الأحكام الخاصة بعيد الأضحى
الأحكام الخاصة بعيد الأضحى
الحمد لله العظيم الجليل، العزيز الكريم، الغفور الرحيم، ذي العرش المجيد، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد أيها المسلم ـ وفقك الله للفقه في دينه ـ:
فإن من التقصير التي يقع فيها جمع كثير من أهل الإسلام في أقطار شتى:
ترك تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بالعيد عند حلوله.
وقد كتبت هذه الرسالة المختصرة عن الأحكام الخاصة بعيد الأضحى، عيد المسلمين الثاني، وذلك تذكيراً لي ولك، وقد جعلتها في مسائل ليسهل بإذن الله عليك فهمها، والإلمام بها.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارءها والساعي بين الناس في نشرها، أو تفقيههم بها.
ثم أقول مستعينا به عز وجل:
المسألة الأولى / وهي عن مشروعية صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى” (23/161)عن صلاة العيد:
إنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة.اهـ
ومشروعيتها ثابتة بالسنة النبوية المشتهرة المستفيضة، وإجماع أهل العلم، وقد كان النبي r والخلفاء بعده يداومون عليها، ولم يأت عنهم تركها في عيد من الأعياد.
وقد قال ابن عباس:t(( شهدت العيد مع رسول الله r وأبي بكر وعمر وعثمان y فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ))رواه البخاري (962) واللفظ له، ومسلم (884).
وقال جابر بن سمرة t: (( صليت مع رسول الله r العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة )) رواه مسلم ( 887).
بل حتى النساء كن يشهدنها على عهد رسول الله r، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (( كنا نؤمر أن نَخْرُجَ يوم العيد، حتى نُخْرِج البكر من خدرها، حتى نُخّرِج الحِيَّض، فكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته )) رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وقال الإمام إسحاق بن راهويه ـ رحمه الله ـكما في “مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه” رواية إسحاق بن منصور الكوسج (رقم: 2865):
يُستحب الخروج لهن في العيدين، لما مضت السنة بذلك، ولكن لا يتزيَّن ولا يتَطيَّبن.اهـ
فإذا خرجن على هذه الصفة جمعن بين فعل السنة واجتناب الفتنة.
وهي من السنن المؤكدة عند جماهير أهل العلم، وقد نسبه إليهم النووي ـ رحمه الله ـ في “المجموع”(5/6) وابن جزي في “القوانين الفقهية”(ص103).
وقال النووي ـ رحمه الله ـفي “المجموع(5/24):
تسن صلاة العيد جماعة، وهذا مجمع عليه، للأحاديث الصحيحة المشهورة.اهـ
المسألة الثانية / وهي عن الاغتسال للعيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب الغسل للعيد.
الاغتسال للعيد هو فعل أصحاب النبي r.
فقد ثبت عن نافع أنه قال: (( كان ابن عمر t يغتسل للعيدين )) رواه الفريابي في “أحكام العيدين”(رقم:15).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في “أحكام العيدين”(رقم:16).
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـفي “بداية المجتهد”(1/505):
أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن وقت الاغتسال للعيد وصفته.
الأفضل أن يكون الاغتسال للعيد بعد صلاة فجره، وقبل الذهاب إلى المصلى، وأن تكون صفته كصفة غسل الجنابة.
وعليه يدل ظاهر الآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومنهم ابن عمر t.
فقد قال محمد بن إسحاق: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر يصلي يوم العيد؟ فقال: (( كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام ثم يرجع إلى بيته فيغتسل كغسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده ثم يخرج حتى يأتي المصلى )) رواه الحارث بن أبي أسامة في “مسنده” بسند حسن، كما في “المطالب العالية”(رقم:2753).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في “أحكام العيدين”(رقم:16).
وإن اغتسل للعيد قبل صلاة الفجر لضيق الوقت، وحتى يتمكن من التبكير إلى المصلى فحسن، وقد فعله جمع من السلف الصالح، واستحسنه كثير.
المسألة الثالثة / وهي عن التجمل للعيد بأحسن الثياب والطيب.
عن عبد الله بن عمر t أنه قال: (( وجد عمر بن الخطاب حُلة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى بها رسول الله r، فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود ))رواه البخاري (948) ومسلم (2068).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـفي كتابه “فتح الباري لابن رجب”(6/67 – 62):
وقد دَلَّ هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم .. وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته حتى النساء والأطفال.اهـ
ولكن المرأة إذا خرجت إلى صلاة العيد تخرج غير متجملة ولا متطيبة ولا متبرجة ولا سافرة عن حجابها، لأنها منهية عن ذلك في جميع أحوال خروجها، والخروج للعبادة أشد.
وقال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في “الأم”(1/388):
ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكوراً وإناثاً.اهـ
وثبت عن ابن عمر tأنه إذا كان يوم العيد: (( يلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده )) رواه الحارث في “مسنده” كما في “المطالب العالية”( رقم:2753) والبيهقي (3/388).
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـكما في كتاب”الأوسط” (4/265) لابن المنذر:
سمعت أهل العلم يستحبون الزينة والتطيب في كل عيد.ا هـ
المسألة الرابعة / وهي عن ترك الأكل في يوم العيد حتى يرجع من المصلى.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في “المغني”( 3/258-259):
السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، وهذا قول أكثر أهل العلم …. لا نعلم فيه خلافاً. اهـ
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في “بداية المجتهد”(1/514):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وأن لا يفطر يوم الأضحى إلا بعد الانصراف من الصلاة.اهـ
وثبت عن سعيد بن المسبب ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر ))رواه الشافعي في “الأم”( 1/387).
وثبت عن الشعبي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( إن من السنة أن يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو، ويؤخر الطعام يوم النحر حتى يرجع )) رواه ابن أبي شيبة (5590).
المسألة الخامسة / وهي عن الخروج إلى مصلى العيد والعودة منه.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب المشي على القدمين عند الذهاب إلى مصلى العيد.
قال زر بن حبيش :t(( خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في يوم أضحى، خرج في ثوب قطن مُتلبباً به يمشي )) رواه ابن أبي شيبة بسند حسن ( 5606).
وثبت عن جعفر بن برقان ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كتب عمر بن عبد العزيز يرغبهم في العيدين من استطاع أن يأتيهما ماشياً فليفعل )) رواه عبد الرزاق (5664) واللفظ له، وابن أبي شيبة (5604).
وقال الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ في “سننه”(2/410):
أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.اهـ
وقال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـفي “الأوسط”( 4/264):
المشي إلى العيد أحسن، وأقرب إلى التواضع، ولا شيء على من ركب.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن استحباب أن يكون الذهاب إلى مصلى العيد من طريق والرجوع من طريق آخر.
قال جابر بن عبد الله :t(( كان النبي r إذا كان يوم عيد خالف الطريق ))رواه البخاري (986).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه اللهـ في كتابه “فتح الباري”( 6/166):
وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره.ا هـ
بل قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في “بداية المجتهد”(1/514-515):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى عليها لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام.اهـ
المسألة السادسة / وهي عن صلاة النوافل في مصلى العيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة فروع:
الفرع الأول: وهو عن تطوع الإمام قبل صلاة العيد.
أخرج البخاري (989) ومسلم (884)واللفظ له، عن ابن عباس t: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما )).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(6/186):
فأما الإمام فلا نعلم في كراهة الصلاة له خلافاً قبلها وبعدها، وكل هذا في الصلاة في موضع صلاة العيد.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن تطوع المأموم قبل صلاة العيد.
ثبت عند الإمام مالك في “الموطأ”(ص14رقم:422) عن نافع: (( أن عبد الله بن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها )).
وقال أبو المعلى سمعت سعيداً عن ابن عباسt: (( كره الصلاة قبل العيد )) رواه البخاري (عند رقم:989) معلقاً بالجزم.
وثبت عن يزيد بن أبي عبيد قال: (( صليت مع سلمة بن الأكوع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم خرج فخرجت معه، حتى أتينا المصلى، فجلس وجلست حتى جاء الإمام فصلى، ولم يصل قبلها ولا بعدها ثم رجع )) رواه الفريابي في “أحكام العيدين”(رقم:173).
وقال الإمام الزهري ـ رحمه الله ـ: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر عن أحد من سلف هذه الأمة أنه كان يصلي قبلها ولا بعدها.اهـ
ونسبه ابن رشد ـ رحمه الله ـ في “بداية المجتهد”(1/511-512) إلى جماهير أهل العلم.
