(اتّباع الدليل طاعة لله وابتداع البديل تأليه للهوى)
بسم الله الرحمن الرحيم
أ) دين الإسلام قائم ـ بالإجماع ـ على الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم فقهاء سلفالأمة في القرون المفضلة (الخلفاء الأربعة خاصة وبقية الصحابة والمعتدّ به من التابعين وتابعيهم عامة).
قال الله تعالى: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام: 155]، وقال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران: 31]، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }[الأحزاب: 21]، وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا }[النساء: 115]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض». الصحيحة حديث (1761).
ب) ودين الضّلال قائم ـ بالإجماع ـ على البديل من فكر البشر. قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ، وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم: 28 – 30]، وقال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقال تعالى: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181].
ج) وأوَّل وأشنعُ تبديلٍ نعلمهُ لنعمة الله بالإيمان كفرًا: اتخاذ قوم نوح لمن مات من صالحيهم مقامات ومزارات ومشاهد كما وَرَدَ في صحيح البخاري وفي تفسير ابن جرير عن قول الله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} [نوح: 23]، واقتدت بهم الأمم بعدهم فكانت رسالة الله إلى كلّ الأمم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ }[المؤمنون: 23]، بلفظها أو معناها:{لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[الصافات: 35]، {اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }[النحل: 36].
د) وبدَّل اليهود كلمةً فأنزل الله عليهم رجزاً من السّماء كما ورد في صحيح البخاري عن تفسير قول الله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}[البقرة: 59].
هـ) وكما بدّل اليهود شرع الله فقالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ}[التوبة: 30]، بدّل النّصارى شرع الله فقالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ}[التوبة: 30]، قال الله تعالى: {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ}[التوبة:30]، وبدّل اليهود والنّصارى شرع الله ـ كما بدّل مَنْ قبلهم ـ فاتخذوا قبور أنبيائهم مساجد كما ورد في الصّحيحين من تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته الاقتداء بهم: «لعنة الله على اليهود والنّصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (يُحذِّر مثل الذي صنعوا).
و) ولكن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء أنْسَيَا كثيرًا من هذه الأمة تحذير نبيها فاتبعوا سنن من كان قبلهم من المبدِّلين الضالين منذ قوم نوح فحقّ عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: «لتتّبعن سَنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع» [متفق عليه].
وكان من أشنع تبديل بعض هذه الأمة شرع الله: اتّخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد تُدعى وتُرجى مع الله تعالى تَقرُّبًا واستشفاعًا بهم إليه.
ولعلّ أوّل من فتح بذلك باب الشرك الأكبر من هذه الأمة: بعض ولاة الفاطميِّين العبيديِّين بين القرن الرابع والسّادس، واقتدى بهم أكثر المنتمين إلى الإسلام والسنة ـ فضلاً عن غيرهم من الفرق والطوائف ـ في كلّ بلاد المسلمين، ولم تُؤسَّس دولةٌ واحدةٌ منذ الفاطميِّين على تغيير هذا المنكر الأكبر حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري عندما وفّق الله الإمامين: محمد بن عبد الوهاب ومحمد ابن سعود رحمهما الله للتعاقد على ذلك، وإن ظهر بين وقت وآخر قليل من العلماء والأمراء المصلحين الذين غيّروا شيئًا من الشرك والبدع في بلاد الشام والهند ومكة واليمن وغيرها جزاهم الله خير ما يجزي به الدعاة إليه.
ولا تزال دولة آل سعود هي دولة الإسلام الوحيدة في القرون العشرة الأخيرة التي تمنع بناء المساجد على القبور، ومعابد الضلال المنتمية للإسلام وغيره، وتمنع ظهور بدع التّصوف والموالد وسائر البدع في الاعتقاد والعبادة التي وسوس بها الشيطان والنّفس بديلاً عن شرع الله، ثبتها الله على ذلك.
ز) ومما تَقدَّم يتبيَّن أنه لا مكان للبديل في دين الإسلام، وأن الشيطان أوحى به للخلف من قوم نوح ليُرْديهم ولِيَلْبس عليهم دينهم كما فعل بمن بعدهم، وأنه لا يُصلِح فسادَ البديل: صلاحُ النيّة وابتغاء الخير، فقد شهد الله لشرّ خلقه بأنهم:{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }[الأعراف:30]،وأنهم:{يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف: 104]، والبديل وسائر البدع ناشئ ـ غالبًاـ من الاستحسان؛ فقوم نوح بَنَوا في مجالس صالحيهم بعد موتهم أنصابًا أو مقامات أو مشاهد ليتذكروا أعمالهم الصّالحة ويقتدوا بهم تقرّبًا إلى الله، وجرّ غلوّ اليهود في محبة العُزير وغلوّ النّصارى في محبة المسيح إلى دعوى أنهما ابنا الله تقربًا إلى الله، وقال المشركون عامّة عن عبادتهم أولياءهم بدعائهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:3]، وقالوا تسويغاً لذلك:{هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس:18]؛ وهذا ما يُسَوِّغ به كل مُبَدِّلٍ ومُبتدع بَديله وبدعَته.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (من استحسن فقد شرّع) وألّف رسالة (ملحقةً بالأُمِّ) في (إبطال الاستحسان)، بل قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}[الجاثية:23]. وحذّر الله عباده من تلبيس الشيطان (بالفكر والبديل والاستحسان): {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 169]، وقرنَ الله الشركَ والفواحشَ والإثمَ والبغي بغير الحق بالقول على اللهِ بغير علم ولا سلطان من دليل وَحْيهِ في الكتاب والسنة بفهم السّابقين من الفقهاءِ في الدّين: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 33]، ولا شك أنَّ البديلَ السابقَ واللاحق – الشرك فما دونه من المحدثاتِ في الدّين – قول على الله بغير علم واستدراك على الإسلام، وقد قال الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]، وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]؛ (والبديل غير المبْدَل منه)، وأنَّ المبدِّل في الدّين مُبْتَدِعٌ فيه ما لم ينزِّل به الله سلطانًا من آيةٍ محكمةٍ أو حديثٍ صحيحٍ صريحٍ، وأنه ممن يُذاذ عن الحوض بما أحدث كما في الصحيحين.
