بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .. أما بعد ،،
لم يكن مسمى الأناشيد الاسلاميه معروفا في زمن الإمام الشافعي رحمه الله ولا قبله ، وإنما كان له مسمى آخر وهو التغبير فإذا عرفت ذلك أخي الحبيب سهل علي وعليك معرفة أقوال أهل العلم في التغبير – الأناشيد الإسلاميه – كما يحلو للبعض .
وحتى تتأكد حفظك الله من ذلك اسمع ما قاله أهل اللغة في معنى التغبير :
قال الأزهري رحمه الله : ( وقد سموا وقد سَمَّوْا ما يُطَرِّبون فيه من الشِّعْر في ذكر الله تَغْبيراً كأَنهم تنَاشَدُوهُ بالأَلحان طَرَّبوا فَرَقَّصوا وأَرْهَجوا فسُمّوا مُغَبِّرة لهذا المعنى )
وقال الزجاج : ( سُمّوا مُغَبِّرين لتزهيدهم الناس في الفانية وهي الدنيا وترغيبهم في الآخرة الباقية )
وقال صاحب لسان العرب : (والمُغَبِّرة قوم يُغَبِّرون بذكر الله تعالى بدعاء وتضرّع كما قال عبادك المُغَبِّره رُشَّ علينا المَغفِرَه )
وقال أبو الفيض (يُغَبِّرُون بذِكْرِ اللهِ ، أَيْ يُهَلِّلُون ويُردِّدُون الصَّوْتَ بالقِرَاءَة وغيرِهَا )
اذاً تبين لي ولك مما سبق معنى التغبير ، وأنه لا بد فيه من أمرين أساسيين هما أولا التلحين والتطريب وثانيا ترقيق القلب والتذكير بالآخرة والوعظ وهذا مقصوده ، أظن وانت أعلم مني بذلك ان هذين المعنيين هما أساس النشيد الاسلامي الذي يستمع إليه الأغلب ، أليس كذلك ؟ أليس إذا قلت لأحدهم يا اخي لا تكثر من سماع الأناشيد قال لك الأناشيد أحسن من الأغاني فيها كلام طيب وتذكير للناس و و الخ ، ؟ نعم ، بل ذكر شيخ الاسلام أن ما سبق هو أصول التغبير وأنها ( تلحين بإنشاد قصائدَ مرقِّقةٍ للقلوب تحرِّك المحبةَ والشوقَ أو الخوفَ والخشيةَ أو الحزن والأسف وغيرَ ذلك وأن المجتمعون لسماعها من أهل الطريق المريدين لوجه الله والدار الآخرة وأن يكون الشعرُ المنشدُ غيرَ متضمنٍ لما يُكره سماعُه في الشريعة ) !!!
اذاً هذا النشيد الاسلامي – أقصد التغبير – وهذه هي أصوله الحديثة والقديمة التي تقوم عليه ،
، فإذا فهمت ذلك – نفع الله بك – لننتقل الى كلام أهل العلم والشريعة بعد اطلاعنا على كلام أهل اللغة في معنى التغبير وحكمه ، ولن اطيل عليك .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله : (خرجتُ من بغداد وخلَّفتُ بها شيئاً أحدثه الزنادقة، يُسمّونه التغبير، يصدّون الناسَ به عن القرآن ) ، اذا هو أمر محدث – اي بدعة – والذين احدثوه هم الزنادقة !!!
و سئل تلميذه أبو عبدالله ، من ؟ الإمام أحمد ؟ نعم أحمد بن حنبل سئل عن التغبير فقال : بدعة محدثه ، فقيل له : إنه ترق له القلوب – وهذا ما يردده الكثير عفا الله عنا وعنهم – فقال رحمه الله : لا تجلسوا معهم . !!!
و قد أعجبني قول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال معلقا على كلام الإمام الشافعي : (وَهَذَا مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَةِ الشَّافِعِيِّ وَعِلْمِهِ بِالدِّينِ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا تَعَوَّدَ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ وَالْأَبْيَاتِ وَالْتَذَّ بِهَا حَصَلَ لَهُ نُفُورٌ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْآيَاتِ)
وقال ايضا : (َمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – مِنْ أَنَّهُ مِنْ إحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ كَلَامُ إمَامٍ خَبِيرٍ بِأُصُولِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ هَذَا السَّمَاعَ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ وَيَدْعُو إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ إلَّا مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالزَّنْدَقَةِ ) .
و قال الامام الطرطوشي رحمه الله في كتابه تَحْرِيمِ السَّمَاعِ : قَدْ بَلَغَنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ , اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ وَاسْتَغْوَى عُقُولَهُمْ فِي حُبِّ الأَغَانِي وَاللَّهْوِ وَسَمَاعِ الطَّقْطَقَةِ وَالتَّغْبِيرِ , فَاعْتَقَدَتْهُ مِنْ الدِّينِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إلَى اللَّهِ , وَجَاهَرَتْ بِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ , وَشَاقَّتْ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَفَتْ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ ) .