الفرع الثالث: وهو عن تحية المسجد إذا كانت صلاة العيد في المسجد.
إذا صلى الإنسان صلاة العيد خارج البلد في المصلى المعد لذلك فلا يصلي ركعتين تحية لهذا المصلى، وذلك لأن ركعتي التحية خاصة بالمسجد، كما دل على ذلك حديث أبي قتادة tعند البخاري (444) ومسلم (417) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )).
وأما إذا صلى في المسجد فالغالب أنه يأتي في وقت نهي، وصلاة تحية المسجد في وقت النهي للعلماء فيها قولان مشهوران:
القول الأول: أنها لا تصلى.
وبه قال أكثر أهل العلم، وذلك للأحاديث الواردة عن النهي عن الصلاة في أوقات النهي، ومنها حديث عقبة بن عامر الجهني عند مسلم (831): (( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب )).
القول الثاني: أنها تصلى.
وبه قال الشافعي، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق فعلها بدخول المسجد، وقد وقع، فتصلى.
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بجوابين:
الأول: بأن حديث الصلاة عند الدخول إلى المسجد عام في جميع الأوقات، وحديث النهي خاص ببعض الأوقات، فيقدم العمل بخاص الأوقات على عامها.
الثاني: بأن النهي الوارد للتحريم، وتحية المسجد سنة، وقد حكى غير واحد الإجماع على سنيتها، فترك المحرم أولى من فعل المستحب.
المسألة السابعة / وهي عن دعاء الاستفتاح في صلاة العيد.
دعاء الاستفتاح مستحب في صلاة العيد قياساً على باقي الصلوات، وإلى هذا ذهب عامة من يرى مشروعية دعاء الاستفتاح.
إلا أنهم اختلفوا في موضعه على قولين:
القول الأول: أنه يقال بعد تكبيرة الإحرام ثم يكبر بعده التكبيرات الزوائد.
وهو قول الأكثر.
القول الثاني: أنه يقال بعد الانتهاء من التكبيرات الزوائد.
المسألة الثامنة / وهي عن التكبيرات الزوائد في صلاة العيد.
وتحت هذه المسألة أربعة فروع:
الفرع الأول: وهو عن المراد بالكبيرات الزوائد.
المراد بالتكبيرات الزوائد:
التكبيرات التي تكون بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وبعد تكبيرة النهوض إلى الركعة الثانية.
الفرع الثاني: وهو عن عدد هذه التكبيرات في كل ركعة.
قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في “الموطأ”(ص144رقم:421):
أخبرنا نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: (( شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة بخمس تكبيرات قبل القراءة )) وسنده صحيح.
وثبت نحوه عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال الخطابي ـ رحمه الله ـ في “معالم السنن”(1/217رقم:319):
وهذا قول أكثر أهل العلم.اهـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في “المجموع”(5/24):
وحكاه صاحب “الحاوي” عن أكثر الصحابة والتابعين.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”( 24/220):
وأما التكبير في الصلاة فيكبر المأموم تبعاً للإمام وأكثر الصحابة رضي الله عنهم والأئمة يكبرون سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية.اهـ
الفرع الثالث: عن نسيان الإمام للتكبيرات الزوائد أو شيء منها.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في “المغني”(3/275):
والتكبيرات والذكر بينها سنة وليس بواجب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً أو سهواً، ولا أعلم فيه خلافاً.اهـ
الفرع الرابع: وهو عن رفع اليدين مع هذا التكبيرات الزوائد.
ثبت عن ابن جريج ـ رحمه الله ـ أنه قال: قلت لعطاء: (( يرفع الإمام يديه كلما كبر هذه التكبيرات الزيادة في صلاة الفطر؟ قال: نعم، ويرفع الناس أيضاً ))رواه عبد الرزاق ( 5699 ).
وقال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ في “شرح السنة”(4/310):
ورفع اليدين في تكبيرات العيد سنة عند أكثر أهل العلم.اهـ
وباستحباب هذا الرفع يقول:
ابن قيم الجوزية وابن باز وابن عثيمين.
المسألة التاسعة / وهي عن قضاء صلاة العيد.
من فاتته ركعة من صلاة العيد أو أدركهم في التشهد أو فاتته صلاة العيد كلها هل يشرع له أن يقضي؟ وإن قضى فعلى أي صفة؟.
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـكما في “الفتاوى”(8/306-307رقم: 4517):
من فاتته صلاة العيد وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد و النخعي وغيرهم من أهل العلم، والأصل في ذلك قوله r:
(( إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ))وما روي عن أنس: (( أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاة فيصلى بهم ركعتين يكبر فيهما )).
ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين.اهـ
وقالت أيضا:
ومن أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود.اهـ
المسألة العاشرة / وهي عن خطبة العيد وهل هي واحدة أو اثنتان.
للعيد خطبتان لا واحدة، يفصل بينهما بجلوس، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وقد نقله عنهم ابن حزم الأندلسي ـ رحمه الله ـ في”المحلى”(3/543مسألة:543) فقال:
فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتمها افترق الناس، فإن خطب قبل الصلاة فليست خطبة، ولا يجب الإنصات له، كل هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إنشاء الله تعالى.اهـ
ونقل جمال الدين ابن عبد الهادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “مغني ذوي الأفهام”(7/350مع غاية المرام) اتفاق المذاهب الأربعة على الخطبتين.
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في “الشرح الممتع”(5/145):
هذا ما مشى عليه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن خطبة العيد اثنتان.اهـ
وقد ثبت عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ـ رحمه الله ـ أنه قال:
(( يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات )).
وعبيد الله هذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
هو أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ:
وهو من سادات التابعين.اهـ
وثبت عن إسماعيل بن أمية ـ رحمه الله ـ وهو من أتباع التابعين أنه قال: (( سمعت أنه يكبر في العيد تسعاً وسبعاً ـ يعني: في الخطبة )).
وهذان الأثران يؤكدان الخطبتان، وجريان العمل في عهد السلف الصالح بذلك.
وقد ذهب بعض المعاصرين ـ سلمهم الله ـ إلى أن للعيد خطبة واحدة، وقالوا: ظاهر أحاديث خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في العيد يشعر بأنه لم يخطب إلا واحدة.
ويقال جواباً عن هذا القول:
أولاً: الوارد في الأحاديث محتمل وليس بصريح، وذلك لأنه ليس فيها النص على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا واحدة.
ثانياً: هذا الفهم مدفوع بالإجماع الذي نقله ابن حزم.
ثالثاً: هذه الأحاديث معروفة مشهورة عند السلف الصالح، وأئمة السنة والحديث، ومع ذلك لم يكن هذا فهمهم، وهم عند الجميع أعلم بالنصوص وأفهم، ومتابعتهم وعدم الخروج عن فهمهم وعملهم أحق وأسلم.
رابعاً: أنه يكبر أن تكون السنة خطبة واحدة، ثم يتتابع أئمة السنة والحديث من أهل القرون المفضلة على مخالفتها، ثم لا يعرف بينهم منكر، ومبين للسنة، لا سيما والخطبة ليست من دقائق المسائل التي لا يطلع عليها إلا الخواص، بل من المسائل الظاهرة التي يشهدها ويشاهدها ويدركها العالم والجاهل، والصغير والكبير، الذكر والأنثى.
المسألة الحادية عشرة / وهي عن بدأ خطبتي العيد بالتكبير.
بدأ خطبة العيد بالتكبير جرى عليه عمل السلف الصالح.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في “المغني”(2/239):
وقال سعيد ـ يعني: ابن منصور ـ: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة قال: (( يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات )) وسنده صحيح.
وعبيد الله هذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ:
هو أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان ـ رحمه الله ـ:
وهو من سادات التابعين.اهـ
وقال إسماعيل بن أمية ـ رحمه الله ـ وهو من أتباع التابعين:
(( سمعت أنه يكبر في العيد تسعاً وسبعاً ـ يعني: في الخطبة )) رواه عبد الرزاق (3/290) بسند صحيح.
وبهذا قال عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة، بل جاء في مذاهبهم أنه يسن، وقد نقل اتفاقهم على ذلك العلامة ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في “الفروع”(2/141-142).
وعلى هذا التكبير بوب جماعة كثيرة من أهل الحديث في مصنفاتهم،
ولم أجد أحداً ذكر عن السلف غير ذلك، أو أن أحداً من الفقهاء المشهورين خالف.
المسألة الثانية عشرة / وهي عن شهود خطبة العيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن الجلوس لاستماعها.
من صلى مع الإمام فالسنة في حقه أن لا ينصرف حتى يسمع الخطبة.
قال الحافظ ابن عبد البر في “الاستذكار”(7/61):
وعلى هذا جماعة الفقهاء.اهـ
وهو المعمول به على عهده r، فقد قال أبو سعيد الخدري t: (( كان النبي r يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم ـ ولمسلم: ـ في مصلاهم ـ فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم )) رواه البخاري ( 956) واللفظ له، ومسلم ( 889 ).
وأما حديث: (( إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب )).
فأكثر أهل العلم على أن الصواب فيه أنه مرسل، ومنهم:
ابن معين وأبو زرعة الرازي والنسائي وأبو داود والبيهقي والوادعي. والمرسل من أقسام الحديث الضعيف.
الفرع الثاني: وهو عن الكلام في أثنائها.
يكره لمن حضر الخطبة الكلام مع غيره من المصلين، أو عبر الهاتف الجوال، وذلك لما فيه من الانشغال عن الانتفاع بالخطبة، والتشويش على المستمعين، والإخلال بأدب حضور مجالس الذكر.
قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح البخاري”(2/572):
وكره العلماء كلام الناس والإمام يحطب.اهـ
المسألة الثالثة عشرة / وهي عن التهنئة بالعيد.
التهنئة بالعيد جرى عليها عمل السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم الصحابة y.
وقد قال الإمام الآجري ـ رحمه الله ـ عن هذه التهنئة:
فعل الصحابة وقول العلماء.اهـ
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ عنها:
لم يزل يُعرف هذا بالمدينة.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ:
وَرُوِّينَا في “المحامليات” بإسناد حسن عن جبير بن نفير أنه قال:
(( كان أصحاب رسول الله r إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك )).اهـ
وقال أيضا:
وَرُوِّينَا في كتاب “التحفة” بسند حسن إلى محمد بن زياد الألهاني أنه قال: (( رأيت أبا أمامة الباهلي صاحب رسول الله r يقول في العيد لأصحابه: تقبل الله منا ومنكم ))وقال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد.اهـ
وينظر:
[ فتح الباري لابن حجر (2/446) والمغني (3/295 ) وجزء التهنئة لابن حجر (34-40) والحاوي (1/82) والفروع )2/150) وتمام المنة (355) ].
تنبيه وتذكير:
بعض الناس قد يُهنئ بالعيد قبل حلوله بيوم أو أكثر أو يهنئ به في ليلته، والمنقول عن السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يُهنئون في نهار يوم العيد، والأحب فعلهم.
المسألة الرابعة عشرة / وهي عن صيام يومي العيد.
والمراد بيومي العيد:
يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى.
وقد أخرج البخاري ( 1991 ) ومسلم (827) عن أبي سعيد الخدري tأنه قال: (( نهى النبي r عن صوم يوم الفطر والنحر )).
وقال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في “التمهيد”(13/26):
وصيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء انه لا يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ولا لقاض فرضاً ولا لمتمتع لا يجد هدياً ولا لأحد من الناس كلهم أن يصومهما، وهو إجماع لا تنازع فيه.اهـ
المسألة الخامسة عشرة / وهي عن صيام أيام التشريق.
أيام التشريق هي:
الأيام الثلاثة التي بعد يوم عيد الأضحى.
وهذه الأيام لا يجوز صيامها لا تطوعاً ولا فرضاً إلا لمن لم يجد الهدي، وبه قال أكثر أهل العلم.
وذلك لما أخرجه البخاري (1997– 1998) عن عائشة وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا: (( لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي )).
وثبت عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو وعبد الله بن عمرو بن العاص وذلك الغد أو بعد الغد من يوم الأضحى، فَقَرَّبَ إليهم عمرو بن العاص طعاماً، فقال عبد الله: إني صائم، فقال له عمرو:
((أفطر فإن هذه الأيام التي كان رسول الله r يأمر بفطرها، وينهى عن صيامها، فأفطر عبد الله فأكل وأكلت ))رواه ابن خزيمة
( 2149) والدا رمي (1808).
المسألة السادسة عشرة / لا عيد للمسلمين إلا عيدان.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ كما في ” مجموع فتاويه ورسائله”(3/111): إن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى.اهـ
وقال أنس بن مالك ـ t: (( كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي r المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى )).
رواه النسائي (1556) وأبو داود (1134) وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله في “فتح الباري”( 2/513): إسناده صحيح.اهـ
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في “الشرح الممتع”(5/113) عقب هذا الحديث:
وهذا يدل على أن الرسول r لا يحب أن تُحِدث أمته أعياداً سوى الأعياد الشرعية التي شرعها الله عز وجل.اهـ
المسألة السابعة عشرة / وهي عن التكبير في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق.
وتحت هذه المسالة ثمانية فروع:
الفرع الأول: وهو عن مشروعية التكبير في أيام العشر:
التكبير في أيام العشر جرى عليه العمل في أيام السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم أصحاب النبي r.
وقد قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في “صحيحه”(عند حديث رقم:969):
(( وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما )).
وزاد غيره: (( لا يخرجان إلا لذلك )).
وقال ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ: ((أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر )).
وهذا التكبير مشروع في حق سائر الناس من الرجال والنساء والصغار والكبار، في البيوت والأسواق والمساجد والمراكب، وفي السفر والحضر، والإنسان جالس أو راكب أو مضطجع أو وهو يمشي، وفي سائر الأوقات.
إلا أنه لا يكبر بعد صلاة الفريضة مع الأذكار بعد السلام منها، وسواء صُليت في المسجد أو في البيت أو في العمل أو أي مكان.
الفرع الثاني: وهو عن مشروعية التكبير في أيام عيد الأضحى.
التكبير في عيد الأضحى مشروع باتفاق أهل العلم، نقله عنهم ابن قدامة في “المغني”(3/287) والنووي في “المجموع”(5/38-39) وابن تيمية كما في “مجموع الفتاوى”(24/220) وغيرهم.
وقد ثبت عن جمع من الصحابة y ومنهم:
عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأم المؤمنين ميمونة.
وينظر:
[ مصنف ابن أبي شيبة (1/488-489) وسنن الدار قطني (2/44) والمعجم الكبير للطبراني (12/268و9/9537) والأوسط (4/301و305-306) وسنن البيهقي (3/312-315) وفتح الباري لابن رجب (6/123-131) وتغليق التعليق ( 2/378-380) والمطالب العالية ( 9/151) وإرواء الغليل( 3/124-125) ].
الفرع الثالث: وهو عن أقسام التكبير في أيام عيد الأضحى.
يشرع للناس أن يكبروا في أيام عيد الأضحى في هذين الموضعين:
أولاً: عقيب الانتهاء من أداء صلاة الفريضة.
ويسمى هذا “بالتكبير المقيد”، وذلك لأنه قيد فعله بالانتهاء من الصلاة.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (6/ 124):
اتفق العلماء على أنه يشرع التكبير عقيب الصلوات في هذه الأيام في الجملة، وليس فيه حديث مرفوع صحيح، بل إنما فيه آثار عن الصحابة، ومن بعدهم، وعمل المسلمين، وهذا يدل على أن بعض ما أجمعت الأمة عليه لم ينقل إلينا فيه نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يكتفى بالعمل به.اهـ
ثانياً: في سائر الأوقات من ليل أو نهار.
ويسمى هذا “بالتكبير المطلق” وذلك لأنه لا يتقيد بوقت، يفعله المسلم في أي وقت شاء من ليل أو نهار، في بيته أو مركبته أو سوقه، وهو قائم أو جالس أو وهو يمشي.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”( 24/220):
وأما التكبير في النحر فهو أوكد من جهة أنه يشرع أدبار الصلوات، وأنه متفق عليه.اهـ
وقال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في “صحيحه”(عند رقم:970):
1- (( وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمع أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج من تكبيراً)).
2- (( وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، و في فسطاطه ومجلسة وممشاه تلك الأيام جمعاً )).
3- (( وكانت ميمونة تكبر يوم النحر )).