ح) وقد بدأ التبديل في هذه الأمة بما انتهى به اليوم: الفكر بدلاً من الوحي، والظن بدلاً من اليقين، والمنهج المُحْدَث بدلاً من منهاج النبوة، والخروجُ عن جماعة المسلمين وإمامهم بدلاً من لزومهما، وتعدُّد الفرق بدلاً من لزوم الفِرْقة الناجية: من كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فظهرت القدرية والمعتزلة والأشاعرة والمرجئة والخوارج، وانفصل المنتمون إلى الشيعة عن المنتمين إلى السنة اسمًا واعتقادًا وفقهًا ومنهاجًا، وإنْ جَمَعَهم الشيطان على ضلال العمل (كثيرًا منهم) شيئًا فشيئًا، وظهرت القرامطة وعصابة حسن الصبَّاح والفلاسفة والمتصوّفة والمبتدعة عامّة، وليس لهم مرجع إلاّ فكر الهندوس واليونانييّن أو الفرس أو اليهود والنّصارى أو الفكر المؤلّه أو التّعصّب لبشر غير معصوم، وإن ظنَّ أكثرهم أنهم يخدمون الإسلام ويبلِّغونه بفهم جديد (يناسب العصر).
ط) وعلى هذا النّهج التبديلي سار المبتدعة في هذا العصر في محاولتهم الدّعوة إلى الله (أو إلى أنفسهم أو أحزابهم أو مشايخهم) وراجَتْ سلعةُ البديل، ودُعِيَ إليها، وَوُضِعَت لها مناهج محدثة زادت فِرَق الأمة، وحقّ عليها وما سبقها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة: [من كان على مثل] ما أنا عليه وأصحابي». رواه الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه وغيرهما.
وسُئل الشيخ ابن باز رحمه الله قبل موته بعامين أثناء شرحه المنتقى في الطائف عن دخول جماعة التبليغ وجماعة الأخوان المسلمين في الثنتين وسبعين فرقة فأجاب رحمه الله بأنهما (داخلتان كالمرجئة والخوارج) انظر: كتاب النَّصيحة لسعيد ابن هليل العمر، (ص:10 – 11) والجامع بينهم أن مناهجهم مُحدَثة، مخالِفَة لمنهاج النبوة، لم تكن على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا كانت سبيلاً للمؤمنين الذين حذّرنا الله من مخالفتهم في قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
ي) وإلى القارئ الكريم مثلاً من البديل المبتَدَع:
أولاً: بديل عن الشرِّ ـ زعموا ـ لم يشرعه الله ولا سنه رسوله ولا عمل به المؤمنون القدوة؛ (مثل غناء ورقص المتصوفة (السّماع)، والمدائح الموصوفة بالنبوية، والأناشيد والتمثيليات الموصوفة بالإسلامية، والدّعوة بالتسلية من القصص والأمثال الظّنّية، والشعر والفكاهة، والمسابقات ونحوها). بحجّة: ضرورة إيجاد بديل للهو الدّنيوي يجذب الناس عنهُ؛ كأنَّ شرع الله ووَحيَه ودينه وتبليغه غير صالح لكلّ زمان ومكان وحال، وكأنَّ آخر هذه الأمة لا يصْلح بما صلح به أوّلها، وكأن منهاج النّبوة غير كافٍ عن منهاج البشر، بل وكأن البديل اتهام لرسالات الله ودعوة رسله بالنقص، عفا الله عنا وعنهم.
ثانيًا: بديل عن الخير، وهو الأكثر والأخطر والأشنع؛ ومن أبرز أمثلته:
1 – أعظم نِعَم الله على عباده كلماته وآياته في كتابه الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] أنزله عليهم: {لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29] فكان الصحابة رضي الله عنهم (لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا معانيهنَّ والعمل بهنَّ).
