أمران كفريان وبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج


الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي أكمَلَ لَنَا الدِّينَ ورضيَ لَنَا الإسلامَ المتينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ شهادةً تنفعُنَا في يومٍ كان شرُّهُ مستطيرًا، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ المبعوثِ رحمةً للعالمينَ وبشيرًا ونذيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

أمَّا بعدُ:

فإنَّ هاهُنا أمرينِ كُفريينِ شائعينِ بينَ كثيرٍ من المسلمينَ، مَن وقعَ فيهِمَا كفَرَ بعدَ إسلامِهِ، وحَبِطَ عمَلُهُ، وصارَ خالِدًا مُخلَّدًا في النارِ -والعياذُ باللهِ-.

الأمرُ الأولُ: سبُّ الدِّينِ أو سَبُّ رسولِ اللهِ ﷺ أو سَبُّ اللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هُوَ، فقد خَرَجَ أقوامٌ معَ رسولِ اللهِ ﷺ في غزوةِ تبوكَ، فتكلَّموا على رسولِ اللهِ ﷺ وصحابَتِهِ، فقالوا: ما رأينَا مِثلَ قُرَّائِنَا هؤلاءِ أَرْغَبَ بطونًا وَلَا أكذَبَ أَلْسُنًا -يعنونَ رسولَ اللهِ ﷺ وصحابَتهُ الكِرامَ- فنزَلَ قولُهُ تعالَى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65-66] وقد قالوا: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: 65] أي نحنُ مَا كُنَّا جادِّينَ وإِنَّمَا كُنَّا مازِحِنَ، وقَدْ أقرَّهُم اللهُ على ذلكَ، فصدَّقَهُم بأنَّهُم كانُوا يخوضونَ ويلعبونَ، لذلكَ لَمْ يَقُل رَبُّ العالمينَ: إِنَّكُم مَا كُنتُمْ تخوضونَ ولا تلعبونَ، وإنَّمَا قالَ بعدَ أنْ زعمُوا أنَّهُم كانُوا يخوضونَ ويلعبونَ: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.

فكفَرَ هؤلاءِ بكلمةٍ قالُوها على وجهِ الاستهزاءِ برسولِ اللهِ ﷺ، فَكُلُّ مَن استهزأَ بربِّ العالمينَ أو بدينِهِ أو برسولِهِ ﷺ فقَدْ كفَرَ، سواءٌ كانَ مازِحًا أو جادًّا، كُلُّ مَن فعلَ ذلكَ كفَرَ، وقَدْ دَلَّ على هذا القرآنُ، وتوارَدَ العلماءُ على حكايةِ الإجماعِ على ذلكَ، ومِمَّنْ حكى الإجماعَ على ذلكَ الإمامُ إسحاقُ بنُ راويهِ، وسحنونُ، وابنُ المنذِرِ، وشيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ -رحمهم الله تعالى- وأطالَ الكلامَ على ذلكَ في كتابِهِ (الصارمِ المسلولِ في كفرِ شاتِمِ الرسولِ).

إخوةَ الإيمانِ، إنَّ مِن المهلكاتِ الموبقاتِ أنْ بعضَ المسلمينَ إذا أُغضِبوا أو غَضِبُوا سَبَّ دينَ الإسلامِ، أو الربَّ سبحانَهُ وتعالى، بَلْ يقولُ بعضُهُم -قطعَ اللهُ لسانَهُ-: يلعَن ربَّك!! إلى غيرِ ذلكَ مِن العباراتِ الكُفْريَّةِ العظيمةِ في دينِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ ﷺ، ثم يقولُ بعد ذلكَ: لَمْ أقصِدْ، إلى غيرِ ذلكَ مِن العباراتِ، فيُقال: ألَمْ تجِدْ أحدًا تَسُبُّهُ عندَ غَضَبِكَ إِلَّا جَبَّارَ السماواتِ والأرضِ؟ واللهِ إنّ كفارَ قريشٍ كأبي جهلٍ وأبي لَهَبٍ لا يَسُبُّونَ اللهَ وهُم كفارٌ ومشركونَ، فكيفَ تدَّعي الإسلامَ وتسبُّ اللهَ أو دينَهُ أو نبيَّهُ محمدًا ﷺ؟