4- (( وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد )).اهـ
الفرع الرابع: وهو عن وقت التكبير المقيد بأدبار الصلوات.
يبدأ وقت التكبير المقيد بالنسبة لمن في الأمصار بأدبار الصلوات من فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ثم يقطع.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”( 24/220):
أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(6/124):
وقد حكى الإمام أحمد هذا القول إجماعاً من الصحابة، حكاه عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس.اهـ
وقال السرخسي ـ رحمه الله ـ في “المبسوط”(2/42):
اتفق المشايخ من الصحابة: عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أنه يبدأ بالتكبير من صلاته الغداة من يوم عرفة.اهـ
وأما الحجاج فالتكبير في حقهم يبدأ من ظهر يوم النحر، وذلك لأنهم مشغولون بالتلبية حتى يرموا جمرة العقبة.
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
الفرع الخامس: وهو عن مشروعية الجهر بالتكبير عند الخروج إلى صلاة عيد الأضحى.
ثبت عن ابن عمر t: (( أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر، يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام ))رواه الدار قطني(2/45) والفريابي في “أحكام العيدين”(رقم:43و53).
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(24/220) :
ويشرع لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(6/133):
ولذلك يشرع إظهار التكبير في الخروج إلى العيدين في الأمصار، وقد روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وأبي قتادة، وعن خلق من التابعين ومن بعدهم، وهو إجماع من العلماء ولا يُعلم بينهم خلاف في عيد النحر، إلا ما رو الأثرم عن أحمد: أنه لا يجهر به في عيد النحر، ويجهر به في عيد الفطر، ولعل مراده أن يجر به في عيد النحر دون الجهر في عيد الفطر، فإن تكبير عيد الفطر عنده آكد.اهـ
الفرع السادس: وهو عن مشروعية الجهر بالتكبير أيام العشر وفي يوم النحر وأيام التشريق.
قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في “صحيحه”(عند حديث رقم:969):
(( وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما )).
وقال أيضاً (عند رقم:970):
(( وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمع أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مني تكبيراً )).
الفرع السابع: وهو عن تكبير النساء.
قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (( كنا نؤمر أن نَخْرُج يوم العيد، حتى نُخْرِجَ البكر من خدرها، حتى نُخْرِجَ الحِيَّض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم )) رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وفي رواية لمسلم: (( يكبرن مع الناس)).
وهذا نصٌ في مشروعية التكبير للنساء حتى ولو كُنَّ حِيَّض.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(6/130):
ولا خلاف في أن النساء يكبرن مع الرجال تبعاً إذا صلين معهم جماعة، ولكن المرأة تخفض صوتها بالتكبير.اهـ.
وقال النووي ـ رحمه الله ، في “شرح صحيح مسلم”(6/429) عقب حديث أم عطية:
وهذا دليل على استحباب التكبير لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه.اهـ
وقال البخاري ـ رحمه الله ـ في “صحيحه” (عند رقم:970):
(( وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد )).
قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح البخاري”(2/567):
وهذا أمر مستفيض.اهـ
الفرع الثامن: وهو عن صيغة هذا التكبير.
للتكبير في العيد عدة صيغ جاءت عن الصحابة y:
الأولى: ((الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد )).
وثبتت عن ابن عباس t عند ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1/489).
الثانية: ما أخرج عبد الرزاق (11/295رقم:20581) ومن طريقه البيهقي (3/316) عن أبي عثمان النهدي قال كان سلمان يعلمنا التكبير يقول: كبروا الله، الله أكبر الله أكبر مراراً، اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة أو يكون لك ولد أو يكون لك شريك في الملك أو يكون لك ولي من الذل، وكبره تكبيراً، الله أكبر تكبيراً، اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، ثم قال: والله لتكتبن هذه، ولا تترك هاتان، وليكونن هذا شفعاء صدق لهاتين )).
ولفظ البيهقي: (( كان سلمان رضي الله عنه يعلمنا التكبير يقول: كبروا، الله أكبر الله أكبر كبيراً أو قال تكبيراً، اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة أو يكون لك ولد أو يكون لك شريك في الملك أو يكون لك ولي من الذل، وكبره تكبيراً، اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، ثم قال: والله لتكتبن هذه، لا تترك هاتان، ولتكونن شفعاً لهاتين )).
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في “فتح الباري”(2/462)عن هذه الصيغة: أصح ما ورد.اهـ
ووافقته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ.
الثالثة: ((الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله وأكبر، ولله الحمد )).
وجاءت عن ابن مسعود tعند ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1/488-490) وصححها العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في “إرواء الغليل”(3/125).
وقدثبتت هذه الصيغة أيضاً عن جمع كثير من التابعين ـ رحمهم الله ـ كما عند ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1/490) والفريابي في “أحكام العيدين”(رقم: 62 ) وغيرهما.
المسألة الثامنة عشرة / وهي عن الأضحية.
وتحت هذه المسألة فروع:
الفرع الأول: وهو عن المراد بالأضحية.
الأضحية هي:
ما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل.
الفرع الثاني: وهو عن مشروعية الأضحية.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـكما في “مجموع الفتاوى” (23/161):
وأما الأضحية فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك المقرون بالصلاة، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته.اهـ
وهي مشروعة بالسنة النبوية المستفيضة، وبالقول والفعل عنه r.
قال أنس بن مالك t: (( ضحى رسول الله r بكبشين أقرنين أملحين )) رواه البخاري (5565 ) ومسلم ( 1966).
وقال r للناس في خطبة عيد الأضحى معلماً ومرغباً:
(( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ))رواه البخاري (951) ومسلم ( 1961-7).
بل وضحى r حتى في السفر، قال ثوبان t: (( ذبح رسول الله ضحيته، ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ))رواه مسلم (1975).
وأعطى r أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ غنماً ليضحوا بها. فقد ذكر عقبة بن عامرt: (( أن النبي rأعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحاياً، فبقي عتود، فقال: ضح به أنت ))رواه البخاري (5555) ومسلم (1965).
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/360):
وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.اهـ
الفرع الثالث: وهو عن نوع هذه المشروعية.
قال العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـفي كتابه “أضواء البيان”(5/619):
أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم على أن الأضحية سنة لا واجبة.اهـ
واستُدل لكونها سنة بما يأتي:
أولاً: بحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ.
حيث أخبرت أن النبي rالله عليه وسلم قال: (( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً )) رواه مسلم (1977).
ووجه الاستدلال من هذا الحديث:
أن النبيr علق الأضحية بإرادة المضحي، والواجب لا يعلق على الإرادة.
ثانياً: بالآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ترك الأضحية.
حيث ثبت عن أبي سريحة الغفاري t أنه قال: ((رأيت أبا بكر وعمر وما يُضحيان )) رواه عبد الرزاق (4/381) والبيهقي (9/265).
وقال البيهقي ـ رحمه الله ـ بعد أن خرجه:
وفي حديث بعضهم: (( كراهية أن يُقتدى بهما )).اهـ
وثبت عن أبي مسعود الأنصاري t أنه قال: (( لقد هممت أن أدع الأضحية، وإني لمن أيسركم بها، مخافة أن يُحْسَبَ أنها حتمٌ واجب )).
وفي لفظ آخر: (( مخافة أن يرى جيراني أنه حتم )) رواه عبد الرزاق (4/983) والبيهقي (9/265).
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـفي كتابه “المحلى”(6/10 مسألة رقم:973):
لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة.اهـ
وقال ابن بطال ـ رحمه الله ـ عن فوائد هذا الترك للأضحية من هؤلاء الصحابة:
وهكذا ينبغي للعالم الذي يُقتدى به إذا خشي من العامة أن يلتزموا السنن التزام الفرائض أن يترك فعلها ليُتأسى به فيها، ولئلا يُخلط على الناس أمر دينهم فلا يفرقوا بين فرضه ونفله.اهـ
الفرع الرابع: وهو عن الأضحية للمسافر.
الأضحية مشروعة للمسافر، وبذلك قال أكثر أهل العلم، وذلك لحديث ثوبان t قال: (( ذبح رسول الله r ضحيته، ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة )) رواه مسلم (1795)
الفرع الخامس: وهو عن البخل بالأضحية مع وجود اليسار والسعة في الرزق.
البخيل عن نفسه بما يقربه من ربه مع اليسار قد قال الله تعالى في شأنه: { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء }.