ثمَّ وسوَس الشيطانُ بالبديل: الانشغال بالإعجاز العلمي وهو ظن مبني على فكر الملحدين، وبالحفظ (وهو نافلة)، وبالتجويد (وأكثر قواعده أقرب إلى المبالغة والتشدق والتفيهق)، بل بإحصاء عدد الحروف والكلمات والحركات عن التّدّبر والعمل وهو الفريضة، فاستجاب الأعاجم أولاً بحجة العُجمة ثم تبعهم العرب، وتميزت دولة التوحيد والسنة فَفَرضت في مدارسها الخاصّة بالقرآن تعليم بقيّة العلوم الشرعيّة اللازمة للتّدبّر والعمل وإن غلب الحزبيّون على العنوان فسَمَّوها (مدارس تحفيظ القرآن)، ثمَّ جاء أعجمي من الباكستان بجمعيّات تحفيظ القرآن (دون فهم) فركض الأكثرون خلفه: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] وأُنسُوا فريضة التّدّبر.
2 – أعظم أساس أقام الله عليه دينه الحقّ منذ أول رسالاته ورسله: إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وهو ما خلق الله لهُ الثقلين: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وهو ما عُرِف ـ بَعْدُ ـ بتوحيد الألوهية أو العبودية أو توحيد الله بأفعال عباده.
ثمَّ وَسوَس الشيطان بالبديل: الانشغال عن ذلك بتوحيد الرّبوبية من الخلق والرزق والإحياء والإماتة لأنه وأكثر أوليائه مُقرُّون به.
فعرَّف منهاجُ جماعة التبليغ (أصلحهُ الله وأصلحهم) مقصِدَ لا إله إلا الله: بأن الله هو الخالق الرّازق المحيي المميت.
وعرّف سيد قطب رحمه الله لا إله إلا الله بأن أخصّ خصائص الألوهية: الرّبوبية والقوامة والسلطان والحاكميّة (في ظلال القرآن (4/1852)، دار الشروق)، وبأنه لا شريك له في الخلق والاختيار (في ظلال القرآن (5/2707)، دار الشروق)، وبأن الإله هو: المستعلي المستولي المتسلّط (في ظلال القرآن (6/4010)، دار الشروق
وهذا هو بديل إبليس ومبلغ توحيده: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36]. وهو بديل أوليائه من المشركين ومبلغ توحيدهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9
3 – خطبة الجمعة فَرْض من فرائض العبادة أنعم الله بها على عباده ليتعلموا أمر دينهم من مصادره اليقينية: الكتاب والسنة، فكانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه لا تخرج أبدًا عن ثوابت شرع الله مهما تغيّر الزمان والمكان والحال ومهما عظمت الأحداث والطوارئ، (مثل سائر العبادات وأحكام الشريعة)، وكانت السنة: قِصَر الخطبة وطُول الصّلاة فيما روى مسلم، وحُفِظَ عن النبي صلى الله عليه وسلم: الخطبة بسورة: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] كل جمعة سنتين أو سنة وبعض سنة فيما رواه مسلم [لم يلتفت إلى خبر الأحداث والطوارئ ولا إلى رغبة الناس في التّغيير والتنويع).
وربما كان أول بديل: الخطبة لسلطان العصر في ولاية العباسييّن حتى صار ذلك من شعائر الولاية في كل عصر، ثمَّ جاءَ السَّجع وفنون اللفظ حتى غلب الاهتمام بها على المعنى، ولا يزال بعض أشهر الخطباء في أشهر بيوت الله مستعبدين لهذا البديل المبتدع اليوم يخالفون السنة ويَحْرِمون المصلين من تعلم دينهم أو مجرد فَهْم ما يقول الخطيب ولو كان منكرًا من القول وزورًا، ولقد شَهدتُ أحدَ القائمين على الخطباء في أعظم المساجد يبحث عن بعض ألفاظ خَطِيبِه في (القاموس المحيط)، وكَمْ من المصلين يستطيع الاستعانة بالقاموس على فهم الخطبة لو كان هذا هو شرع الله لا البديل منه؟ «هلك المتنطِّعون» [رواه مسلم].
وفي القرن الأخير وسوس الشيطان للخطباء بشرِّ بديلٍ مبتدع: التّحليلات السّياسيّة لأخبار الجريدة والإذاعة والإشاعة، واستجاب لوسوسته الفكريّون والحركيَّون والحزبيّون؛ فحولوا فريضة الله من اليقين إلى الظَّنِّ ومن الوحي إلى الفكر، حتى تحوَّل المنبر في بيوت الله يوم الجمعة إلى مُلحَقٍ لوسائل الإعلام الفكرية والحركيّة والحزبيّة باسم الإسلام المفترى عليه ما ليس منه، واستمتع أكثر الخطباء وأكثر المستمعين لهم بهذا البديل الذي حرّرهم من حدود الشريعة ونقلهم إلى عبوديّة الهوى بعد أن سوَّلت لهم النفس والشيطان أنها الحرية.
