التعدُّديَّة، والسكوت عن منكر العقائد: طريقَا فرقةٍ لا اجتماع!
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان من بعَثَ رسولَه محمدا صلى الله عليه وسلم، وفرَّق به بين الحقِّ وأهله والباطل وأهله، وجمع من آمنَ به على التوحيد، فتمَّ بدرُ الدِّين بتمام رسالة هذا النبي البشير النذير –عليه الصلاة والسلام-، ولكن ليس بعد التمام إلا النقص، فقد بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء!
أما بعد؛ فإنَّ نبينا الكريم لم يقصِّر في بيان سبيل الحق والتحذير من سبل الضلال، وقد بيَّن أن المسلمين سيفترقون على سبلٍ كثيرة كلها في النار إلا واحدة، وهي التي على ما كان عليه –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام –رضي الله عنه-، ولقد خرج –وما زال يخرج- أقوامٌ في عهد الصحابة: قد اخترعوا في الدين ما ليس فيه، ففارقوا بذلك جماعةَ المسلمين، فما قصَّر الصحابةُ وأتباع الصحابة في التحذير من «مفارِقِي الحق وأهله»؛ حمايةً للدين من التحريف، وحفاظا على بقيةِ جماعة المسلمين من الفرقة، ولعلمهم بأنَّ «الاختراع في الدين» منكرٌ يجبُ إنكارُه، وضلالة قائدٌة إلى النار، وأهواءٌ مفرِّقةٌ للجماعة.
و«الفرقةُ» شرٌّ وعذاب، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بعض} [الأنعام:65]
قال الطرطوشي –في كتاب الحوادث والبدع-: قال ابن عباس: «قوله: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} هي الأهواءُ المختلفة». [كتاب الحوادث: 86، ط: دار الغرب الإسلامي].
والاجتماعُ الحق ما كان على الحق، وهو اجتماع أهل السنَّة المتَّبِعين.
ولقد بُلينا في هذه الأزمان بأقوام يريدون أن يعالجوا الاختلاف بتسويغ الاختلاف! وأن يُسَوُّوا بين الحق والباطل، أو أن يداهنوا أهل الأهواء حفاظًا على الاجتماع المزعوم؛ فخالفوا بفعلهم نهجَ السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم؛ فهم –أي السلف وأتباعهم-: يتحابون في «الدين» ويتباغضون فيه، ويجانبون أهلَ البدعِ ويحذِّرون منهم –ديانةً لا جهالة-. [انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني: 298].
أما من اختلَّ ميزان تمييزه؛ فـ(يخترع) القواعد والنَّظريَّات؛ حمايةً لأهل الأهواء، وذبًّا عن سُبُلِهِم المعوجَّة –شَعَرَ أم لم يَشْعر!-، وحين تأتيه بأقوال السلف وترشده إلى الأصول ذاتِ البراهين: يفرِّ من «محكم» الدلائل إلى «متشابه» الأقوال! ويستوحشُ مما دلَّت عليه البراهين، ويتغشَّى بنظريَّاتٍ عصريَّة نصرَتْها الأهواء لا الأدلة!
وإن تعجب فعجبٌ جعل بعضِهم –مع نشأتهم في بلاد التوحيد ومنبع الرسالة!- تلك النظريَّات من مسلَّماتِ الأقوال، وشكِّهم وتشككيهم في طريقة المتبعين.
فصاروا بتخليطهم هذا: محاميمن عن أهل البدعة، جائرين على إخوانٍ لهم قاموا بوظيفة حماية السنَّة!
وتاركين لواجب «حماية السنَّة»، ومخذِّلين من قام بها!
ومنكرين لمنهج تصنيف أصحاب الأهواء بنسبتهم إلى أهوائهم وتمييزهم عن أهل السنَّة (وهو منهج سلفي)، ونابزين للقائمين بالوظيفة المحمودة بألقابِ من سوء!
فانكسر الميزان بمعول القول في دين الله؛ بلا علم، وعند الله تجتمع الخصوم.
ورحمَ الله من قال: «أصبحَ من إذا عرف السنَّةَ عرفها غريبًا، وأغرب منه من يعرفها».
ناصر بن عبدالله الخزيم
ليلة: 2 / 12 / 1427هـ.