ومن ضحى وهو يخشى الفقر والحاجة، فليبشر بموعود الله تعالى له بالخلف الحسن، حيث قال سبحانه في سورة سبأ:
{ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين }.
وقال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه “الاستذكار”(15/163-164):
ولم يأت عنه r أنه ترك الأضحية، وندب إليها، فلا ينبغي لموسر تركها اهـ
وثبت عن أبي هريرة tأنه قال: (( من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا )) رواه
الدار قطني (4/27) والحاكم (4/232) والبيهقي (9/260) وابن عبد البر في والتمهيد (23/191).
الفرع السادس: وهو عن الأجناس التي يضحى بها من الحيوانات.
الأنواع التي يُضحى بها من الحيوانات باتفاق أهل العلم هي هذه الأصناف الأربعة:
الإبل والبقر والضأن والمعز ذكوراً وإناثاً.
ومن ضحى بغير هذه الأصناف الأربعة لم تجزئه عند عامة أهل العلم، بل ذكر النووي ـ رحمه الله ـ أن من أهل العلم من نقل اتفاق أهل العلم على عدم الإجزاء.
الفرع السابع: وهو عن الأفضل من هذه الأصناف الأربعة.
أفضل ما يضحى به من هذه الأصناف الأربعة:
الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع بدنة ثم سبع بقرة،
وبهذا قال أكثر أهل العلم من السلف الصالح فمن بعدهم.
وذلك لما يأتي:
أولاً: قول النبي r: (( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن )) رواه البخاري (881) ومسلم (850) من حديث أبي هريرة.
والمراد بالبدنة: الناقة من الإبل.
ووجه الاستدلال من الحديث:
أنه دل على أن أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى من بهيمة الأنعام الإبل ثم البقر ثم الغنم.
ثانياً: قول النبي r لما سئل: أي الرقاب أفضل؟: (( أعلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها ))رواه البخاري (2581) واللفظ له، ومسلم (84) من حديث أبي ذر.
والإبل أغلى وأنفس من البقر، والبقر أغلى وأنفس من الغنم، بل وأكثر لحماً، ونفعاً للفقراء.
ثالثاً: قياساً على الهدي في الحج.
حيث قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في “بداية المجتهد”(2/320):
العلماء متفقون على أن الأفضل في الهدايا الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز.اهـ
والهدي من أعظم شعائر الحجاج في أيام النحر، والأضحية من أعظم شعائر غير الحجاج في الأمصار، والجميع نسك، وأيام ذبحهما واحدة.
الفرع الثامن: وهو عن الاشتراك بين المضحين في الإبل والبقر.
يجوز أن يشترك في البعير أو البقرة سبعة من المضحين، كل واحد عن نفسه، عند أكثر أهل العلم.
وذلك قياساً على الهدي في الحج، لأن الجميع نسك، ووقت ذبحهما واحد.
وقد قال جابر بن عبد الله :t(( حججنا مع رسول اللهr فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة )) رواه ومسلم (1318).
فقام سبع البعير وسبع البقرة مقام الواحدة من الغنم، والواحدة من الغنم لا تجزئ إلا عن واحد.
الفرع التاسع: وهو عن الأفضل في الأضحية وهل هو شاة كاملة أو سبع من بعير أو بقرة.
الأفضل هو التضحية بشاة كاملة، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
وذلك لأن مقصود الأضحية الأعظم هو إراقة دمها تقرباً إلى الله تعالى، ومن ضحى بشاة كان قد تقرب إلى الله بالدم كله.
الفرع العاشر: وهو عن الأضاحي من الغنم.
وتحت هذه الفرع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: وهو عن اشتراك أهل البيت الواحد في أضحية واحدة من الغنم.
تجزأ الواحدة من الضأن والمعز عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها، ومن أحد الإخوان في البيت الواحد عن جميع من في البيت.
وذلك لما ثبت عن أبي أيوب t أنه سُئل: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله r فقال: (( كان الرجل يضحي بالشاة عنهوعن أهل بيته فيأكلون ويُطْعمُون ))رواه الترمذي (1505).
ولما أضجع النبي rأضحيته ليذبحها قال: (( باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)) رواه مسلم (1967) من حديث عائشة.
وقال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في كتابه “إكمال المعلم”(6/413):
وكافة علماء الأمصار في تجويز ذبح الرجل عنه وعن أهل بيته الضحية، وإشراكهم فيها معه.اهـ
القسم الثاني: وهو عن ضابط أهل البيت الذين تجزؤهم أضحية واحدة.
قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين”(41ص-42و43)في بيان ضابط أهل البيت الواحد الذين تكفي في حقهم أضحية واحدة:
إذا كان طعامهم واحداً، وأكلهم واحداً، فإن الواحدة تكفيهم، يضحي الأكبر عنه وعن أهل بيته، وأما إذا كان كل واحد له طعام خاص، يعني مطبخ خاص به، فهنا كل واحد منهم يضحي، لأنه لم يشارك الآخر في مأكله ومشربه.اهـ
وقال أيضاً:
أصحاب البيت الواحد أضحيتهم واحدة ولو تعددوا، فلو كانوا إخوة مأكلهم واحد، وبيتهم واحد، فأضحيتهم واحدة، ولو كان لهم زوجات متعددة، وكذا الأب مع أبنائه، ولو كان أحدهم متزوجاً، فالأضحية واحدة.اهـ
وذكر القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في كتابه “إكمال المعلم”(6/414) هذه الضوابط الثلاثة عند المالكية:
الأول: أن يكونوا من قرابته ومن في حكمهم كالزوجة.
الثاني: أن يكونوا تحت نفقته وجوباً أو تطوعاً.
الثالث: أن يكونون ساكنين معه غير بايتين عنده.
القسم الثالث:وهو عن أفضل الأضاحي من الغنم.
الأفضل في الأضاحي من الغنم، هو ما كان موافقاً لأضحية النبي r من جميع الجهات، ثم الأقرب منها.
وقد جاء في حديث أنس بن مالك t: (( ضحى النبي r بكبشين أملحين أقرنين )) رواه البخاري (5558و5553و5564) ومسلم (1966).
والأملح هو: الأبيض الذي يشوبه شيء من السواد.
وفي حديث عائشة رضي الله عنهاـ: (( أن رسول الله r أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به )) رواه مسلم (1967).
قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في كتابه “إكمال المعلم”(6/412):
قوله في الحديث: (( يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد ))أي أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود.اهـ
فدل هذا الحديث على أن أضحية النبي r قد جمعت هذا الأمور الثلاثة:
الأول: أنها كباش.
يعني: من ذكران الضأن.
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ:
الكباش هي الخِرَف الكبار.اهـ
وفي كونها كباش إشارة إلى سمنها، وقد أخرج البخاري في “صحيحه”معلقاً مجزوماً به عن سهل بن حنيف t أنه قال: (( كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون )).
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه “المجموع”(8/369):
وأجمع المسلمون على استحباب السمين في الأضحية، واختلفوا في استحباب تسمينها، فمذهبنا والجمهور استحبابه.اهـ
الثاني: أن لها قرنان.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح مسلم” (13/128عند حديث رقم:1966):
قال العلماء: فيستحب الأقرن.اهـ
الثالث: أن لونها أملح.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح مسلم”(13/129عند حديث رقم:1966):
وأما قوله: (( أملحين )) ففيه استحسان لون الأضحية، وقد أجمعوا عليه.اهـ
وقال أيضاً:
وأجمعوا على استحباب استحسانها واختيار أكملها.اهـ
الفرع الحادي عشر: وهو عن اشتراك أهل البيت الواحد في سبع بعير أو سبع بقرة.
الأفضل للرجل أن يضحي عنه وعن أهل بيته برأس واحد من الغنم، لأن هذا التشريك هو الثابت عن النبي r وأصحابه في حديث أبي أيوبt: (( كان الرجل يضحي بالشاة عنهوعن أهل بيته فيأكلون ويُطْعمُون )) رواه الترمذي (1505)
وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي rقال حين ذبح أضحيته: (( باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)) رواه مسلم (1967).
فإن اشترك في سبع بعير أو سبع بقرة وجعله أضحية عنه، وعن أهل بيته، فللعلماء خلاف في إجزاء هذا السبع عن الجميع، حتى قيل:
إنه لا يعرف نقل فيه عن أحد من السلف، ولا عن أحد من الفقهاء المشهورين، وأن الخلاف الموجود متأخر.
