( التنبيه إلى وجوب التصدي للأفكار المحدثة )
قابلت عددا من طلبة العلم والمشتغلين به يتفاخرون بأنهم لا يعنيهم أمر المذاهب الفكريّة الحادثة ولا يشغلهم شأنها ولا يهمّهم أمرها، ويظنّ أحدهم أنّ ذلك دليل على اتّباعه وتسنّنه وعلامة على بعده عن الأهواء واجتنابه لرجسها.
وأنا لا أدري من أين تسلّلت هذه الأفكار إلى رؤوسهم، وكيف اختلطت بأدمغتهم وعقولهم، ألا يعلمون أنّ أصحاب الأفكار العصريّة الحادثة يمارسون قصفا إعلاميّا، وهجوما عنيفا ممنهجا، ونسفا لا مهادنة فيه ولا مصالحة معه هدفه الإطاحة بالدين، وإسقاط رموزه وتوهين دعائمه وتغيير حقائقه ومبانيه.
لما عصفت موجة الإلحاد في القرن الماضي بالمجتمعات الإسلامية كتب العلامة ابن سعدي رحمه الله كتابه (الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين)، سرد فيه حججا متنوّعه وأصولا بديعه في ردّ مقالتهم ودفع فريتهم.
وكذلك الإمام ابن باز لما ظهرت القوميّة العربيّة وكثر أنصارها وتداعى الشباب إليها كتب كتابا في نقدها وإظهار عوارها وكشف خبيئتها.
وكذلك العلامة ابن عثيمين كان له القدح المعلى في هذا الشّأن فكتب كتابا نافعا في التحذير من الاشتراكية أورد فيه أكثر من سبعين وجها في تبيين زيف دعواها وضلال مسعاها.
بطبيعة الحال، لا يحسُن بمن ليس له دراية بحقيقة هذه المناهج والأفكار أن ينبري لردّها وإبطالها، فالحماسة وحدها لا تكفي، والغيرة على الدين والحرمات والمقدّسات لا تعني انتصار منهاج صاحبها ما لم يتسلّح بالعلم الشّرعيّ المؤصّل ويلبس للحرب لامتها بفهم عميق لهذه الدعاوى ومعرفة واسعة بأصولها وبراهينها.
فهذه ليست دعوة مفتوحة لمواجهة هذه الأفكار لمن لم يتأهّل لذلك، فإنّ الشبه خطّافه والقلوب ضعيفة، والثّبات عزيز.
لكنّ في هذه الكلمات اليسيرات التنبيه إلى خطورة هذه التيّارات والأفكار، ووجوب أن تنبري ثلّة من أهل العلم الفاقهين لمواجهتها ومنازلة دعاتها حفظا لحوزة الدين وذبّا عن حياضه.
محمد الجوني 9 / 1 / 1434 هـ