بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد ….
فمع قرب يوم عرفة يكثر الكلام عن مسألة ( التعريف بالامصار ) يوم عرفة لغير الحاج
فأقول – وبالله التوفيق –
التعريف بالامصار هو : اجتماع الناس في عصر يوم عرفة بالمساجد في غير عرفة – لغير الحاج –
هذا هو المراد بالتعريف .
مسائل تتعلق بالتعريف :
المسألة الأولى :
لبس الإحرام في عصر يوم عرفة في الامصار مشابهة للحجاج ، وهذا لا دليل علية ؛ بل هو بدعة.
المسألة الثانية :
نسبة أن أول من عرف بالامصار عبدالله بن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهما
فقد خرج ابن أبي شيبة(المصنف-292/8) عن الحسن أن ابن عباس عرّف بمسجد البصرة
وأنه أول من عرف به
وخرج كذلك ابن أبي شيبة(المصنف-283/8) عن موسى بن أبي عائشة أن عمرو بن حريث أنه عرّف يوم عرفة.
وهذا الأثران عن ابن عباس وعمرو بن حريث تنازع العلماء مابين مصحح لهما ومضعف
وعلى فرض صحتهما فإن ما قاما به ذلك الصحابيان جاء وفاقا لا قصدا؛ ولم ينقل عنهما المداومة عليه.
وبعد هذا
تنازع العلماء في التعريف على قولين :
القول الأول :
أنه محدث : ذهب إلى هذا القول مالك و أبو حنيفة وابراهيم النخعي وجماعة من التابعين .
القول الثاني :
أنه لا بأس به : ومن قال بذلك الامام أحمد ؛ فقد قال لا بأس به ، قد فعله بعض الناس ؛ وقيل له في رواية : أتفعله ؟ قال : لا .
والإمام أحمد يصحح أثر الحسن عن ابن عباس.
والصواب – والله أعلم –
أن التعريف لا يشرع ، لأمرين :
الأمر الأول : أنه لا دليل عليه
الأمر الثاني: أن المروي عنهما – ابن عباس وعمرو بن حريث – فإنه يحمل على أنهما فعلاه عرضاً لا تقصداً ؛ لذا لم ينقل أنهما استمرا عليه .
وإلى هذا ذهب أبو شامة كما في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث
فقد ذكر أن التعريف محدث .
ونقل أبو شامة كما في كتابه السابق عن الطرطوشي أنه قال :
فاعلموا رحمكم الله أن هؤلاء الائمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة ، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة لا في غيرها ، ولا منعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى ، وإنما كرهوا الحوادث في الدين …… إلى آخره.
(الباعث على إنكار البدع والحوادث)
وقال ابن تيمية-رحمه الله-
فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه، ففعله ابن عباس، وعمرو بن حريث من الصحابة وطائفة من البصريين والمدنيين ورخص فيه أحمد، وإن كان مع ذلك لا يستحبه هذا هو المشهور عنه .
وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين: كإبراهيم النخعي وأبي حنيفة ومالك، وغيرهم.
ومن كرهه قال: هو من البدع، فيندرج في العموم لفظا ومعنى.
ومن رخص فيه قال: فعله ابن عباس بالبصرة حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولم ينكر عليه، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة.
لكن ما يزاد على ذلك من رفع الأصوات الرفع الشديد في المساجد بالدعاء، وأنواع من الخطب والأشعار الباطلة مكروه في هذا اليوم وغيره.
ثم قال :
والفرق بين هذا التعريف المختلف فيه وتلك التعريفات التي لم يختلف فيها: أن في تلك قصد بقعة بعينها للتعريف فيها: كقبر الصالح، أو كالمسجد الأقصى، وهذا تشبيه بعرفات، بخلاف مسجد المصر، فإنه قصد له بنوعه
لا بعينه، ونوع المساجد مما شرع قصدها، فإن الآتي إلى المسجد ليس قصده مكانا معينا لا يتبدل اسمه وحكمه، وإنما الغرض بيت من بيوت الله، بحيث لو حول ذلك المسجد لتحول حكمه، ولهذا لا تتعلق القلوب إلا بنوع المسجد لا بخصوصه.
وأيضًا، فإن شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه، مثل الحج، بخلاف المصر، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» . هذا مما لا أعلم فيه خلافا. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة، ومعلوم أن إتيان الرجل مسجد مصره: إما واجب كالجمعة، وإما مستحب كالاعتكاف به.
وأيضا فإن التعريف عند القبر اتخاذ له عيدا، وهذا بنفسه محرم، سواء كان فيه شد للرحل، أو لم يكن، وسواء كان في يوم عرفة أو في غيره، وهو من الأعياد المكانية مع الزمانية.
الاقتضاء (150-2/154)
تنبيه :
ينتشر في ليلة أو يوم عرفة رسائل في وسائل التواصل الاجتماعي لعمل جدول ليوم عرفة ؛ مثل أن يقال بعد الفجر ادع الله وبعده اقرأ قرآن ثم تصدق إلخ
وهذه العبادات بهذا الفعل ونحوه لم يفعله السلف ولو كان خيرا لنقل عنهم ذلك؛ فلما لم ينقل كان من البدع المحدثة-والله أعلم-
والمستحب في يوم عرفة الصيام والدعاء وفعل الأعمال الصالحة بغير ترتيب مقصود.
وكتبه : سالم العباسي
8/ 12 / 1445 هجري