التحذير من القتل والزنا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
جاءت الشريعة المطهرة بالتحذير من فتنتين عظيمتين:
أولاهما: فتنة القتل:
يقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ } (33) سورة الإسراء
ويقول سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء
وثانيهما: فتنة الزنا:
قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك : قلت إن ذلك لعظيم ، قلت ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قلت ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك . أي زوجته. متفق عليه
وعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، فأوشك أن يعمّهم الله بعذاب.
وذلك أنّ هاتين الفتنتين، فتنة القتل وفتنة الزنا من أعظم الفتن التي تفسدُ على المرء دينه، وتضعفُ إيمانه، وتنزع عنه صفة الصلاح وكمال الإيمان والاستقامة وديمومة الرغبة في الخير، وتحطُّ به من سموّ الطاعة وسلامة القلب وانشراح الصدر إلى درك القبائح وظلمة الرذائل.
فيهون على مقارف هاتين الموبقتين، استمراء الذنب واعتياد منكره، وتخفُّ عليه وطأته، ويعسرُ عليه الخروج من عاقبته وتبعته، ويتواطأ الناس تبعا لفشو القتل والزنا وكثرة أهلهما على استسهال الفواحش والمنكرات والاستهانة بها، والسّكوت عن غائلتها.
في القتل تخلّق بأخلاق الشياطين، التي تؤزّ صاحبها على البغي والشر والإفساد في الأرض من أجل مقاصد سُفلية، ومطامع شخصية.
وفي الزنا تخلّق بأخلاق البهائم التي لا حدود من الفضائل تحدُّها، ولا أحكام عادلة أو قيم فاضلة توقفها، أو تحكم نوازعها عن أمر تشوّفت إليه، وتطلّعت إلى تحقيقه إذا كانت تظنّ أنّ في ذلك سرورها واغتباطها والتذاذها.
وفي هذا الزمان فتن، هي كقطع الليل المظلم يرقّق بعضها بعضا، فتن تستنظف العرب، وتستأصل جموعهم، وتهتك أمنهم، وتفسد اجتماعهم، وتهلك الأعداد الغفيرة منهم.
ولا جرم أنّ تلك النفوس المعصومة التي تُقتل، والأرواح التي تُباد، والأعراض التي تُتنتهك لا تزن عند اللجان الدولية والمنظمات الإغاثية وهيئات حقوق الإنسان مثقال ذرة أو جناح بعوضة.
أهذا قدرٌ انثال علينا ليس شيء من أمر تسييره وتدبيره والتأثير فيه بأيدينا ؟!
وليس بأمانينا ولا بمقدورنا إيقاف هذا المدّ الهادر، والسيل العارم من شلالات الدماء وأفواج القتلى فضلا عن التخفيف من حدّة هذه الشرور، والحيلولة دون تمدّدها واستشرائها واتّساعها.
فسبحان الله العظيم الذي له العلم التام والحكمة البالغة في جميع أقداره وأقضيته.
هذا القتل الذي أهلك الحرث والنّسل، لك أن تتحدّث عنه من غير حرج، فقد اعتاد الناس مشهد المجازر والدماء والأشلاء، حتى أصبح كالوجبة اليومية الدسمة التي ملأت نفوسنا بالتُخمة، وعبّأت عقولنا بعدم الاكتراث، فأورثت رؤوسا لا يروعها الدم ولا يحرّك ساكنها، ونفوسا باردة لا حياة فيها، وعيونا لا يعني لها منظر الموت شيئا يُذكر.
فأصبحنا أناسا لا يُكدّر خواطرنا ولا يُزعج مشاعرنا القتل، بل تتفنّن شعوب المسلمين والفصائل المتناحرة والطوائف المنتسبة إليهم في طرائق الفتك، وابتداع آلات القتل، ووسائل التدمير.
ومردّ انتشار القتل في الناس، تلك الشُّبه والتأويلات التي علقت بالقلوب، فأركستها في وهدة الهوى، فهوّنت هذا الأمر الذي عظّمت الشريعة خطره، وغلّظت الوعيد على فاعله، وزجرت عن التهاون في شأنه.
أما انتشار الزنا في كثير من بلدان ومجتمعات المسلمين، فهو أمر لا تخطئ خطواته عين، ولا تُصمّ عن سماع إغراءاته أُذن، فقد تيسّرت سُبله، ومُهّدت طرقه، وتهيّأت دواعيه، بهذا الانفتاح الذي لم تشهد البشريّة له مثيلا، والاغترار بالدنيا وزخرفها والتعلق بها ممن لا يخاف الله ولا يرجو يوم لقائه.
وانضاف إلى ذلك ما احتوته برامج المحادثة واشتملت عليه أنظمة الاتصال الحديثة التي دخلت بتقنيتها كل مخدع، واستوطنت كل منزل، وتربّعت في كلّ ناحية، في غفلة من حراسها وحماتها، فأزالت حواجز العفّة، وأسقطت أسوار الفضيلة، ودكّت حصون الغيرة واقتحمت قلاعها في قلوب كثير من الخلق إلا من رحم الله !
ومردّ الوقوع في فاحشة الزنا إلى الشهوة التي أعمت صاحبها، وأسكرته بلذتها، وأغرته بمباشرتها، وأوقعته في حبائلها، فهوّنت عليه أمر الوقوع في المحذور، وسهّلت عليه ارتياد الفواحش، وغشيان المنكرات.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، واحفظ أمنهم، واجعل لهم من أمرهم رشدا.
كتبه محمد بن علي الجوني
السبت 1435/5/28