إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله:

يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون…..       أما بعد..

فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم  وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة…

عباد الله : عن أبي سَعيد الخدريِّ – رضي الله عنه – : أنّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً ، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ . فقال : إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ ؟ فقالَ : لا ، فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ . فقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فقالَ : نَعَمْ ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ ، ولاَ تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ . فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً ، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى ، وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ : إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ- أيْ حَكَماً – فقالَ : قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ )) مُتَّفَقٌ عليه .

وفي رواية في الصحيح : (( فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي ، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وقَالَ : قِيسُوا مَا بيْنَهُما ، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ )) .

فتأملوا وتدبروا يا عباد الله عظم الجرم الذي ارتكبه هذا الرجل، لم يقتل نفسا واحدة ولا نفسين بل قتل مائة نفس، وقتْلُ النفس التي حرم الله من أكبر الذنوب التي يبغضها الله جل في علاه، ولكن مع عظم الجرم، لما جاء إلى ربه تائبا نادما مستغفرا، قَبِلَ ربه الرحيم التواب توبته، وأكرم نزله، وحرك أرضا كاملة من أجله، فأوحى إلى أرض أهل الصلاح أن اقتربي منه، وأوحى إلى أرض أهل الشر أن ابتعدي عنه، وأنزل ملائكة الرحمة ليكرموه، كل هذا من أجل ماذا؟؟ كل هذا من أجل توبة رجل أسرف على نفسه بالذنوب ولم يعمل خيرا قط !! لم يعمل خيرا قط !!  ولكنه أقبل على ربه بتوبة صادقة قبل الموت، فقبل ربه توبته وأكرمه .

فهنيئا لمن تدارك نفسه بتوبة صادقة، وندم على ما فات من الذنوب والمعاصي .

أيها المؤمنون : يقول ربنا جل في علاه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[ النور : 31 ] ، وَقالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا }[ التحريم : 8 ].

عباد الله : إن من فضل الله على عباده ورحمته بهم أنه يفرح بتوبة عبده، يفرح بأن العبد رجع إلى رشده، وأناب إلى خالقه، ولم ولو يكن في فضل التوبة سوى هذا لكفى، فما أعظم قدر التائب عند الله !! فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم -:( للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ )) متفق عليه واللفظ لمسلم .

تأملوا يا عباد الله فضل ربنا الكريم ، تأملوا في عظم فرح هذا الرجل الذي شارف على الموت والهلاك، فوجد الحياة والنجاة بعد أن رأى الموت، فمن شدة فرحه أراد شكر ربه فأخطأ وقال عكس ما أراد، ما أعظم فرحه وسروره، والله عزوجل أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب إلى ربه، فما أعظم قدر التائب عند ربه!

أيها المؤمنون :

وإن من فضل الله على التائبين أنه لا يغفر ذنوبهم فحسب!! بل يبدل سيئاتهم حسنات!!

فما أعظم فضل التواب الرحيم، وما أشد خسران من أخر التوبة !! يقول ربنا -جل في علاه- بعد ذكره لوعيد من فعل أعظم الذنوب: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) .

فاللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا ومن له حق علينا، وتب علينا إنك أن الغفور التواب الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله التواب الرحيم، الغفور الرحمن الكريم ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد :

عباد الله : استغفروا ربكم وتوبوا إليه، فإننا فقراء إلى عفو ربنا، وكلنا محتاج إلى توبة صادقة، ومتى ظن العبد أنه صالح لا يحتاج إلى توبة وإنابة فليعلم أن الشيطان قد زين له سوء عمله، فهذا رسولنا يتوب إلى ربه مائة مرة في اليوم، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر!!! فكيف حاجتنا نحن إلى التوبة؟!!  فعن الأَغَرِّ المزنِيِّ – رضي الله عنه – ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ )) رواه مسلم .

أيها المؤمنون :

إن للتوبة الصادقة شروطا من أهمها : أن يقلع العبد عن الذنب لا أن يصر عليه، وأن يندم على ما فعله من الذنوب، عازما على عدم العودة إليها، وأن يرد الحقوق إلى أهلها إن وُجد ذلك.

وعلى العبد إذا عاد إلى الذنب أن يجدد التوبة إلى ربه، ولا ييأس من رحمة ربه، ولا يستسلم للشيطان الرجيم، فعن ابي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : (( أذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ الله تَبَاركَ وَتَعَالَى : أذنَبَ عبدي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ ، فَقَالَ : أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبي ، فَقَالَ تبارك وتعالى : أذنَبَ عبدِي ذَنباً، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

وقوله تَعَالَى : (( فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ )) أيْ : مَا دَامَ يتوب ويندم ويرجع إلى ربه، ولا يرضى بالذنب بل يندم عليه، فيتوب ويكرر التوبة، ولا يستسلم للشيطان الرجيم .

فالله الله عباد الله بالتوبة الصادقة قبل أن يأتي أحدنا الموت فيقول كما وصف ربنا حال المفرطين، حيث يقول من فرط: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } : وقال جل في علاه { و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}

اللهم امنن علينا بتوبة صادقة، واجعلنا من التوابين المستغفرين، اللهم تب علينا وعلى والدينا وأزواجنا وذرياتنا ومن له حق علينا، واغفر لنا إنك أنت الغفور التواب الرحيم .

اللهم واهدننا وسددنا وأصلحنا وأصلح بنا

اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، واخذل أعداء الدين في كل مكان

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا، واحفظ بلادنا المملكة العربية السعودية وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه .

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وفي الثغور .

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لكل خير، وانصر بهم الإسلام وأهله، وجميع ولاة أمور المسلمين .

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا . اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار .

اللهم لك الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين …

كتبه

د. ماهر بن عبدالرحيم خوجة

عضو هيئة التدريس في

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

@maher_khujah