الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللهِ شَهِيدًا ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ : إقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً مَزِيدًا. أمَّا بَعْدُ : فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ .
عباد الله : لا نجاة لأحد كائناً من كان إلا بعد معرفته ومعرفة ما جاء به ؛فإنه من الإيمان بالله الإيمان برسوله وبما جاء به، فهو أحد الأصول الثلاثة، التي يجب على كل مسلم ومسلمة معرفتها، وليس المراد معرفة حفظ دون معرفة عمل؛ لأن الإنسان، مهما بلغ من المراتب ولو كان تخصصه في السيرة النبوية دون اتباع وعمل ، فما الذي يفيده هذا العلم، إذا سئل في قبره عن ربه، وعن دينه وعن نبيه لن يستطيع الجواب ، وَالأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا ، هِيَ : مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ.
فَمَعْرِفَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أَصْلٌ عَظِيمٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا ، فهو صاحب الشريعة الغراء ، فدعك ممن يزعم محبته وهو يتعبد بما لم يشرعه ﷺ فقد كذب ، وليست محبته باحتفالات مظهرية جوفاء باسم المولد فذاك ما لم يشرعه ولم يعمله أصدق الخلق محبة له وهم من اختارهم الله لصحبته فكيف تكون علامة محبته .
لذا قرَنَ اللهُ طاعتَه بطاعتِه، (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) ، وقرن محبَّتَه بمحبَّتِه (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) فلا يُتعبَّدُ الله ولا يُتقرَّبُ إليه إلا بما شرعَ على لسانِ نبيِّه محمدٍ – عليه الصلاة والسلام -، وليس للجنةِ طريقٌ إلا طريقُه .
لقد كان السلف الصالح يدركون أهمية هذا الشيء ،
قال زين العابدين علي بن الحسين- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كنا نعلّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نعلّم السورة من القران»
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: «كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني هذه شرف ابائكم، فلا تضيعوا ذكرها» نعم- والله- إنها لشرف الاباء، والمدرسة التي يتربى فيها الأبناء!!
وهذا هو الإمام الزهري عالم الحجاز والشام وهو من قدماء من عنوا بجمع السيرة، بل قيل إنه أول من ألف في السيرة ، يقول:«في علم السيرة علم الدنيا والاخرة»
إن مَعْرِفَتهُ ﷺ وقراءة سيرته وحديثه مما لا يمكن أن
يستغني عنه مسلم ، كمعرفة: اسْمِهِ، وَنَسَبِهِ،وَعُمُرِهِ، وَوَفَاتِهِ، وَبَلَدِهِ، وَمُهَاجَرِهِ، وَمَا بُعِثَ بِهِ – وَهُوَ أَعْظَهُمَا -؛ فَهو خاتم الرسل، وسيد ولد آدم، وهو أفضلهم عليه الصلاة والسلام ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلَهُ مِنَ العُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَثَلاثٌ وَعِشْرُونَ نَبِّيَاً رَسُوَلاً .
نُبِّئَ بـ( اقْرَأْ ) ، وَأُرْسِلَ بـ ( الْمُدَّثِّرِ )، وَبَلَدُهُ مَكَّةُ، وَهَاجَرَ إِلى الْمَدِينَةِ. بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، قَالَ تَعَالَى:( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ ). أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلاثَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا أُمِرَ بالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، مِثْلِ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِهَا مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ. أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ ﷺ وَدِينُهُ بَاقٍ وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا مِنْهُ ، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ؛ قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)، وَكَمَّلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ؛ قَالَ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً).
سالم وحارب، وأقام وسافر، وباع واشترى، وأخذ وأعطى، وما عاش صلى الله عليه وسلم وحده، ولا غاب عن الناس يوماً واحداً، ولا سافر وحده.
وقد لاقى صنوف الأذى، وكانت العاقبة والنصر له.
اللهم اجعَله قُرَّة أعيُننا، واغرِس محبَّته في قلوبنا
أَقُولُ ما سمعتم وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الحَمْدُ للهِ وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أمَّا بَعْدُ : عباد الله :
إنَّ في دراسة السيرة عونا لفهم الدين كله؛ عقيدةً وعبادةً وخُلقا ، لأنَّ حياته -كما أسلفت- حياة عمل لهذا الدين ؛ يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: ” اعرف ما قصه أهل العلم من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وقومه وما جرى له معهم في مكة وما جرى له في المدينة ، واعرف ما قص العلماء عن أصحابه وأحوالهم وأعمالهم. لعلك أن تعرف الإسلام والكفر ؛ فإن الإسلام اليوم غريب وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر ، وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح “
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : « وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ
الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» انْتَهَى كَلَامُهُ.
فما أحرانا في عصرنا الحاضر أن نغرس في قلوب أولادنا هذه السيرة النبوية الكريمة! بدل أن يغرسها وتغرسها وسائل الإعلام بقصص الكافرين والكافرات والفاسقين والفاسقات، نسأل الله السلامة والعافية.