(إخماد الفتنة وأهلها واجب شرعي)
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ,
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
فإن نعمة الأمن نعمة عظيمة، ومنحة جليلة، وبدونها لا يتم الدين ولا تصلح الدنيا ؛ لذا قدّم إبراهيم عليه السلام طلب الأمن على غيره قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }
وامتن الله على كفار قريش به فقال {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وقال {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
وكل داعية فتنة وزعزعة هو عدوك وعدو أولادك ومجتمعك، وهو داعية لانتهاك عرضك وسفك دمك ودم أحبابك وأولادك ، وهو داعية لتشتيت جمعك وأسرتك وأهلك، بل هو مفسد للدين لأنه بدون الأمن لا يظهر الدين ولا ينتشر.
ولك العبرة فيمن حولك من بلاد المسلمين كسوريا وليبيا واليمن وقبل العراق والصومال، فقد أفتقروا بعد غناهم أو كفايتهم، وخاوفوا بعد أمنهم، وتفرقوا بعد جمعهم وفقدوا أهليهم وأمهاتهم وأبناءهم .
فيا لله كم من طفل يتّم ، وزوجة رمّلت، وأم أحرق قلبها بفقد ولدها
وكم من دار هدمت ، وأحياء دمرت بل ومدن سحقت.
كل هذا باسم الحرية، فناطحوا الحكام، وصادموا الولاة، وأفسدوا الممتلكات،
فوالله وبالله وتالله
عيشٌ مع فقر خير من حرية مزعومة نتاجها شتات وتشريد وسفك للدماء وانتهاك للأعراض .
لذا تكاثرت الأدلة الشرعية في الصبر على جور الحاكم ولو كان ظالمًا فاسقًا، وكل هذا رحمة بنا وشفقة علينا، فإن الناس لا ينضبطون إلا بحاكم يضبطهم ويُؤمنهم بعد الله سبحانه .
قال الشاعر الجاهلي :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم …ولا سراة إذا جُهّالهم سادوا
واعتبر ذلك بشجار الناس واختلافهم عند إشارة مرورية قد تعطلت في طريق مزدح !!
عن ابن مسعود -رضي الله عنه – أن رسول الله قال:” إنكم سَتلقَون بعديْ أَثَرة, وأمورًا تنكرونها “، قالوا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: “ تؤدُّون الحقَّ الذي عليكم وتسألونَ الله الذي لكم ” متفق عليه.
وعن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أَلَا من وَليَ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصيةِ الله فلْيكرَهْ ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة ” أخرجه مسلم.
وعن حذيفة قال: كيف أصنعُ يا رسولَ الله إنْ أدركتُ ذلك؟ قال: ” تسمعُ وتطيعُ للأمير، وإنْ ضربَ ظهركَ، وأخذَ مالكَ فاسمَعْ وأطِعْ” أخرجه مسلم.
لذا قال السلف: سلطان غشوم خير من فتنة تدوم .
قال الطرطوشي-رحمه الله-: “ولو جُعل ظلم السلطان حولاً في كفة كان هرج الناس ساعةً أرجحَ وأعظمَ من ظلم السلطان حولاً، وكيف لا وفي زوال السلطان أو ضعف شوكته سوق أهل الشر …، ونفاق أهل ..السوقة واللصوص والمناهبة؟ قال الفضيل: جور ستين سنة خير من هرج ساعة، فلا يتمنى زوال السلطان إلا جاهل مغرور أو فاسق يتمنى كل محذور”
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا
اللهم من أراد ببلادنا وبلاد المسلمين سوء فأشغله في نفسه
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإنه لما كان الأمن بهذه المنزلة الرفيعة، والمكانة العلية، وسببًا رئيسًا لتمام الدين وصلاح الدنيا، كان الواجب على ولاة الأمر أن يقفوا في وجه كل داعية فتنة ولو تظاهر بالدين والاستقامة، وأن يكفوه عن غيّه وشره، ولو استدعى الأمر لسجنه وحبسه .
وسئل الإمام أحمد-رحمه الله- عَن رجل ابتدع بِدعَة يَدْعُو اليها وَله دعاة عَلَيْهَا هَل ترى أن يحبس ؟
قَالَ: “نعم أرى أن يحبس، وتكف بدعته عَن الْمُسلمين”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:” وهؤلاء المعروفون بالفتن والفساد لولي الأمر أن يمسك منهم من عُرف بذلك فيحبسه؛ وله أن ينقله إلى أرض أخرى ليكف بذلك عدوانه؛ وله أن يعزر أيضا من ظهر منه الشر ليكف به شره وعدوانه”
وإننا لنحمد الله أن وفق لولاتنا هذه الأيام على سجن كثير من دعاة الفتنة، بعد أن صبروا عليهم ، وناصحوهم وناصحهم غيرهم سنين.
والواجب الوقوف مع ولاة الأمر، والدعاء لهم، والشد على أيديهم، والرد على كل مشوش في وسائل الإعلام المختلفة والمجامع المتعددة .
واعلموا أن أول النار شرارة، وأول الحروب كلمة ، فلا تستهن بالكلمة فهي عظيمة النفع في الإصلاح، وعظيمة الضرر في الإفساد.
وإن القدح في موقف ولاة الأمر أو التشكيك فيهم سببٌ عظيم لفقدان الأمنروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عكيم – رحمه الله – أنه قال: “لا أُعينُ على دَمِ خليفةٍ أبدًا بعد عثمان-رضي الله عنه-” . فقيل له: أو أَعنْتَ على دمهِ؟! فيقول: “إني أعدُّ ذكرَ مساويهِ عونًا على دمهِ”
ثم إن للملكة العربية السعودية مزايا دينية عظيمة وإن كان الكمال عزيزًا، لكنّ العاقل يكمل النقص، ويسد الخلل .
وعجبي أن دعاة الفتنة يقدحون في السعودية قدحًا عظيمًا ، وفي المقابل يمجدون حكامًا ودولًا مع أن ضلالهم الديني كبير بل إن مقارنتهم بحكام السعودية دينيًا ظلمٌ ، فأين الثرى من الثريا .
كيف يقارن حاكم لا يحكم بشرع الله ولا يظهر التوحيد ، ويدعو للمثلية بحاكم يحكم بشرع الله ويدافع عن الإسلام ويغار على التوحيد قولًا وفعلًا!!
لكن مثل هذا الجور والتلبيس لا يستغرب من الحزبية الدخيلة المقيتة التي تقلب الحقائق وتغير المفاهيم .
وفي مقدم هذه الجماعات الحزبية الملبسة جماعةُ الإخوان المسلين الإرهابية الخارجية ، فقد كفرت الحكومات السنية، وقاربت الحكومات الرافضية، وصارت معول هدم بأيدي الكفار يهدمون بها بلاد المسلمين بإثارة الفتن والدعوة إلى الثورات، وقد توارد علماؤنا على تبديعهم وتضليلهم كالإمام عبد العزيز ابن باز -رحمه الله – إلى العلامة صالح الفوزان – حفظه الله –
أسأل الله أن يؤمن المسلمين في بلدانهم
اللهم أمّن المسلمين في بلدانهم
اللهم من أراد بهم فتنة وشرًا فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه.
اللهم وفِّق ملكنا سلمان بن عبدالعزيز لعز دينك وإعلاء كلمتك .
اللهم اجزه عنّا وعن المسلمين خيرًا
د. عبدالعزيز بن ريس الريس