وشرّ ما رأيت أو سمعت ممن ينتمي إلى الاسلام والسّنّة في مخالفة شرع الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم لخطبة الجمعة الفريضة التي منّ الله بها على عباده ليتعلّموا أمر دينهم؛ شرّه قول سلمان العودة مبتدع (الاسلام اليوم). يقول هداه الله وكفى الاسلام والمسلمين شرّه في انتقاد الخطيب الشرعي: (إمّا أن يتكلّم تحت الأرض فيما يتعلّق بأحوال الآخرة والقبر والموت، وإمّا أن يتكلّم فوق السّماء فيما يتعلّق بأمور الجنّة والنّار والبعث والحساب وغيرها…فهذا في الواقع ذهول وغيبوبة لا يجوز أن يقع المؤمن أو العالم أو الدّاعي ضحيّتها)، مدارك النّظر في السّياسة الشرعيّة للعلاّمة عبد المالك رمضاني الجزائري، ص 326. ولولا أنّنا نختار الاحسان إليه فنعذره بجهله – كما قال العلامة صالح الفوزان عن سيّد قطب – لكفّرناه بتحريمه ما أوحى الله به وسنّه رسوله؛ فكلّ خطب النبيّ صلى الله عليه وسلّم وخلفائه وأصحابه ومتّبعيهم بإحسان في القرون الخيّرة لم تخرج عمّا في كتاب الله وحديث رسوله عن الجنّة والنّار والبعث والحساب، وعن أحوال الآخرة والقبر والموت التي لا يجيز هذا المبتدع للمؤمن الخطبة بها. واقرأ ما رواه مسلم عن أمّ هشام في الحديث الذي أوجزت ذكره من قبل: ( لقد كان تنّورنا وتنّور رسول الله صلى الله عليه وسلّم واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت {ق والقرآن المجيد} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها كلّ يوم جمعة على المنبر اذا خطب النّاس).
4 – ولما كان أساس الإسلام ـ كما تقدم ـ: الأمر أولاً وقبل كل شيء بإفراد الله بالعبادة والنّهي أوًلا وقبل كل شيء عن الإشراك بالله في عبادته (وأكبر مظاهره منذ قوم نوح: تعظيم قبور ومقامات ومزارات ومشاهد وأنصاب الصالحين ودعائهم تقربًا بهم إلى الله واستشفاعًا بهم إليه)؛ أرسل الله جميع رسله إلى جميع عباده بإثبات العبادة له وحده ونفيها عن من سواه قبل كلّ أمر وقبل كل نهي رغم تغيّر الزمان والمكان والحال إلى قيام الساعة كما تقدّم البيان والدّليل من نصوص الكتاب والسنة بفهم فقهاء الأمة الأُوَل. ثمَّ وسوس الشيطان بالبديل، واستجاب له أكثر دعاة العصر تجاوز الله عنّا وعنهم؛ فتجنبوا الإقتداء بشرع الله وسنّة رسوله ومن سبقه من الرسل، وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] واختطّ كلُّ مؤسس جماعة أو حزب أو فرقة (إسلامية، بزعمهم) منهاجًا محدثًا ظنّه أحرى بتحقيق الغاية، وأسوأ ما جمع بينهم: تجنّب التحذير من شرك العبادة والبدع عامّة.
وكان بديل جماعة التّبليغ المبتدع: ستّة أصول (غلب عليها أخيرًا اسم: ستّ صفات حتى لا يَظهر أنَّها بديل لأركان الإيمان الستة أو أركان الإسلام الخمسة): الكلمة الطيبة، الصلاة، العلم بالفضائل لا المسائل، إكرام المسلم، تصحيح النّيّة، الدعوة والخروج (في سبيل الله بزعمهم).
وكان بديل حزب التحرير المبتدع: الخروج على الحكام بالقوة.
وكان بديل حزب الجهاد المبتدع: الجهاد غير الشرعي قبل الدعوة إلى الله على بصيرة.
وكان بديل جماعة الإخوان المسلمين المبتدع: (38) واجبًا ـ حسب البيعة المبتدعة ـ منها: تخفيف شرب الشاي والقهوة والمشروبات المنبِّهة، وليس بينها: الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة ولا النهي عن أوثان المقامات والمزارات التي ولدت الجماعةُ – كالجماعات والأحزاب والفرق الأخرى – وترعرعت وشاخت بينها.
ولأن جماعة الإخوان المسلمين ـ كما يصفها الموالون لها ـ هي أمّ الجماعات الإسلامية فهي أم البدائل التي تتجنب قضايا التوحيد والشرك في العبادة والسنة والبدعة وتتشبث بما دونها أو بما ليس من شرع الله.
وكان بديل حسن البنّا مؤسس حزب الإخوان المسلمين تجاوز الله عنه عن الموبقات السبع فيما اتفق عليه الشيخان؛ (عشرًا: الاستعمار، الخلافات السياسية والشخصية والمذهبية، الرّبا، الشركات الأجنبية،التقليد الغربي، القوانين الوضعيّة، الإلحاد والفوضى الفكرية، الشهوات والإباحية، ضعف القيادة وفقدان المناهج العلمية، فساد الخلق وإهمال الفضائل النفسية).
وليس في هذا البديل رائحة من الشرع ولا من العقل فقد أسقط من وحي الله: «الشرك والسّحر، وقتْل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، والتولي يومَ الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ولم يُثبِت من الموبقات كما نزل بها الوحي غير الرّبا لأن جماعة الإخوان المسلمين إذا اهتمت بشيء من الدين لا تهتم بغير المعاملات لتهالكها على تحصيل المال والسّياسة غير الشرعية والجهاد غير الشرعي ونحو ذلك.
وقد أوبَقَتْ (موبقات) الجماعة أهلها باختيارهم ما يخالف قضاء الله ورسوله؛ فهي نتيجة (الفوضى الفكرية)، وهي من (القوانين الوضعيّة)، وهي (خلاف مذهبي) للشرع والتقليد، وهي نتيجة (فقدان المنهج العلمي) الشرعي.
وهل من الشرع أو من العقل وضع (الخلافات السياسية والشخصيّة والمذهبيّة) بين الموبقات مساويةً للرّبا وفوق الشرك والسّحر والقتل بغير حقّ والقذف؟ وقل مثل ذلك عن (ضعف القيادة) ونحوه.
وكان بديل حسن البنّا تجاوز الله عنه للوصايا (العشر) في التوراة المبدَّلة المحرَّفة أسوأ بكثير من بديل اليهود؛ فقد ابتدع اليهودُ العَدَدَ وأقرَّهم هو على بدعتهم، ولكنَّ بديل اليهود أقرب إلى صحيح الوصايا: (لا يكن لك آلهةٌ أخرى أمامي، لا تصنع تمثالاً ولا صورة؛ لا تسْجُد لهنَّ ولا تعبُدهُنَّ، لا تنطق باسم الرّبّ إلهك باطلاً، أكرم أباك وأمك، لا تقتل، لا تَزنِ، لا تَسرِق، لا تشهد شهادة زور). أما بديل البنا الموصى (بقراءته، وتدبّره، والعمل به) فقد تجنّبت وصاياه كما تجنبت موبقاته: (النّهي عن الشرك بالله في عبادته (مرّتين) والنهي عن القتل) وهذا موافق تمامًا لمنهاج الجماعة المبتدع؛ فهم لا ينهون عن الشرك ويُتّهمون بالقتل.
وتجنَّب بديلُ البنّا ما أثبتته الوصايا في التوراة وفي القرآن: النهي عن (السرقة والزنى وشهادة الزور) والأمر (بالإحسان إلى الوالدين)؛ فكان بديله الأدنى: (قم إلى الصلاة متى سمعت النداء، أتل القرآن أو طالع أو استمع أو اذكر الله، اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإنَّ ذلك من تعاليم الإسلام، لا تكثر الجدل، لا تكثر الضحك، لا تمزح، لا ترفع صوتك، تجنب الغيبة، تعرّف إلى من تلقاه، عاوِن غيرك على الانتفاع بوقته وأوجز في قضاء حاجتك).
ومع مخالفته وصايا الله في كتابه (بقدر مخالفة موبقاته) ونقصها عن بديل اليهود؛ فقد أثارت حمية الجاهلية الحزبيّة بعض أتباع البنا فوضعوا مجلدًا كاملاً في شرح هذه الوصايا المبتدعة، (ومَتنُها في نصف صفحة) تجاوز الله عنا وعنهم.
وكان بديل حسن البنا تجاوز الله عنا وعنه للرجوع إلى الله والرسول عند التّنازع: (دعوتنا أحق أن يأتيها النّاس ولا تأتي هي أحدًا وتستغني عن غيرها إذ هي جماع كلّ خير وغيرها لا يسلم من النقص)، (نَزِنُها بميزان دعوتنا فما وافقها فمرحبًا به وما خالفها فنحن منه براء). مذكرات الدعوة والدّاعية (ص:232)، ورسائله (ص:17)
وكان بديل سيد قطب ثاني أكبر قادة حزب الإخوان المسلمين (تجاوز الله عنا وعنه) من (توحيد العبوديّة؛ إفراد الله بالعبادة): (أحدية الوجود [إفراد الله بالوجود] فليس هناك حقيقة إلا حقيقته وليس هناك وجود إلا وجوده)، ومن أوصافه لها: أنّها (الحقيقة الأساسية الكبرى)، وأنها التي (أخذ بها المتصوّفة وهامُوا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى). في ظلال القرآن (ص:3479 – 3480) و(ص:4002 – 4003).
وقد وافق ابنَ عربي فنفى فكرة وحدة الوجود لفظاً ثم أثبتها معنى، وزاد سيّد بإثبات اللفظ بحروف (أحديّة) وهو ما قَصُر عنه ابن عربي.
وكان بديل سيّد قطب تجاوز الله عنه للفقه في الدين (الذي سمّاه فقه الأوراق): فقه الواقع وفقه الحركة وفقه الموقف. في ظلال القرآن (ص: 2006)، وفقه المرحلة (في رواية علي عشماوي عن حياته في صفوف الإخوان).
وكان بديل سيّد قطب تجاوز الله عنه لشرع الله (في حق الملكيّة الفرديّة في الإسلام): (الإسلام يَعُدُّ العمل هو السبب الوحيد للملكيّة والكسب) معركة الإسلام والرأسمالية (ص:40)، دار الشروق، 1993م، ط (13)، ونسي أو جهل: الإرث والهبة والصدقة ونحوها.(فأما القاعدون الذين لا يعملون فثراؤهم حرام، وعلى الدولة أن تنتفع بذلك الثراء لحساب المجتمع وأن لا تدعه لذلك المتبطِّل الكسلان). المرجع نفسه (ص:52).
(في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعًا وتعيد توزيعها على أساس جديد ولو كانت هذه الملكيات قد قامت على الأسسِ التي يعترفُ بها الإسلام ونَمَتْ بالوسائل التي يبرّرها). المرجع نفسه (ص:44).
(حق المجتمع مطلقٌ في المال وحق الملكية الفردية لا يقف في وجه هذا الحق العام، والإسلام يعطي هذه السلطات للدولة – ممثلة المجتمع – لا لمواجهة الحاجات العاجلة فحسب بل لدفع الأضرار المتوقعة). المرجع نفسه (ص:43)
(مبدأ حق الملكية الفردية في الإسلام – تبعاً لهذا – أن تأخذ الدولة نسبة من الربح أو نسبة من رأس المال). العدالة الاجتماعية (ص:123)، دار الشروق، 1415هـ.
وعَمِلَ جمال عبد الناصر بهذه الفتوى في سياسته الاشتراكية للمال زمن تعاونهما، ومات الاثنان على ذلك في ظاهر حالهما.
وكان بديل سيد قطب رحمه الله لشرع الله في الرّق، (وَفِي الرِّقَابِ): (وذلك حين كان الرّقّ نظامًا عالميًا تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم، ولم يكن للإسلام بُدٌّ من المعاملة بالمثل حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق) في ظلال القرآن (ص: 230، 1669، 2455، 3285)، ط. دار الشروق. كأنَّ لله تعالى مُكرِهٌ، وكأنَّ الله لم يكمل الدّين ويتمّ النّعمة.
وكان بديل سيّد قطب عفا الله عنه من وَصْف الله كتابه بالحكمة والبيان والرحمة والهدى والعظمة والبركة والشفاء واليسر والاستقامة والتفصيل والحفظ؛ وَصْف سيد كلام الله (بالتصوير البارع والمنطق الساحر والإيقاع الجميل) و (بالعرض العسكري الذي تشترك فيه جهنم بموسيقاها العسكرية) وبمختلف ألفاظ اللهو من (الفنّ والشعر والتمثيل والتصوير والرّسم والنَّغَم والجرس والمشاهد المسرحية والسينمائية بل والهينمة والتعويذة) (التصوير الفني في القرآن ص (97 – 128) و (183 – 186)، دار الشروق، 2000م). وكرّر وصف كلام الله بالموسيقى. في ظلال القرآن (ص:3901 – 3906)، ط. دار الشروق. واستعان بموسيقي ورسّام وشكر فضلهما (في ضبط بعض المصطلحات الفنية الموسيقية وتناسق الصُّوَر). التصوير الفني في القرآن (ص:106، 114)، ط. دار الشروق.
وذكر أنَّ سبب خروجه عن تفسير المفسرين في القرون المفضلة: محاولة إبعاد (جناية الطريقة المتبعة في التفسير) عن القرآن منذ نزوله حتى بدعة سيّد قطب التي لم يسبقه إليها غير الزمخشري المعتزلي والجرجاني الأشعري. التصوير الفني (ص:26 – 33).
وكان بديل سيّد قطب (تجاوز الله عنا وعنه) من عقيدة الولاء والبراء الشرعية: (الارتباط بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحبّ والأنس والتعاطف والتجاذب… فكلها خارجة من يد الله وكلها تستمد وجودها من وجوده وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة [أحديّة الوجود]؛ فكلها إذن حبيب إذ هي هدية من الحبيب) في ظلال القرآن (ص:4003). وبين (كل موجود): الوثني واليهودي والنّصراني والملحد.
وفي المقابل: وصف موسى عليه السلام بالاندفاع وعصبية المزاج وبالتّعصّب القومي، وبأنه لم يكن هادئ الطبع ولا حليم النفس، وبالحنق الظاهر والحركة المتوترة. التصوير الفني في القرآن (ص:200 – 203). أَبراءةٌ من خُلُق الرّسول؟ ووصف الخليفة الراشد المهدي عثمان رضي الله عنه بأنَّ عهده ـ الذي تحكّم فيه مروان ـ كان فجوة بين الشيخين وعلي رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم، وبانحراف عهده عمّا سمّاه (النظرة الإسلامية والتصور الإسلامي في سياسة المال والحكم)، ومجّد الثورة الخارجة عليه بأنها (كانت فورة من روح الإسلام) ومجّد الخارجين عليه بأنهم (أُشرِبت نفوسهم روح الدّين إنكارًا وتأثمًا) العدالة الاجتماعية بعد تعديلها (ص:159 – 175). أبراءةٌ من خُلُق الوليّ؟
وضرب مثلاً للتضخم الفاحش في الثروات الذي ظنَّ أنه (يحطم الأسس التي جاء هذا الدين ليقيمها بين الناس) بعدد من كبار الصحابة والمبشرين بالجنة منهم (عثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص) رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم. العدالة الاجتماعية بعد تعديلها (ص:175).
ووصف معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وأرضاهما بالركون (إلى الكذب والفسق والخديعة والرشوة وشراء الذمم) (كتب وشخصيات (ص:242)، طبعة دار الشروق) في كتب تتكرر طباعتها بعد عشرات السنين من موت سيد (ويصفها ناشرها محمد قطب بالشرعية).
وحكم على البشرية جمعاء بالرّدّة (بمن فيهم الذين يردّدون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله)، (ولو توجه العبد إلى الله في ألوهيته وحده ودان لشرع الله في الوضوء والصلاة والصوم وسائر الشعائر)، (لأنّها: لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها). أبراءة من الإسلام وأهله.
وأوصى من سّماها (حركات البعث الإسلامي) و (العصبة المسلمة) بما يلي:
(أن تتبيّن أنَّ وجود الإسلام قد توقف)، وألاّ (تظنَّ لحظة واحدة أنَّ الإسلام قائم وأنَّ هؤلاء الذين يدّعون الإسلام ويتسمَّون بأسماء المسلمين هم فعلاً مسلمون)، وأنَّه (لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيديّاً وشعوريّاً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله لها بقيام دار إسلام تعتصم بها، وإلاّ أن تشعر شعورًا كاملاً: بأنها هي الأمة المسلمة وأن ما حولها ومنْ حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلَتْ فيه جاهلية وأهل جاهلية)، وأنَّ الله يرشدهم بقوله: {وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87 ]: إلى اعتزال معابد الجاهلية [المساجد] واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحسّ فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي). انظر: معالم في الطريق (ص:101 – 103)، العدالة الاجتماعية (ص:185و216)، في ظلال القرآن (ص:1057، 1492، 1816، 2009، 2033، 2122)، وأمثالها كثير في مختلف كتبه عفا الله عنه وعَذَرَهُ بجهله وحماسه الأهوج؛ فقد عمل بهذه الوصايا الضالة كثير من الشباب الضالّ بها.
وكان بديل سعيد حوّى مرشد الإخوان المسلمين في سوريا (عفا الله عنا وعنه) لتحقيق الكمال النفسي والإحسان السّلوكي: التصوّف؛ (لأن الصوفيّة هم الذين ورثوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم تربية النفس… فما لم يأخذ الإنسان عنهم تبقى نفسه بعيدة عن الحال النّبويّة). تربيتنا الروحيّة (ص:31)
وأيّد مُنكَرَ دعواه بخرافة (الضّرب بالشيش) التي ورثها الصّوفية الرفاعيّة عن الوثنيين الهندوس لأنها: (من أعظم فضل الله على الأمة وتصديق لمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء). تربيتنا الروحية (ص:64 – 68)
وكتاب تربيتنا الروحية لسعيد حوّى وعدد من كتبه مثل أكثر كتب سيّد قطب من أهم (إن لم أقل أهمّ) المراجع الدينية لشباب جماعة الإخوان المسلمين ومن ورائهم أكثر شباب الصحوة بزعمهم فقد انشغلوا بها عن الوحي والفقه فيه.
وكان بديل عمر التلمساني المرشد العام لجماعة الإخوان (تجاوز الله عنا وعنهم) لإخلاص العبادة والدعاء لله وإنكار المنكر: أنه (لا داعي إذن للتشدد في النكير على من يعتقد في كرامة الأولياء واللجوء إليهم في قبورهم الطاهرة والدعاء فيها عند الشدائد… ولئن كان هواي مع أولياء الله وحبّهم والتعلق بهم، ولئن كان شعوري الغامر بالأنس والبهجة في زيارتهم بما لا يُخِلُ بعقيدة التوحيد فإني لا أروّج لاتجاه بذاته فالأمر من أوله إلى آخره أمر تذوّق) شهيد المحراب (ص:226). ألا يخل بعقيدة التوحيد اللجوء إلى القبر (وثن) البدوي ـ مثلاً ـ والدعاء فيه عند الشدائد والتعلق به وحُبِّه وإحالة أمر الاعتقاد والعبادة من أوله إلى آخره إلى الذوق لا إلى الدليل من الكتاب والسنة بفهم السلف؟ اللهم رد المسلمين إلى دينك رداً جميلاً.
ومع انتشار البديل والتّبديل الفكري على شبكة المعلومات العالمية فلربما كان أشهر وأخطر مواقعه: (الإسلام اليوم) الذي تحوّل إلى مؤسسة واسعة تستخدم أكثر وسائل الإعلام وتستدرج الشباب (المعلمين خاصة) إلى شبكتها (العنكبوتية) ليعينوهم على نشر ما يظنونه الحق. ويفهم الكثيرون من أهل الحديث من عنوان الموقع والمؤسسة والمجلة ومن أخطر ما ينشر فيهما: التركيز على نشر منهاجٍ جديدٍ للفقه يختلف عن منهاج السلف بحجة اختلاف الأزمان والأحوال يبتعد عمّا سمّاهُ سيد قطب تجاوز الله عنا وعنه: (فقه الأوراق) وهو الفقه في الدين كما عرفه الصحابة وجميع فقهاء القرون المفضلة ويوافق ما سمّاه سيّد (فكر الحركة والواقع والموقف والمرحلة)، (وآخر ما اطلعت عليه من تأليف شَعْوذيِّ هذا الموقع والمؤسسة رسالة بعنوان: فقه الموقف).
وقد ردّ بعض دعاة منهاج النبّوة على هذا التبديل بإنشاء موقع باسم (الإسلام العتيق) ولكنه الأقل شهرة والأقل قبولاً كما هي العادة؛ لأن الأنفس الأمارة بالسّوء (وهي الأكثر) لا تهواه والشيطان (أعاذ الله الجميع منه) لا يُحَلِّيْه في القلب والسمع والبصر كما يفعلان بالبدائل والمناهج المبتدعة الصارفة عن الحق سبيل المؤمنين.
