إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أيها المسلمون لقد أصبح الناس في زمان لا يتحاشا أحدهم من اكتساب المال الحرام وتحصيله من أي طريق وعبر أي وسيلة، إذ ليس لهم همٌّ إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات، فالحلال في عرفهم ما قدروا عليه ، يسلكون في طلبه مسالك معوجَّة وسبلاً مشبوهة، بل وقد لا يكترثون من المجاهرة بالمكاسب الخبيثة والاستيلاء على الأموال المحرمة التي لا شبهة في تحريمها فكأني بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلـم ( يأتي على الناس زمان لايبالي المرء ماأخذ منه أمن الحلال أم من الحرام ) ( البخاري ) وإن من العجب أن يحتمي بعض الناس من الحلال مخافة المرض ولا يحتمون من الحرام مخافة النار .
أيها المسلمون واعلموا أن لأكل المال الحرام آثاراً منها :
أن أكل المال الحرامِ سبب لإستحقاق النار جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا كعبَ بنَ عُجرةَ، إنه لا يربُو ـ أي لا ينمو ـ لحمٌ نبت من سُحت إلا كانت النارُ أولى به))
ومن آثار أكل الحرام خذلانُ الله لآكله فلا يستجيب دعاءه مهما توفرت أسباب الاستجابة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) [المؤمنون:51]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة:172])) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذّي بالحرام: ((فأنّى يستجاب له)).
ومن آثار أكل الحرام أن العبد لا تقبل منه الطاعة قال صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبال تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا ثم يقذف بهم في النار . قيل يا رسول الله كيف ذلك ؟ قال كانوا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم ).
قال ابن أسباط : إذا تعبد الشاب قال الشيطان لأعوانه : انظروا من أين مطعمه ، فإن كان مطعمه مطعم سوء يقول دعوه يتعب ويجتهد فقد كفاكم نفسه أي لأن اجتهاده مع أكله الحرام لا ينفعه .
وقال سفيان الثوري : من أنفق الحرام في الطاعة فهو كمن طهر الثوب بالبول .
ومن آثار المال الحرام أن المتصدق من الحرام لا أجر له بل يأثم على صدقته لقول النبي عليه الصلاة والسلام : : ( من جمع مالا حراما ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه).
ومن أثار أكل الحرام أن العبد لا يقوى على الطاعة ، يقول أحد السلف: من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أم لم يعلم.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين والصلاة ولا عدوان إلا على الظالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين .
أيها المسلمون ومن أخطر صور أكل المال الحرام التي تنتشر في بعض المجتمعات وتهدد الأمن الإقتصادي والإجتماعي ، الاعتداء على المال العام ، وأخذ التعدي عليه صورًا شتى منها: السرِقات، والاختلاسات، والرّشوة، والغلول، وخيانة الأمانة ، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم (إنَّ رجالاً يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامة) (البخاري) .
والواجب على المجتمع الحفاظ على المال العام من التبديد والتفريط وصيانته عن التعدي ، ويتحقق ذلك بأداء الأمانة من القائمين عليه ، وبالتبليغ عن كل متعد على المال العام .
أيها المسلمون إن المال الحرام سبب لضعف الديانة، وعمي البصيرة، و محق البركة من الأرزاق، وسبب لحلول المصائب والنكبات ، وسبب لإنتشار الشحناء والعداء والبغضاء بين الناس ، وكل عاقل كيس لا يرغب في مثل هذه العواقب والنتائج .
فالحذر من المال الحرام بجميع صوره وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم (يا كعبُ، لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ؛ إلاَّ كانت النار أوْلى به)