سبحان الله ، انظر الى دقيق علمهم وعمق نظرتهم رحمهم الله وأنهم ينظرون الى أصل الشئ ومشروعيته ، والى ما يترتب عليه من مفاسد !!
هذا قول أهل العلم رحمهم الله ، فإن قلت لي لمَ لمْ تذكر رأي الشيخ ابن باز والعثيمين والألباني وانت تبجلهم ؟؟! ، قلت أنت تعرف قولهم في المسألة وأنه – اي قولهم – لا يخالف ما ذكرت من أقوال هؤلاء الائمة الأعلام رحم الله الجميع لأنهم سائرون على دربهم ، وحتى أعتذر لهم إن كانوا مخطئين ويعذرهم من شنع عليهم ممن لم يبلغ عشر معشار ما بلغوه من العلم – والله حسيبهم ولا ازكي على الله احدا – أو متشددين متزمتين كما يحلو للبعض .عموما …
و القلب – رعاك الله – كالوعاء إن لم تملأه بالماء ملئ بالهواء فكذلك ان ملأته بالنشيد وغيرها لم يكن مكان للقرآن الكريم كلام الله تعالى وتدبره آيه ، فأصبح منشغلا بما لا ينفع أسأل الله العفو والعافيه وكلام أهل العلم في هذا كثير ، والاصوات أخي الحبيب لها تأثير على النفوس والقلوب واسأل من تعلق قلبه بذلك والعياذ بالله فسينبئك والله بما يحزن ، والنشيد اللا اسلامي عفوا اقصد الاسلامي عالم خاص فاسأل عنه خبيرا ، يقول شيخ الاسلام رحمه الله : (ومن المعلوم أنَّ استماع الأصوات يوجب حركة النفس بحسب ذلك الصوت الذي يوجب الحركة … وللأصوات طبائعُ متنوِّعة، تتنوع آثارها في النفس، وكذلك للكلام المسموع نظمه ونثره، فيجمعون بين الصوت المناسب والحروف المناسبة لهم. وهذا الأمر يفعله بنو آدم من أهل الديانات البدعية كالنصارى والصابئة، وغير أهل الديانات مِمَّن يحرك بذلك حبه وشوقه ووجده أو حزنه وأسفه أو حميّته وغضبه أو غير ذلك )
وقد يصير ذلك ادماناً وعشقاً بل وتلذذاً – والعياذ بالله – فلا يرتاح قلبه الا بسماع صوته – المنشد المعشوق – فإذا فارقت أسماعه صوته تاقت نفسه اليه وضاقت وأصبح حاله كالسكران قال الطبيب النفسي احمد بن عبدالحليم – ابن تيمية- : ( فإن السكْر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السكْر بالأشربة المسكرة، فيصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن، وفهم معانيه، واتباعه، فيصيرون مضارعين للذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله ) .
واسأله أيضا عن حاله مع كتاب الله تعالى فإن سكت ولم يجبك ، فسيجيبك ابن الجوزي رحمه الله و سيخبرك عن حاله بدلا عنه، قال رحمه الله في كتابه تلبيس ابليس : (وقد نشب حبّ السماع بقلوب خلق منهم، فآثروه على قراءة القرآن، ورقت قلوبهم عنده مما لا ترق عند القرآن، وما ذاك إلا لتمكن هوى باطن تمكن منه، وغلبة طبع وهم يظنون غير هذا )
فاترك يا رعاك الله السفاسف والترهات و وسابق الى الطاعات واغتنم وقتك بما ينفعك وتقرب الى الله بما شرعه لك من العبادات ، واختم بكلام نفيس لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : (وكذلك العبّاد : إذا تعبدوا بما شرع من الأقوال والأعمال ظاهراً وباطناً ، وذاقوا طعم الكلم الطيب ، والعمل الصالح الذي بعث الله به رسوله ، وجدوا في ذلك من الأحوال الزكية ، والمقامات العلية ، والنتائج العظيمة ، ما يغنيهم عما قد يحدث في نوعه ، كالتغبير ونحوه ، من السماعات المبتدعة ، الصارفة عن سماع القرآن ، وأنواع من الأذكار والأوراد ، لفقهاء بعض الناس . أو في قدره ، كزيادة من التعبدات ، أحدثها من أحدثها لنقص تمسكه بالمشروع منها ) .
واعتذر عن الاطالة وان كانت شدة فلأن أخاك يريد لك الخير .
محمد صديق الحاجوني.