ولأن الموقع والمؤسسة لا يخرجان قيد أنملة عن فكر شعْوذيّهما المؤسِّس فلنأخذ منه نموذجًا؛ ليتبيّن لنا أنَّ أكثره شقشقة تَصْرف عن الفقه إلى الفكر، وعن سبيل المؤمنين إلى سبيل المفكرين (الإسلاميين بزعمهم)، وقد يصل بالمتلقِّي إلى الانتماء (بالعصبية والتقليد) إلى أغلال وعبودية الفِرقة والحزب والطائفة الفكرية المبتدعة، ولكنه لا يُقرِّبه أبدًا إلى منهاج النّبوّة والصّحبة والاتّباع: في مقابلة أشبه بالدعائية الترويجية على موقع فكري مبتدع آخر (إسلام أُنْ لاين) أوصى شَعْوَذي (إسلام اليوم) الفكري نفْسَه وغيره (بالانسجام النفسي، وصفاء النفس، والصفاء والنقاء القلبي)، وادّعى أنَّ نتيجة ذلك ربما بلغت (60% من زوال الخلافات بين المسلمين)، أما (40% الباقية فترجع إلى اختلافات في الرأي والاجتهاد تدعو الرُّوح النقيَّة والنفسية السليمة والقلوب الصافية إلى عدم الانشغال بها عن جوانب الاتفاق الكثيرة واعتبارها من باب التنوع والتعدد المقبول شرعًا)
بأي ميزان نزن مقدمة الصفاء والنقاء والانسجام النفسي والقلبي والرّوحي؟
وبأي ميزان نزن نتيجة 60 و40%؟ أما الكتاب والسنة اللذين أشار إليهما مرّة، وأما فقه الأئمة الأُول في الدين الذي لم يذكره ولو مرّة فلا أثر لمقدمته ولا نتيجته في أيّ منهما، بل هو الفكر والهوى الذي أُسِّس عليه الموقع والمؤسسة من أول يوم وهما فراشه وغطاؤه أبدًا.
ولا أجدُ تنفيذاً لهذا الفكر المخالف للوحي والفقه في الدين إلا بهجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (بخاصة) مراعاة للنقاء والصفاء والانسجام النفسي والقلبي وأن تحكم هذه الصفات الخيالية علاقة السني بجميع الفِرَق الضالّة، وعلاقة مُفرِد الله وحده بالعبادة مع وَثَنِيّ المقامات والمزارات والمشاهد، وعلاقة المتّبع بالمبتدع وبالصوفي وبالخرافي والقبوري. وعلى الولاء والبراء السلام.
وأكد ذلك بإجازته الأخذ عن ثلاثة من الدّعاة على غير منهاج النبوّة؛ بحجة (أن لهم أثرًا كبيرًا في طوائف من الشباب والفتيات… أما منهجهم فلا يضر لأن التخصص وارد)؛ أعجب كيف يضل الفكر وصاحبه إلى هذا الحدِّ المخالف للشرع والعقل! إذا كان مجرد الأثر دليلاً على الهدى فإن لإبليس والهوى أثرًا بالغًا على أكثر أهل الأرض، بل المنهج هو معيار الحُكْم بالهدى أو الضلال؛ فالهدى في منهاج النبوة وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين ومن تبعهم في القرون المفضلة، والضلال في منهاج الفكر والهوى والظن قال الله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23]، وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}
وقد أحسن مرّة فأجاب على سؤال عن حوادث التفجير والعنف بأنَّه [المفكر الإسلامي] (وجميع أهل العلم موقفهم واحد تجاه هذه الأحداث وهو الإدانة) ومع دعائي له بمزيد من التّوفيق إلى منهاج النبوة فإني لا أشك أنَّ فكره (وعصابته) كان من أوّل أسباب هذا الفساد ـ دون قصد منه فيما أظن ـ فإذا أُذِن للفكر أن يُزاحم الوحي والفقه، وإذا أُذِن لمناهج البشر أن تزاحم منهاج النبوة فلن تكون النتيجة إلا شرًّا، وهو ـ هداه الله لأقرب من هذا رشدًا ـ في منهاجه بل في مقابلته هذه يوجب (ألاّ نسمح لأي طرف حكومي أو دعويّ أن يستأثر بالخطاب دون غيره)، ويخلط ـ هداه الله ـ بين (العلم) ويمكن قياسه بالوحي والفقه فيه من أهله الأُول ـ وبين (التجربة والرؤية والفهم) ولا زمام لها ولا خطام، ويمكن أن يدّعيها ابن لادن والظواهري وأمثالهما، بل خصّ المنهج السلفي ـ وهو وحده الملتزم بالوحي والفقه فيه من أهله ـ بوجوب (المراجعة المستمرة والتغيير نحو الأفضل ومعايشة التّغيّرات) بحجة (أنَّ الشافعي وأحمد وابن تيمية وغيرهم من كبار أئمة السلف راجعوا مذاهبهم)، ولعله لا يجَهَل أنَّ تغيير الحُكْم في جزئية صغيرة لا يعني تغيير ولا مراجعة المنهج القائم على النّص والفقه فيه من أهله (لا الفكر ولا أهله) فهذا المنهاج هو وحده الحق ولا يجوز تغييره ولا تبديله.
دلّ الله الجميع على الحق وثبتهم عليه وأعاذهم من نزغات الشيطان ووسوسته ومن شر النفس وتسويلها. وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن(1428هـ)