الْحَمْدُ لِلَّهِ خالق السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ، له الحمد كله ، لا نحصي ثناء عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الإيمان مبني على ست قوائم لا يقوم إلا بها ، وقد سبق في خطبة سالفة الكلام على ذلك وعلى الركن الأول منها .
وحديثنا اليوم على الركن الثاني وهو الإيمان بالملائكة ، ولا يتحقـق الإيمان إلا بالإقرار بوجودهم وبمن علمنا من أسمائهم وبما ورد من صفاتهم وأفعالهم.
قال تعالى{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ} وقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور أركان الإيمان الستة ، وذكر منها الإيمان بالملائكة ، والإيمان بهم من الإيمان بالغيب، والملائكةُ: جَمعُ مَلَكِ، وهم رُسُلُ اللهِ، {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} وكما قال: ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴾، وهُم عالَمٌ غَيبيٌّ خَلقهم اللهُ عز وجل مِن نور كما في صحيح مسلم، لا يأكلون ولا يشربون، قادرون على التمثل بأمثال الأشياء، والتشكل بأشكال جسمانية ، موصوفون بعظم الأجسام والخلق حجَبهم الله تعالى عنا، فلا نراهم في صورهم التي خُلِقوا عليها، ولكن كشَفهم لبعض عباده، كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريلَ على صورته التي خلقه الله عليها مرتين، كما في صحيح مسلم في سؤال عائشة رضي الله عنها النبي عن معنى قوله {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم رأى جِبْرِيلَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وروى أبو داود وجود اسناده ابن كثير من حديث جابر رضي الله عنهما أن رسـول الله قال: {أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العـرش إن ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام}، والملائكة يتفاوتون في الخلق والمقدار فهم ليسوا علـى درجـة واحدة، فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من لـه أربعـة، ومنهم من له ستمائة جناح، موصوفون بالقوة والشدة( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} وقال تعالى في وصف جـبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}وهم خلق كثير لا يعلم عددهـم إلا الله، قـد اختـارهم الله واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره،{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
ومن صفاتهم الحسن والجمال ، قال تعـالى في حق جبريل عليه السلام {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} قال ابن عباس رضي الله عنهما ( ذو مرة: ذو منظر حسن) ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها أنهم كرام أبرار قال تعـالى {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ } ومن صفاتهم الحياء لقول النبي في حق عثمان « أَلاَ أَسْتَحِى مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِى مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ » .
وللملائكة خصائص يجب الإيمان بما دل الدليل عليه منها ، منها أن مساكنهم في السماوات ، يهبطون إلى الأرض تنفيذًا لأمر الله في الخلق وما أسند إليهم من تصريف شؤونهم. قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وعن أبي هريـرة قال: قال رسول الله :{يتعاقبون فيكم ملائكة بـالليل، وملائكـة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ..}، ومن خصائصهم أنهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى) ، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) ( لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }
ومن الإيمان بالملائكة الإيمان بأنهم خلق كثير جدًّا لا
يعلم عددهم إلا الله تعالى،في الصحيحين من حديث أنس في قصة المعراج لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن البيت المعمور فقَالَ( هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ) .