فاتَّقُوا أيها المسلمونَ، وتعاهدُوا أنفُسَكم وأولادَكُم، فإنَّ أولادَنَا اليومَ يُطالِعونَ بعضَ المسلسلاتِ وفيها لَعنُ الرَّبِّ سبحانَهُ أو الدِّينِ، وهذا شائِعُ في بعضِ المسلسلاتِ التي تُنقَلُ مِن بعضِ الدولِ الإسلاميةِ -عافاني اللهُ وإيَّاكُم-.

الأمرُ الثاني: ما أكثرَ المسلمينَ الذينَ يتساهَلونَ في المُكفِّرِ الثاني، ألَا وهوَ السِّحرُ -عافاني اللهُ وإيَّاكُم- قالَ سبحانهُ: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102] بيَّنَ ربُنا سبحانَهُ سببَ كفرِهِم وهو أنهُم يُعلِّمونَ الناسَ السحرَ، ثم قالَ في آخرِ الآيةِ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102] يريدُ رجلٌ ضعيفُ الدِّينِ والإيمانِ أنْ يُحبِّبَ زوجَتَهُ إليهِ فيأخذُ من الساحرِ سِحْرَ العَطْفِ، أو تفعلُ ذلكَ بعضُ النساءِ، وعلَى النقيضِ إذا أرادَ رجلٌ امرأةٌ أنْ تُبغِّضَ بينَ زوجينِ فتأخذُ سِحْرَ الصَّرْفِ، أرادَ رجلٌ أنْ يُؤذِيَ غيرَهُ فيذهَبُ إلى هؤلاءِ السَّحَرَةِ والمُشعوذينَ -والعياذُ باللهِ رَبِّ العالمينَ-.

ومِن المعلومِ أنَّ السِّحرَ إنما يحصلُ بأنْ يتقرَّبَ الساحِرُ إلى أولئكَ الشياطينِ -عافاني اللهُ وإيَّاكُم- بَلْ قد يقولُ بعضُ السحرةِ لمن يأتيهِ مبتغيًا السحرَ: اذهبْ إلى دوراتِ المياهِ أو إلى أماكِنِ الخَلَاءِ واذْبَحْ فيها ديكًا أو دجاجَةً أو غيرَ ذلكَ، وكلُّ هذا مِن الشركِ -عافاني اللهُ وإيَّاكُم-.

أيها الموحدونَ، اتَّقُوا السِّحْرَ وإنْ سُمِّيَ بغيرِ اسمِهِ، فقَدْ شاعَ في بلادِ المسلمينَ سَحَرَةٌ باسمِ الأطبَّاءِ الشعبيينَ أو القُرَّاءِ، وإذا أردتَ أنْ تعرِفَ هل أنتَ بين يدِي ساحِرٍ أم لا؟ انظُر إلى طَلَباتِهِ وإلى أسئِلَتِهِ، إنْ سألكَ عمَّا لا تعلقَ لهُ بالمرضِ كاسمِ أُمِّكَ أو طلَبَ مِنكَ أن تذبَحَ كذا وكذا، أو أنْ تفعلَ كذا وكذا، فاتَّقِ اللهَ وفِرَّ فإنَّكَ بينَ يدَيْ ساحرٍ، والسِّحْرُ كفرٌ كمَا قالَ رَبُّنَا: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102].

اللهُمَّ يا مَن إلهَ إلا أنتَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ احفَظْ علينَا دينَنَا، اللهُمَّ احفَظْ علينَا دينَنَا، اللهُمَّ احفَظْ علينَا دينَنَا يا ربَّ العالمينَ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ وكفَى، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ المصطفى، أمَّا بعدُ:

فقَدْ شاعَ عندَ كثيرٍ من المسلمينَ أنهم يعتقدونَ أنَّ ليلةَ اليومِ السابِعِ والعشرينَ مِن شهرِ رجَبٍ هو ليلةُ الإسراءِ والمِعْرَاجِ برسولِ اللهِ ﷺ، ولا شكَّ أنهُ أُسْرِيَ وعُرِجَ برسولِ اللهِ ﷺ، وهيَ مِن أعظمِ الآياتِ والدَّلائِلِ البيِّناتِ على نُبُوَّةِ رسولِ اللهِ ﷺ، قالَ سبحانهُ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء: 1].

لكِنَّ تحديدَ هذا الليلةِ بليلةِ اليومِ السابِعِ والعشرينَ مِن شهرِ رَجَبٍ لا دليلَ عليهِ، فليسَ هناكَ دليلٌ قطعيٌّ في إثباتِ أنَّ الإسراءَ والمِعْرَاجَ كانَ في ليلةِ  اليومِ السابِعِ والعشرينَ مِن شهرِ رَجَبٍ، ثُمَّ لو قُدِّرَ أنهُ ثبَتَ فإنَّ رسولَنَا ﷺ وصحابَتَهُ الكِرامَ والتَّابعينَ لَهُم بإحسانٍ وأئمةَ المذاهبِ الأربعةِ كأبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ لَمْ يحتَفِلوا بهذهِ الليلةِ ولَمْ يجعلوهُا ليلةَ احتفالٍ، فلِذا لَو قُدِّرَ ثبوتُ الإسراءِ والمِعراجِ في الليلةِ فإنهُ لا يجوزُ أنْ يُحتَفَلَ بِهِ.

يا لَلهِ، قَدْ شاعَ في بلادِ العالمِ الإسلاميِّ أنهم يجعلونَ هذا اليومَ يومَ إجازةٍ احتفالًا بالإسراءِ والمعراجِ!

يا سبحانَ اللهِ، يحتفِلونَ بيومٍ لَمْ يثبُت بدليلٍ قاطعٍ، ثم لو ثبَتَ فإنَّ رسولَ اللهِ ﷺ وصحابَتهُ الكِرامَ الذين هم أحرصُ على الخيرِ لَمْ يفعلوا ذلكَ، فإذا كانَ كذلكَ فهُوَ مِن البدعِ المُسخِطَةِ للهِ ربِّ العالمينَ، والمُخالِفَةِ لطريقِ رسولِ اللهِ الأمينِ ﷺ، وقَدْ أخرجَ مسلمٌ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يقولُ كُلَّ جُمُعَةٍ على المِنبَرِ: «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

فكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ومُسخِطَةٌ للهِ وَلَو سُمِّيتْ بدعةً حسنةً، فإنَّ الأسماءَ لا تُغيِّرُ المُسمَّياتِ، فالخمرةُ إذا سُمِّيتْ مشروبًا روحيًّا، والرِّبَا إذا سُمِّيَ بالفوائدِ فإنهُ لا يجوزُهُ، فإنَّ الأسماءَ لا تُغيُّرُ المُسمَّياتِ.

وروى البيهقيُّ في كتابِهِ (المدخلِ) عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ -رضي الله عنهما- أنهُ قالَ: كُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ وإِنْ رآهَا الناسُ حسنةً.

فاحذَروا البدعَ غايةَ الحذَرِ، فإنَّها عنِ اللهِ مُبعِدَةٌ، ولهدي رسولِ اللهِ ﷺ مُخالِفَةٌ، وللحسنَاتِ مُضيِّعةٌ، وللسيئةِ جالِبَةٌ.

اللهُمَّ جَنِّبنا البِدَعَ، اللهُمَّ أحينا على السُّنَنِ …

اللهُمَّ انصُر الإسلامَ والمسلمينَ …

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

أمران كفريان وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي


شارك المحتوى:
0