وقال العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـكما في “مجموع فتاوى ابن باز”(18/44):
السبع من البدنة والبقرة في إجزائه عن الرجل وأهل بيته تردد وخلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه يجزأ عن الرجل وأهل بيته، لأن الرجل وأهل بيته كالشخص الواحد، لكن الرأس الواحد من الغنم أفضل.اهـ
واختاره:
السعدي والعثيمين ـ رحمهما الله ـ.
الفرع الثاني عشر: وهو عن سن الأضحية.
الأضحية من جهة السن تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الإبل والبقر والمعز.
وهذه الأصناف الثلاثة قد اتفق العلماء على أنه لا يجزأ منها في الأضحية إلا الثني فما فوق.
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ عن الثني:
وهو من المعز ما بلغ سنة ودخل في الثانية، ومن البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، ومن الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة.اهـ
القسم الثاني: الضأن من الغنم.
ولا يجزأ منه إلا الجذع فما فوق عند عامة أهل العلم.
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في “فتاوى اللجنة الدائمة”(فتوى رقم: 2613) في بيان سن الجذع أنه:
ما كان سنه ستة أشهر ودخل في السابع فأكثر.اهـ
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/436-438):
قال أبو القاسم: وسمعت أبي يقول: سألت بعض أهل البادية: كيف تعرفون الضأن إذا أجذع؟ قالوا: لا تزال الصوفة قائمة على ظهره ما دام حَملاً، فإذا نامت الصوفة على ظهره، عُلم أنه قد أجذع.اهـ
الفرع الثالث عشر: وهو عن العيوب التي ترد بها الأضحية ولا تجزأ معها.
ثبت عن النبي r أنه قال: (( أربعة لا يجزين في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظَلَعُها، والعجفاء التي لا تُنْقِي ))رواه أبو داود (2804) والترمذي (1497) والنسائي (4369-4371) واللفظ له، وابن ماجه (3144).
والمراد بـ(( العجفاء التي لا تُنْقِي )): الهزيلة التي لا مخ في عظامها بسبب شدة هزالها.
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/369) عن هذه العيوب الأربعة:
لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنها تمنع الإجزاء.اهـ
ومن الأضاحي التي ذُكر أنها لا تجزأ ما يأتي:
أولاً: العمياء.
وذلك لأن النبي r قد منع من العوراء البين عورها، فمن باب أولى أن يمنع من العمياء، لأن العمى أشد في العيب من العور.
وقد اتفق أهل العلم على أن العمياء لا تجزأ في الأضحية.
ثانياً: مقطوعة أو مكسورة اليد أو الرجل.
وذلك لأن النبي r قد منع من العرجاء البين عرجها، فمن باب أولى أن يمنع من المقطوعة والمكسورة، لأن القطع والكسر أشد في العيب من العرج.
وبعدم الإجزاء قال عامة أهل العلم.
ثالثاً: مقطوعة الأذن كلها أو أكثرها.
قال الإمام ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه “الاستذكار”(15/128):
ولا خلاف علمته بين العلماء أن قطع الأذن كلها أو أكثرها عيب يتقى في الأضاحي.اهـ
وثبت عن على بن أبي طالب t أنه قال: (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ))رواه أحمد (1/95و105و125و152) وابن خزيمة (4/293) والحاكم (1/468) والبيهقي (9/275) وابن عبد البر في التمهيد (20/172-173) وابن حزم في المحلى (6/11-12 مسألة رقم:974) وغيرهم.
ومعنى (( نستشرف العين والأذن )): أي نطلب سلامتهما من العيب.
رابعاً: الهتماء.
والهتماء هي:
التي لا أسنان لها.
قال الإمام ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه الاستذكار”(15/131):
الهتماء لا تجوز عند أكثر أهل العلم في الضحايا.اهـ
وذلك لأن ذهاب الأسنان يؤثر على أكلها العلف، ويسبب ضعفها وهزالها.
وقد ثبت عن عبد الله بن عمرt أنه: (( كان يتقي من الضحايا والبُدْن، التي لم تُسِن، والتي نقص من خَلْقِهَا )) رواه مالك في “الموطأ” (2/482).
والمراد بالتي (( لم تسن )) عند كثير من العلماء: التي لا أسنان لها.
خامساً: الجرباء.
وبهذا قال أكثر أهل العلم.
وذلك لأن الجرب مرض بين، ويؤثر في سمنها، وفي طعم اللحم.
وقال الإمام الزهري ـ رحمه الله ـ: (( لا تجوز في الضحايا المسلولة الأسنان، ولا الجرباء )).
وقال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه “الاستذكار”(15/135) عقبه:
قول ابن شهاب في هذا الباب هو المعمول به.اهـ
يعني: عند العلماء.
سادساً: الصكاء أو السكاء.
والصكاء أو السكاء هي:
التي خلقت بلا أذنين.
وبه قال أكثر أهل العلم.
ووجه ذلك عندهم:
أن قطع الأذن لما كان مانعاً من الجواز، فعدم الأذن أولى.
سابعاً:مقطوعة الإلية.
وبه قال أكثر أهل العلم.
الفرع الرابع عشر: وهو عن العيوب التي لو وجدت في الأضحية لم تؤثر في إجزائها.
الأفضل عند جميع أهل العلم هو سلامة الأضحية من العيوب التي لا تؤثر في الإجزاء.
وقد تقدم أن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ: (( كان يتقي من الضحايا والبُدْن، التي لم تُسِن، والتي نقص من خَلْقِهَا )).
وقال القاضي عياض ـ رحمه الله ـفي كتابه “إكمال المعلم: (6/411):
واستحب جميعهم ـ يعني: العلماء ـ فيها غاية الكمال، واجتناب النقص.اهـ
ومن العيوب التي لا تؤثر في إجزاء الأضحية:
أولاً: عدم وجود قرن لها خلقة.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح مسلم” (13/128عند حديث رقم:1966)عقب حديث: (( ضحى النبي r بكبشين أملحين أقرنين )):
قال العلماء: فيستحب الأقرن، وفي هذا الحديث جواز تضحية الإنسان بعدد من الحيوان، واستحباب الأقرن، وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم الذي لم يخلق له قرنان.اهـ
ثانياً: القطع اليسير أو الشق أو الكي في الأذن.
وبهذا قال أكثر أهل العلم.
بل قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/373):
ويحصل الإجزاء بها، لا نعلم فيه خلافاً، ولأن شرط السلامة من ذلك يشق، إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كله.اهـ
ثالثاً: التضحية بما لا خصية له من ذكور بهيمة الأنعام.
وبهذا قال عامة أهل العلم.
بل قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/371):
ولا نعلم فيه خلافاً.اهـ
رابعا: البتراء التي لا ذنب لها خلقة.
وهو قول أكثر أهل العلم.
خامسا:مكسورة القرن.
قال الإمام بن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه “التمهيد”(20/171):
على هذا جماعة الفقهاء، لا يرون بأساً أن يضحي بالمكسورة القرن، وسواء كان قرنها يدمي أو لا يدمي.اهـ
وقال ـ رحمه الله ـ في كتابه “الاستذكار”(15/132-133):
جمهور العلماء على القول بجواز الأضحية المكسورة القرن.اهـ
سادساً: دل قول النبي r المتقدم:
(( أربعة لا يجزين في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظَلَعُها، والعجفاء التي لا تُنْقِي )).
على: ” أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا، والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم، وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة، وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال، ولا خلاف في ذلك” .اهـ
قاله الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابيه “التمهيد” (20/168) و”الاستذكار”(15/125).
الفرع الخامس عشر: وهو عن وقت ذبح الأضحية.
وتحت هذه الفرع أربعة أقسام:
القسم الأول: وهو عن أول وقت ذبح الأضاحي.
اتفق العلماء على أن أول أيام ذبح الأضحية هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة بعد صلاة العيد، وأن ذبحها قبل الصلاة لمن كان من أهل الحضر لا يجزأ.
وذلك لقوله r:
(( من ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى ))رواه البخاري (5562) ومسلم (1960).
وهذا الوقت هو أفضل أوقات الذبح لأنه فعل النبي r.
وأما من كان في مكان لا تقام فيه صلاة العيد كالبدو الذين يتنقلون من مكان إلى آخر بدوابهم لطلب العشب، أومن يُعَيدون في مخيماتٍ في البر، أومن يعملون بعيداً عن المدن والقرى، فإنهم ينتظرون بعد طلوع شمس يوم العيد مقدار صلاة العيد وخطبته ثم يذبحون أضاحيهم.
وبهذا قال أكثر أهل العلم.
القسم الثاني: وهو عن آخر وقت ذبح الأضاحي.
آخر وقت ذبح الأضاحي هو:
غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق.
فتكون أيام الذبح ثلاثة:
يوم العيد ويومان بعده، يعني: اليوم العاشر، واليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر إلى غروب شمسه.
وبهذا قال أكثر أهل العلم من السلف الصالح فمن بعدهم.
وثبت هذا القول عن عبد الله بن عمر وأنس بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ من الصحابة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ:
أيام النحر ـ يعني: الذبح ـ ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب رسول الله r.اهـ
وقال أيضاً:
أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام.اهـ
ومن ذبح قبلها لم تجزئه أضحيته بإجماع، ومن ذبح بعدها لم تجزئه أضحيته عند جماهير أهل العلم.
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز ذبح الأضحية في اليوم الثالث عشر، وهو ثالث أيام التشريق.
وذلك لحديث: (( أيام التشريق كلها ذبح )).
وقد أخرجه الإمام أحمد( (4/82) وغيره.
وهو حديث ضعيف، وقد ضعفه أكثر أئمة الحديث ـ رحمهم الله ـ.
القسم الثالث: وهو عن الذبح ليلاً.
ذبح الأضحية في النهار أفضل، لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذبحها ليلاً جاز عند أكثر أهل العلم.
القسم الرابع: وهو عن ذبح الأضحية بعد انتهاء وقتها.
قال الوزير بن هبيرة ـ رحمه الله ـ في كتابه “الإفصاح”(1/560):
واتفقوا ـ يعني: الأئمة الأربعة ـ على أنه إذا خرج وقت الأضحية على اختلافهم فيه فقد فات وقتها، وأنه إن تطوع بها متطوع لم يصح، إلا أن تكون منذورة فيجب عليه ذلك، وإن خرج الوقت.اهـ
الفرع السادس عشر: وهو عن الأكل والتصدق والإهداء من لحم الأضحية.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(12/32):
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يستحب أن يتصدق بالثلث، ويُطْعِمَ الثلث، ويأكل هو وأهله الثلث.اهـ
وعن سلمة بن الأكوع t أن النبي r قال في شأن لحوم الأضاحي: (( كلوا وأطعموا وتصدقوا )) رواه البخاري (5569) ومسلم (1971).
وفي رواية لمسلم: (( كلوا وادخروا وتصدقوا )).
وتقدم قول أبي أيوب :t(( كان الرجل يضحي بالشاة عنه،وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطْعمُون )).
وقال ابن عمر t:(( الضحايا والهدايا: ثلث لأهلك، وثلث لك، وثلث للمساكين)).
رواه ابن حزم في “المحلى”( 5/ 313) وغيره، وحسنه بعض أهل العلم.
وثبت عن ابن مسعودt أنه كان يبعث بالهدي مع علقمة ثم يقول له: (( كل ثلثاً، وتصدق بثلث، وابعث إلى آل عتبة ثلثاً ))رواه ابن أبي عروبة في كتاب “المناسك”(رقم: 110) وابن أبي شيبة (4/ 88) والطبراني في “المعجم الكبير”(9/ 241 – 242) وابن حزم في “المحلى”(5/ 313).
وقال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/380) عن استحباب التثليث:
ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر، ولم نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فكان إجماعاً.اهـ
فإن لم يأكل المضحي من أضحيته شيئاً، وأطعم الفقراء جميعها جاز، وكان تاركاً للأكمل.
قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في كتابه “إكمال المعلم”(6/425):
وقال الطبري: جميع أئمة الأمصار على جواز أن لا يأكل منها شيئاً، ويُطعم جميعها.اهـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه “المجموع”(08/391):
بل يجوز التصدق بالجميع، هذا هو المذهب، وبه قطع جماهير الأصحاب، وهو مذهب عامة العلماء.اهـ
الفرع السابع عشر: وهو عن كيفية ذبح الأضحية.
وتحت هذا الفرع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: وهو عن أنواع الأضحية المذبوحة.
الأضحية المذبوحة على قسمين:
النوع الأول: الإبل.
وهذه السنة فيها أن تُنْحَرَ في اللبة قائمة مقيدة.
قال أنس بن مالك t: (( نحر النبي r سبع بُدْن قياماً )) رواه البخاري (1717).
وقال زياد بن جبير ـ رحمه الله ـ: (( رأيت ابن عمر t أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قياماً مقيدة، سنة محمد صلى الله عليه وسلم )) رواه البخاري (1713) ومسلم (1320).
قال النووي ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح مسلم”(9/76رقم:1320):
يستحب نحر الإبل وهي قائمة معقولة اليد اليسرى …، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور.اهـ
وقال العلامة ابن قاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه “حاشية الروض المربع”(4/225):
قال الموفق وغيره: لا خلاف في استحباب نحر الإبل، وذبح ما سواها.اهـ
النوع الثاني: البقر والضأن والمعز.
وهذه الأنواع يستحب أن تضجع على جانبها الأيسر، ثم تذبح.
وقال العلامة ابن قاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه “حاشية الروض المربع”(4/226):
وأجمع المسلمون على إضجاع الغنم والبقر في الذبح.اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(10/21) عن الغنم:
واتفقوا ـ يعني: أهل العلم ـ على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، يضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار.اهـ
القسم الثاني: وهو عن تنكيس صفة الذبح.
إذا عكس المضحي أو من ينوب عنه فذَبَح ما يُنْحَر، أو نحرَ ما يُذبَح جاز عند أكثر أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة
أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد لكن مع الكراهة.
بل قال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـ في كتابه “الإشراف”(3/431):
وليس يختلف الناس أن من نحر الإبل وذبح البقر والغنم أنه مصيب، ولا أعلم أحداً حرم أكل ما نحر مما يذبح، أو ذبح مما ينحر، وكره مالك ذلك، وقد يكره المرء الشيء ولا يحرمه.اهـ
وذلك لأن الذكاة قد وقعت في محلها وهو الرقبة، فحل الأكل.
القسم الثالث: وهو عن التوكيل في ذبحها.
الأفضل أن يذبح المضحي أضحيته بيده، لأنه فعل النبي r، فقد قال أنس بن مالك :t(( ضحى رسول الله r بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صِفَاحِها، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده ))رواه البخاري (5558) واللفظ له، ومسلم (1966).
وفي حديث عائشة رضي الله عنهاـ: (( أن رسول الله r أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: يا عائشة هَلمِي المُدية، ثم قال: اشحذيها بحجر،ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به )) رواه مسلم (1967).
وقال البخاري ـ رحمه الله ـ في “صحيحه” معلقاً بالجزم:
(( وأمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن )).
وذكر الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(10/21) من وصله، وقال عقبه:
وسنده صحيح.اهـ
الفرع الثامن عشر: وهو عن التسمية والتكبير والدعاء بالقبول عند ذبح الأضحية.
جاء في حديث أنس بن مالك t أن النبي r لما ذبح أضحيته: (( سمى وكبر )) رواه البخاري (5565) ومسلم (1966).
وفي لفظ آخر عند مسلم: (( ويقول: باسم الله، والله أكبر )).
وفي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي r: (( أخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به ))
رواه مسلم (1967 ).
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح مسلم”(13/129رقم:1966):
قوله:(( وسمى ))فيه إثبات التسمية على الضحية، وسائر الذبائح، وهذا مجمع عليه.اهـ
ومن نسي التسمية عند الذبح، فإن ذبيحته حلال، ويجوز له الأكل منها.
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
والتكبير عند الذبح سنة بإجماع أهل العلم، نقله العلامة ابن قاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه “حاشية الروض المربع”(4/215).
الفرع التاسع عشر: وهو عن استقبال القبلة عند ذبح الأضحية.
يستحب عند ذبح الأضحية أن تكون إلى جهة القبلة.
وقد نقل العلامة ابن قاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه “حاشية الروض المربع”(4/226) الإجماع على ذلك.
