إعجاز الإنس والجان بذكر السبعة في السنة والقرآن
الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعله معجزةً على تعاقب الأزمان، وتحدى به الإنس والجان، وأفحم به أهل الزيغ والطغيان، وجعله ربيعًا لقلوب أولي الفضل والإيمان، وبعد:
فإن الله تبارك وتعالى جعل القرآن معجزةً بليغةً بالغة، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن أوجه إعجازه التي لا حد لها ولا عد: الإعجاز البياني، والإعجاز التشريعي، والإعجاز الغيبي، وغير ذلك مما يزال خافيًا على كل ذي لب فضلا عمن ليس له لب؛ فلا تنقضي عجائبه، ولا تنفد غرائبه.
وإنما بيَّن الله منه للبشر بقدر ما تعقله أفئدتهم، وتستوعبه أفهامهم.
وقد تحدى الله به الإنس والجن أن يأتوا بمثله؛ فقال جل في علاه: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا}
ومن غرائبه وعجائبه وأحكامه البالغة التي لا تنقضي؛ ذِكر، بل ليس مجرد ذكرًا عابرًا وإنما كثرة تكرار العدد (سبعة) في آيات كثيرة، منها:
قوله تعالى: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن}
وقوله عز وجل: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات}
وقوله سبحانه: {وأما عاد فأُهلِكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما}
وقوله جل ذكره: {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم}
وقوله سبحانه وتعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم}
وقوله جل وعز: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم}
أما ذكر العدد (سبعة) في عبادة الحج؛ فحدِّث ولا حرج، فيطوف المؤمنون حول البيت سبعًا، ويسعون بين الصفا والمروة سبعًا، وفي رمي الجمرات يرمون سبع جمرات.
وقد ورد أيضًا قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}
وقال جل وعلا ذاكرًا العدد سبعين وهو من مضاعفات العدد (سبعة): {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا} وقوله أيضًا: {ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه}
وأما السنة فلها نصيب غير منقوص، فقد ورد ذكر العدد (سبعة) في مواضع عديدة أيضًا:
فعندما حذَّر الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الموبقات والكبائر ذكر سبعة أنواع فقال: «اجتنبوا السبع الموبقات» وذكرها. رواه البخاري ومسلم
وعندما بشَّر عليه الصلاة والسلام الذين يظلهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ذكر سبعة أصناف بالرُّغم من أن هناك أصنافًا أخرى يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، ولكنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الأصناف في حديث واحد فقال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكرهم. رواه البخاري ومسلم.
وعندما توعّد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الظالم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين» رواه البخاري ومسلم.
وحينما تحدث عليه الصلاة والسلام عن نزول القرآن عليه قال: «إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف» رواه البخاري ومسلم.
وعندما قَدِمَ أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وطلب منه أن يخبره عن المدة التي يختم فيها القرآن فقال عليه الصلاة والسلام: «فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك» رواه البخاري ومسلم.
وحينما أخبرنا عليه الصلاة والسلام عن أعظم سورة في كتاب الله تعالى؛ قال: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» رواه البخاري.
وفي السجود يخبرنا عليه الصلاة والسلام بالسجود على سبعة أعضاء فيقول: «أُمرت أن أسجد على سبعة أعظُم» رواه البخاري ومسلم.
وإذا ولغ الكلب في إناء أحدنا فإن طهوره يكون بغسله سبع مرات إحداهن بالتراب.
وفي الاستشفاء أمرنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن نضع يدنا على مكان الألم ونقول سبع مرات: «أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» رواه مسلم.
وفي زيارة المريض وطلب الاستشفاء له قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: « من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض» «الترغيب والترهيب» وهو حسن.
وأيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: «من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم و لا سحر» رواه البخاري ومسلم
وفي فضل الصيام في سبيل الله قال عليه الصلاة والسلام: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا» رواه البخاري ومسلم. والعدد سبعين كما أسلفت آنفًا من مضاعفات العدد سبعة.
وغير ذلك من آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة ذُكر فيها العدد سبعة وأضعافه كالسبعين والسبعمائة، وهذا يدل على أهميته، وكثرة دلالاته، وأسراره التي استأثر بها الله جل وعلا، ولا يعلمها إلا هو جل وعلا.
وقد توسع بعض المصنّفين، بل سطّر بعضهم التصانيف والتواليف في استخراج أسرار هذا العدد بكلام ما أنزل الله به من سلطان، وهذا من الجهل بمكان؛ إذ كيف يمكن لعالم أن يتكلم بمقصود الله بغير دليل؟!
ومن أفضل من اجتهد في البيان بعلم وإنصاف، دون تعدٍّ ولا إجحاف، ولم يخُض كما خاض الخائضون، العلامة ابن القيم رحمه الله، حيث اجتهد في حدود الأدلة بما أفاض الله عليه من علم، وفي النهاية وكل سره إلى الله تعالى؛ فقال عند كلامه على حديث الصحيحين: «من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»
قال رحمه الله:
وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَرًا وشرعًا، فخلق الله عز وجل السموات سبعًا، والأرضين سبعًا، والأيام سبعًا، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعًا، والسعي بين الصفا والمروة سبعًا، ورمي الجمار سبعًا سبعًا، وتكبيرات العيدين سبعًا في الأولى، وقال صلى الله عليه وسلم: «مروهم بالصلاة لسبع»
وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية، وفى رواية أخرى: أبوه أحق به من أمه وفى ثالثة: أمه أحق به.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف، -أي سبع سنوات من الجدب – ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعًا، والسنين التي زرعوها سبعًا، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفًا.
ثم عَلَّق رحمه الله قائلا:
فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك؛ فهذه أربعة مراتب، شفع أول وثان، ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة.
ثم قال رحمه الله:
والله تعالى أعلم بحكمته، وشرعه، وقَدَره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره. انتهى، انظر: «زاد المعاد في هدى خير العباد» (4/90).
ولذا؛ فالأوْلى، بل الأصح التوقف عن الخوض في علة وحكمة تخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح.
رزقنا الله فهم كتابه، والعمل به، وشفاعته يوم يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه.
وكتب
الفقير إلى عفو ربه القدير
أبو مارية أحمد بن فتحي
عصر الجمعة العاشر من شهر صفر للعام الثاني والثلاثين بعد الأربع مئة والألف من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه
14/1/2011 ميلادي
مدينة الشيخ زايد (رحمه الله)
مصر