كما تجب محبة الملائكة لإن عداوتهم موجبة لعداوة الله وسخطه، (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ )
ومن الإيمان بالملائكة الإيمان بما دل عليه الدليل من أسماءهم ووظائفهم كجبريل، وميكائيل، وإسـرافيل، كلٌّ منهم مُوَكَّلٌ بما فيه الحياةُ: فجبريلُ: مُوَكَّلٌ بما فيه حياةُ القلوبِ وهو الوَحيُ؛ لأن جبريلَ هو الذي جعله اللهُ تعالى وكيلاً في نزولِ الوحيِ على الرُّسُلِ، وإسرافيلُ: مُوَكَّلٌ بالنَّفخِ في الصُّورِ الذي به حياةُ الأجسادِ عند البعثِ. وأمَّا ميكائيلُ: فهو مُوَكَّلٌ بالقَطْرِ، والنباتِ، وبالقَطْرِ والنباتِ تكونُ حياةُ الأرضِ؛ ولهذا جَمع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بين هؤلاء الملائكةِ في حديثِ استفتاحِ صلاةِ الليلِ، فكان يَستفتحُ صلاةَ الليلِ بقولِه: “اللهم ربَّ جبرائيلَ، وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السمواتِ والأرضِ، عالِمَ الغيبِ والشهادةِ ” ، ونؤمن أن للنار ملكا اسمه (مَالكٌ) لِقولِه تعالى عن أهلِ النارِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} قال الحافظ ابن كثير في البداية: وخازن الجنة ملك يقال له رضوان جاء مصرحا به في بعض الأحاديث ) وفي فتاوى اللجنة الدائمة : أن في ثبوتها نظر ونؤمن بإن للموت ملكا موكل به سماه الله بِـ(مَلَك الموتِ) ولم يرد في القرآن، ولا في الأحاديث الصحيحة تسميته بـ(عزرائيل )، لكن جاء في بعض الآثار (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ )، وغيرهم ممن جاءت النصـوص بتسميتهم ، وكذلك من جاءت النصوص بالإخبار عنه بالوصف: كرقيـب وعتيد ، أو بذكر وظيفته: كملك الجبـال ، ومن الملائكة من هو موكل بالرحم قال صلى الله عليه و سلم كما في صحيح البخاري ( إن الله وكل في الرحم ملكا .. ) أي يتابع أطوار خلقه ويكتب ما قدر له، ومنهم خزنة النار عياذاَ بالله منها ، ومنهم خزنة الجنة ، ومنهم ملائكة سياحون يتبعون مجالس الذكر ، ومنهم الموكلون بفتنة القبر وسؤال العباد في قبورهم ، ومنهم الذين يقفون على أبواب الجوامع في الجمعة يكتبون من جاء إلى الجمعة الأول فالأول إلى أن يدخل الإمام، فإذا دخل الإمام طويت الصحف ، فهل استشعر من يجلس في سيارته حتى دخول الإمام ذلك إن كان مؤمنا بالملائكة حقا
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده، أما بعد:.
إن مما يبني شخصية ابنك إيمانه بالملائكة وعلمه بأنهم عباد صالحون قريبون من أهل الصلاح ، بل ويخصونهم بالصلاة عليهم ، بدعائهم واستغفارهم لهم، (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) فلها تأثير في هدايتنا وتخليصنا من ظلمات المعاصي إلى النور الذي يعني وضوح المنهج والسبيل ، وإيمانه بهذا يعينه على المسابقة للخيرات وسلوك طرقها ومجانبة المعاصي والطرق المؤدية إليها .
كما أن معرفته بعظمة خلقهم دليل على عظمة خالقهم المستدعي للذل والخضوع والخشية له سبحانه .
والإيمان بهم وبالرقيب والعتيد ينمي لدى الابن جانب المراقبة والبعد عن المعصية .
روى الترمذي وصححه الألباني (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير)،وعند أبي داؤد وصححه الألباني (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول ) وفيه أيضا وصححه الألباني(ما من رجل يعود مريضاً ممسياً، إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ) ومثله صباحا حتى يمسي .
لذا كان مؤكدا للوجوب تجنب ما يمنع تلك الرحمات عنك أيها المسلم ، كمثل البعد عما تتأذى منه الملائكة ، وأعظم ما يؤذي الملائكة الذنوب, والمعاصي ولذا فإنَّ الملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى فيها الله تعالى ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة تماثيل) وعند مسلم (لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب أو جرس) ،وروى أبو داؤود وصححه الألباني : (ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ) ، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة، والأقذار والأوساخ وخصوصا عند حضور المساجد ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل الثوم, والبصل,
والكراث، فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما
يتأذى منه بنو آدم)
اللهم إنا نسأك بإيماننا بملائكتك أن تحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وجنبهم الفتن ، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء.
اللهم اجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائرَ بلاد المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك، وتحكيمِ شرعِك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفَظ جنودَنا المُرابِطين على حفظ أمن بلاد الحرمين، واكلأهم برعايتِك، واحفَظهم في أهلِيهم وأولادهم وأموالهم، إنك على كل شيء قدير.
نستغفر الله ونتوب إليه ، لا إله إلا انت سبحانك إنا كنا ظالمين ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثا مغيثا هنيئا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .