة -أي: على الصبي- فقال: ماشاء الله، أو اللهم بارك فيه، أو اللهم أنبته نباتاً حسناً؛ لكان الأمر واضحاً ولا حرج، ولكن ما علاقة الدم بتلطيخه على رأس الغلام؟! أو شراء سيارة وذبح ذبيحة وتلطيخ دمها على عجلة السيارة وعلى جوانبها؟!
العلاقة: أن من يفعل ذلك يلتمس الوقاية من العين والحسد وما أشبه ذلك، وهذا من البدع المنكرة، ومن فعل الجاهلية.
قال الله تعالى: {وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}.
فإن الله تعالى هو الذي يدفع الشر عن خلقه، ويجلب لهم الخير، كما قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
ولكن لو ذبح ذبيحة خالصةً لوجه الله، وشكرًا له على أن سخر له هذه النعمة -وهي السيارة- ودعا لها، أو وزعها على الفقراء؛ فلهذا هو المشروع والمستحب، ولكن من غير تلطيخ السيارة بالدم النجس؛ لما فيه من التشبه بأهل الجاهلية، كما نص عليه بعض أئمة أهل البيت.
نسأل الله أن يبصرنا بدينه، وأن يميتنا على التوحيد،
والحمدلله رب العالمين.
كتبه/ فيحان الجرمان