وقد ثبت عن عبد الله بن عمر t أنه: (( كان ينحر هديه بيده، ويصفهن قياماً، ويوجههن إلى القبلة، ثم يأكل ويُطعِم )) رواه مالك في “الموطأ”(1/379).
وثبت عنه t أيضاً أنه: (( كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة )) رواه عبد الرزاق (4/489رقم:8585).
وثبت عن ابن سيرين ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان يُسْتَحَبُ أن توجه الذبيحة إلى القبلة )) رواه عبد الرزاق (4/489-490رقم:8587).
ومن ذبح أضحيته إلى غير القبلة أجزأته، وأكلها حلال.
الفرع الأخير: وهو عن أخذ مريد الأضحية من شعره وأظفاره وجلده إذا دخلت العشر.
إذا دخلت العشر الأول من شهر ذي الحجة فإن مريد الأضحية منهي عن الأخذ من شعره وأظفاره وجلده حتى يضحي.
وذلك لحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي r قال:
(( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً )) رواه مسلم (1977).
وفي لفظ آخر: (( من كان له ذِبْحٌ يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي )).
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابيه “المجموع”(8/363) و”شرح صحيح مسلم”(13/147-148رقم:1977):
والمراد بالنهي عن الحلق والقلم المنع منن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره، والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذ بنورة أو غير ذلك وسواء شعر والعانة والإبط والشارب والرأس وغير ذلك من شعور بدنه.اهـ
فإن أخذ من ذلك شيئاً فقد أساء، وخالف السنة.
قال الأمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(13/362-363):
فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية عليه إجماعاً، وسواء فعله عمداً أو نسياناً.اهـ
وأما بالنسبة لأهل البيت من زوجة وأولاد وغيرهم الذين يُضَحي عنهم من يعولهم من أب أو زوج أو ابن فلأهل العلم في أخذهم قولان:
القول الأول: جواز الأخذ.
وبهذا القول يفتى هؤلاء العلماء:
ابن باز والألباني والعثيمين.
وذلك لأن حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ إنما فيه نهي مريد الأضحية وحده من الأخذ.
القول الثاني: الكراهة.
وذلك لأن الشرع قد جعل لهم نوع مشاركة في الأضحية مع المضحي، وهي المشاركة في الثواب، فيشاركوه في حكم الأخذ.
وقد ثبت عن سليمان التيمي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان ابن سيرين يكره إذا دخل العشر أن يأخذ الرجل من شعره، حتى يكره أن يحلق الصبيان في العشر )).
ويبدأ وقت النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار والبشرة بغروب شمس ليلة أول أيام شهر ذي الحجة، وينتهي بذبح الأضحية، وسواء ذبحها المضحي في يوم العيد أو اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق.
وذلك لقوله r: (( من كان له ذِبْحٌ يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي )) رواه مسلم (1977).
وفي لفظ آخر: (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )).
المسألة الأخيرة / وهي عن بعض المظاهر السيئة التي تحصل في العيد.
العيد من أجمل المظاهر التي امتن الله بها على عباده، ففيه: يجتمع المسلمون في مصلياتهم، ويتقربون بعبادات شتى، ويكبرون الله ويشكرونه على ما أنعم عليهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويصل القريب فيه قريبه، والجار جاره، وتصفو النفوس، ويُصفَح ويُتَجَاوز، وتحل الألفة، ويظهر الكرم، ويكون السرور، ويهنأ الناس بعضهم بعضاً، فحمداً الله على ما أنعم.
أيها المسلم ويا أيتها المسلمة:
ثمة مظاهر كثيرة تُرى في العيد لا يليق بالمسلمين أو المسلمات أن تقع منه، وأن يكونوا من أهلها، أو من العاملين بها، وهذا شيء منهما:
1- من الرجال من يتشاغل عن أهم شعائر العيد وهي صلاة العيد بالنوم أو التبضع أو التجمل أو الزبائن أو أمور ضيافة الزوار والمهنئين.
2- من النساء من تجعل العيد مظهراً من مظاهر التبرج والسفور والتكشف، وإظهار المفاتن والعورات، فَتَفْتن وتُفتن، وتأثم وتتسبب في الإثم، وذلك في وقت التزاور أو حضور العزائم والولائم أو عند الشواطئ والحدائق وأماكن التنزه.
3- من الناس من يكون في العيد من الضارين لأنفسهم وأهليهم وأصدقائهم بحضور تجمعات الغناء والموسيقى والرقص وحفلات أهلها، بل قد يسافر في طلبها، فيفسد نفسه ويُكَثَّر وزره، ويبُدد ماله الذي أنعم الله عليه به، وما هكذا تشكر النعم. لله عليه به ، وما هكذتا هكذتا يكو396) والتحجيل للطريقي (1/205-206)خالفاار العلماء ، والثابت من أصحاب النبي صلى الله عليه وس
4-من الناس من واقعه في العيد سهر بالليل يُمتَّع النفس مع الأصحاب، ثم نوم بالنهار تضيع به الصلوات في أوقاتها، فَيُهلك النفس بالإثم، ويُسخط ربه الذي أنعم عليه بهذه النفس، وباقي النعم.
5- من الذكور والإناث من يجعل عيده محلاً للتشبه بأهل الكفر والفجور والفساد في ألبستهم وشعورهم وأفعالهم وعاداتهم.
6- من الرجال والنساء من يؤثم نفسه عند اللقاء في العيد والتزاور، وذلك بمصافحة من ليس أو ليست بمحرم .
7- من الناس من يُبدد الكثير من المال في شراء المفرقعات “الألعاب النارية” لأولاده، فيتعلمون منه تبديد المال، وقد يكون سبباً في إيذاء الناس بها، أو إلحاق الضرر بعياله، والمستشفيات والمطافئ تشهد.
8- من الناس من يقلب لقاءه في العيد مع أهله وإخوانه وقرابته إلى تشاحن وتخاصم وتهاجر وزيادة في التباغض.
9- من الناس من يجعل العيد موسماً لزيارة المقابر والجلوس فيها والتجمع عندها، وما جعلها موسماً للزيارة في العيد، ولا خصصها بالزيارة فيه رسول الله r ولا صحابته ولا بقية السلف الصالح بعدهم، فإن لم نقتد بهؤلاء الأكابر الأجلاء فبمن نقتدي؟
10- من الناس من يخص ليلة العيد بالإحياء ببعض العبادات من صلوات وأوراد أ وغيرها، ولو كان هذا هو الخير فيها لفعله رسول الله r وخلفاؤه الراشدون، أو أمر به أو رغب فيه، فقف حيث وقف النبي r، وسر على طريقه وطريق أصحابه، فإن الخير لك هو في ذلك.
11- من الناس من أنعم الله عليه بُبَنَّيات، فتراه يخرجهن في العيد بألبسة إن رأيتها لم تتذكر إلا ألبسة الكاسيات العاريات المفسدات، وإن رأيتهن سألت الله أن يُسلمهن ويحفظهن من الفتن وأهلها، وخشيت عليهن من الشر، وأن يكبرن على هذه الألبسة ويتعودن عليها، فيكن معول إفساد لبلدانهن ومجتمعاتهن.
12- من الناس من يضيع ماله، ويضر نفسه ويؤثمها في العيد بالنظر إلى الفضائيات ومكالمة أهلها لطلب الأغاني ومشاهد الفساد والتعري فيها، فيراها ويهديها، ويتسبب في أن يسمعها ويراها غيره من الناس بسبب طلبه لها فيؤثمهم معه، ويحمل أوزاراً مع أوزاره.
13- من الشُّبان والشَّابات من يعايد غيره عبر الهاتف الجوال بكلمات ماجنة، وأصوات هابطة، وصور فاتنة، والجميع لا يضر إلا نفسه وأخاه وصاحبه.
14- من النساء من تظهر في الأعياد والمناسبات أمام أخواتها من النساء بألبسة فاضحة إن رأيتها لم تتذكر إلا نساء أهل الكفر والفجور والفساد والإفساد، وتتعجب وقوعه ممن أنعم الله عليها بدينه وشرعه، وستره وحفظه، وأفضاله الكثيرة.
وفي الختــام:
أسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يرزقنا توبة صادقة، وحسنات متزايدة، وقلوباً تخشع، وإقبالاً على الطاعة يكثر، وبعداً عن المعاصي، وتركاً لأماكنها وأهلها وأسبابها.
وكتبه: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.