إن من الصفات الحميدة، التي تبعث على الرضا والأمل، وتُدخِل الفرحَ والسرورَ على القلب؛ وتثمر حُسْن ظَنٍّ بالله -تعالى-، وكمال توكُّل عليه، هي صفة التفاؤل، وتوقُّع الخير في المستقبل، مهما اشتدت الأزماتُ، وتأزمت الكربات.
إن المتفائل راضي عن الله، مؤمن بقضائه وقدره، يُحسن الظنَّ بتدبيره وحكمه، مهما كان قضاؤه قال الله فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا وقال ل سبحانه وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 216]
وقال سيحانه ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
عباد الله إن الأنبياء والمرسلين أعظم الناس تفاؤلا وأقواهم بربهم ثقة، في دعوتهم وجهادهم وعبادتهم وجميع شئونهم ، فهذا نوح -عليه السلام- لَبِثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، كل ذلك لم ييأس فيها من دعوتهم واستجابتهم، وهذا يعقوب -عليه السلام- بعد تباعد السنين والأعوام في فقد ابنه يوسف، كان فيقول( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يُوسُفَ: 87]،
وقد كان نبينا أجملَ الناس صبرا، وأحسنهم تفاؤلا وأمَلا،
ففي (صحيح البخاري) قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، حين رآه مترددا في الدخول في الإسلام، قال: “يا عديُّ، هل رأيتَ الحِيرةَ؟ قلتُ: لم أرها وقد أنبئتُ عنها، قال: فإن طالت بك حياةٌ لَتَرَيَنَّ الظعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله، ولئن طالَتْ بكَ حياةٌ لتُفتحن كنوزُ كسرى، قلتُ: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لتريَنَّ الرجلَ يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب مَنْ يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، قال عدي -رضي الله عنه- وأرضاه: فرأيتُ الظعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا اللهَ، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ لَتَرَوُنَّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم”.
إن التيمن والتفاؤل وتأميل الخير وصلاح الأمر من حُسْن الظن بالله -تعالى-، والثقة به -جل وعلا-، وهو دافع للعمل، ولإحسانه وإتقانه؛ لقد كان النبي يحب التفاؤل وجعله منهجا في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وربَّى عليه صحابتَه الكرامَ، ورسَّخ ذلك بقوله وفعله، فكان إذا سمع اسمًا حسنًا أو كلمة طيبة، انشرح صدرُه، واستبشَر بما هو عازمٌ عليه تفاؤلًا وأملًا، وحُسْنَ ظنٍّ بالله -تعالى-، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ متفق عليه
وعنه -رضي الله عنه-: “أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع: يا راشد، يا نجيح”(رواه الترمذي، بسند صحيح
أخي المسلم كن دائم التفاؤل وإياك والقنوط وإن اشتد البلاء وكثر الأعداء وتكرر الفشل وصعب الأمر وادلهم الخطب وكثرة الفتن وانتشرت الأكاذيب وتفاقمت الإحن والمحن فإن الله جاعل لكي شيء قدرا ولكل عسر يسرا
الخطبة الثانية
التفاؤل يكون في جميع جوانب الحياة فكن يا عبد الله متفائلا في كل شأنك كن متفائلا في صلاح نفسك وتقويمها مهما صعب عليك الأمر في التزامك وانقيادك للطاعات وترك المعاصي تفاءل وستنقاد لك نفسك تفاءل في حفظك للقرآن وطلب العلم تفاءل في تربية ابنا) ك وصلاح اسرتك تفاىل في تحقيق اهدافك تفاءل في دعوتك
كن متفائلا في نظرتك للناس وفي دعوتهم فقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن.. جةالنظرة المتشائمة حيالهم وكان يقول، إذا قال الرجل: “هلَك الناسُ، فهو أَهْلَكُهُمْ”(رواه مسلم في صحيحه)؛ أي: هو أشدُّهم هلاكا؛ بسبب يأسه وقنوطه وتشاؤمه، واحتقاره للناس وازدرائهم، والعُجْب بنفسه وتفضيلها عليهم.
كن متفائلا حيال واقعك فالله يبتلي العباد بالسراء تارة وبالضراء تارة فينظر إلى أعمالهم في كل حال قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) فيحاسب كلا على اجتهاده وتقصيره
وإن رأيت تكالب الأعداء على بلادنا المباركة وبلاد المسلمين فاعلم أنها معركة ضد الاسلام فكن متفائلا بنصر الله وتأييده (هو الذي أرسل رسوله بدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون) عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر))