إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه, وأتباعه, ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار .
( ياأيها الذين أمنوا أتقوا الله حق تقاته ولاتموتن الا وأنتم مسلمون )
أمّا بعد: فوصيّة الله ، للأوّلين والآخرين تقواه، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ)
أيها الناس: إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب ورسخ فيه وصدقته الأعمال بفعل الطاعات واجتناب المعاصي .
الإيمان أمة الإسلام : ليس مجرد إعلان المرء بلسانه أنه مؤمن، فما أكثر المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم:(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)
لابد أن يصحب هذا إذعان قلبي، وانقياد إرادي، يتمثل في الخضوع والطاعة لحكم من آمن به مع الرضا والتسليم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )
والدين الإسلامي عقيدةٌ وشريعة ، فأساس الشرائع اركان الإسلام الخمسة ، وأسس العقيدة اركان الإيمان الستة، قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ وقوله تعالى 🙁 إنا كل شيء خلقناه بقدر )، وفي حديث جبريل في الصحيحين لما سأل البي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فأجابه: “أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره”
وليس الإيمان بها حفظ حروفها وأنواعها فقط ، بل لا بد
من غرسها في القلب وسقيها بالعمل الصالح ، إذ الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص .
عباد الله : بالإيمانِ الصحيح تتطهر نفس المؤمن من الجُبن والجزَع (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
بهذا المذاقِ الإيماني يتحرر المؤمن من رِقَّة الهوَى والشيطان وفِتن الدّنيا.
مَن ذاق حلاوةَ الإيمان انشرَحَ صدرُه واطمأنَّ قلبه، لاعتقاده أنَّ الأرزاقَ بيد الله، وأنَّ نفسًا لا تموت حتى تستوفيَ رِزقَها وأجلَها.
مَنْ ذاق حلاوةَ الإيمان ذاق لذّةَ الصلاة ، فتغدو الصلاة قرّةَ عَينه ومستراحَه في الدنيا، فما يزال في ضيقٍ حتى يدخلَ فيها؛ ولذا قال إمامُ المتّقين صلى الله عليه وسلم :(أرِحنا بها يا بلال).
ولِقيام الليل عند المؤمنين لذة صارت في عرفنا كالخيال ، يقول أحدهم:(والله، لولا قيام الليل ما أحبَبتُ البقاء في هذه الدّنيا).
فهلا سألنا أنفسنا لم لم يكن لقراءَة القرآن لذة؟! يقول الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-:(لو طهرت قلوبُكم ما شبِعَت مِن كلامِ ربِّكم ) .
ممِن ذاق حلاوةَ الإيمان خُبَيب بن عديّ -رضي الله عنه-،
قيل له، وكان على وشَكِ أن يقتَل صَلبًا: أتحبّ أن يكونَ محمّد مكانَك وأنت معافًى في أهلِك ، فقال: والله، ما أحبّ أن أكونَ في أهلي وولَدي وعندي عافيَةُ الدنيا ونعيمها ويصابُ رسول الله بشَوكة ) .
تلكم التي ذاقَت حلاوةَ الإيمان بلَغَها أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد قتِل في أحُد، فانطلَقَت إلى ساحةِ المعركَة فإذا أبوها مقتولٌ وأخوها مقتول وابنها مقتولٌ وزوجها مقتول فقالت: ما فعَل رسول الله؟! فلمّا وقَعت عينُها على شخصِ النبيّ اطمأنَّت وقالت: يا رسولَ الله: كلُّ مصيبةٍ بعدك جَلَل. أي: تهون.
الذي يذوقُ طعمَ الإيمان لو تقطِّعُه إربًا إربًا لا يتَزحزَح عن دينه، يسأل هِرقلُ مَلِك الروم أبا سفيان – وكان مشركا آنذاك: هل يرتدُّ أحدٌ منهم سَخطةً لدينه؟! قال: لا، قال: كذَلِك الإيمان إذا خالَطَت حلاوتُه بشاشةَ القلوب.
لذة لا تدانيها لذة، وطعم لا يقاربه طعم ،فكيف ينال ؟ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ) من كن فيه يعني من اتصف بهن وجد بسببهن حلاوة الإيمان ليست حلاوة السكر والعسل وإنما هي حلاوة أعظم من كل حلاوة ، حلاوة يجدها الإنسان في قلبه ولذة عظيمة لا يساويها شيء يجد انشراحا في صدره ، ورغبة في الخير ، وحبا لأهل الخير .
السبب الأول لنيل حلاوة الإيمان : (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) و محبة الرسول عليه الصلاة والسلام هنا تابعة ونابعة من محبة الله سبحانه وتعالى فالعبد كلما كان لله أحب كان للرسول صلى الله عليه وسلم أحب.
السبب الثاني لنيل حلاوة الإيمان : (وأن يحب المرء لا
يحبه إلا لله) لا تحبه لقرابة ولا لمال ولا لجاه ولا لشيء من الدنيا إنما تحبه لله أما محبة القرابة فهي محبة طبيعية ، وإنما أحبه لما رآه قائما بطاعة الله متجنبا لمحارم الله.
قال ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- ، قَالَ: من أَحِبَّ فِي اللهِ، وَأَبْغِض فِي اللهِ، وَوَالِ فِي اللهِ، وَعَادِ فِي اللهِ، فَإِنَّمَا تُنَالُ وِلاَيَةُ اللهِ بِذَلِكَ، لاَ يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ.
السبب الثالث لنيل حلاوة الإيمان : (وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) يعني يكره الوقوع في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ، فيكون القذف في النار أهون عليه من أن الوقوع في الكفر .
ومن أسباب نيل حلاوة الإيمان ما رواه مسلم عن العبَّاس بن عبد المطَّلبِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال 🙁 ذاق طعمَ الإيمانِ من رضيَ بالله ربّاً، وبالإسلامِ دينا، وبمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم رسولاً )
أي قنع بها واكتفى فلم يطلب غيرها ، وفي الحديث الآخر عند مسلم « مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا. غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ ».
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين، وإليهما ينتهي، وقد تضمنا الرضى بربوبيته سبحانه، وألوهيته، والرضى برسوله والانقياد له، والرضى بدينه والتسليم له.
وأما الرضى بنبيه رسولا : فيتضمن كمال الانقياد له،
والتسليم المطلق إليه.. فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه .
وأما الرضى بدينه : فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى : رضي
كل الرضى، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له
تسليما، ولو كان مخالفاً لمراد نفسه، أو هواها ..)
عباد الله : والحضارة المعاصِرة بمادّيتها خيرُ شاهدٍ على أنّ السعادةَ والحلاوة لا تحقِّقها شهواتُ الدّنيا ولا مادّيّاتها ، فلقد أورثَتهم حياتُهم هذه أمراضًا نفسيّة واضطراباتٍ اجتماعيّةً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ أَعْمَى(
فاللهم وفقنا للإيمان والعمل الصالح، واجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الله أحمد، وبوحدانيته أشهد، وأصلي وأسلم على نبينا الذي سماه ربنا في كتابه محمدا وأحمد.
أما بعد، عباد الله:
أول أركان يمان الستة الإيمان بالله ويتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بربوبيته: أي بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين ، وهذا لم ينكره أحد من الخلق في الجملة ، بل حتى كفار قريش كانوا مؤمنين به ، ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ).
والرب: من له الخلق والملك، والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا هو، قال تعالى : { ألا له الخلق والأمر )
الثاني: الإيمان بألوهيته: أي ( بأنه وحده الإله الحق لا شريك له) قال الله تعالى: { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) وهذا هو الفارق بين الموحدين
والمشركين والذي لأجله بعث المرسلون .
الثالث: مما يتضمنه الإيمان بالله الإيمان بأسمائه وصفاته: أي باثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل، قال الله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فأدعوه به وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) وقال: { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم )
فالإيمان بالله اعتقاد تفرده في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته ، ولقد فطر الله سبحانه أي (خلق) كل مخلوق على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ )
طهر الله قلوبنا بالإيمان ، ورزقنا اللذة به والحبور .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم احفظ هذا البلد وأهله وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم لا تشمت بأهل الإسلام عدواً ولا حاسداً .
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم كن لهم عونا ونصيرا، اللهم انصرهم على القوم الظالمين.
اللهم نصرك المؤزر لجندك المرابطين على ثغور بلاد الحرمين ، اللهم اكبت عدوهم واجعله في سفال .
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ،اللهم إنا رفعنا اليك أكف الضراعة والحاجة ، مفتقرين لرحمتك وفضلك بانحباس المطر ، وجدْب المراعي، راغبين في رحمتك، وراجين فضلَ نعمتك، اللهم فارحم أنين الآنَّة، وحنين الحانة، اللهم فأسقنا غيثك، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، اللهم انشر علينا رحمتك ، اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتحيي به ما قد مات، وتردَّ به ما قد فات، اللهم سقيا هنيئة، اللهم سقيا هنيئة، تروى بها القيعان، وتسيل البطان، وتستورق الأشجار، وترخص الأسعار، اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين، اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .