أيها المسلمون قد آن الأوان لازالة الأقنعة عن أسماء كثيرة، أسماء لا يقبل المريدون المساس بها، بحجة الاثارة والشهرة، ونيل اعجاب الناس، ومتى كان الاعجاب والاثارة والشهرة معياراً لتّمَيُّز الحق عن الباطل، فقد حكم عليها بالبطلان، بنص القرآن، قال الله تعالى: {وَانْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[الروم:30]، ان من أكبر ما تعانيه الأمة في كل عصر ومصر، كثرة المتعالمين، وانخداع بعض الناس بأسماء قامت على تشويه الاسلام واضاعة الدين، وتصدّر زمرة من المتحدثين نيابة عن رب العالمين باسم الأمة، ونصبوا أنفسهم لتقرير المصالح والمهم من الأمور التي تنفع العباد وتنهض بالبلاد.
وسيأتي النقض والبطلان على كثير من الأقوال والمقالات التي كانت قواعد وأصولا، ألبسوها ثوب قداسة تجعل السامع والقارئ يسلم لها، بلا نقد أو تحرير وتغيير، على الرغم من ما تحمل من سم الاستخفاف بالدين والتلبيس على المسلمين، وقد مكث الناس زمناً، كان لهذه الأسماء والقواعد الزائفة رواج، فسرقت الأنظار وَبُهِر بها بعض الناس بسبب جهل الطرفين، المتكلم والسامع أو الكاتب والمتلقي.
ما الشريعة الملغاة؟!
وقبل الدخول في الموضوع أريد ان أنبه بالتوثيق على مفهوم الشريعة التي أصبح كثير من الأفكار المحدثة والأقوال المبتدعة تنافسها أو تُقَدّم عليها، ونشكو أمرنا الى الله، أيعقل ان بعض الألفاظ والمعاني المبتدعة أصبحت تتقدم أو تضاهي ما أنزل الله في الكتاب والسنة.
أولا: ما الشريعة الملغاة – واحسانا للظن الغاء مرحلة – التي لا يقيموا لها وزنا، ولم تك ذات أهمية حسْب فهمهم واختيارهم.لقد روى البخاري (4777)، ومسلم (5/9) في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس، فأتاه رجل، فقال: يا رسول الله! ما الايمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر»، قال يا رسول الله ما الاسلام؟ قال: «الاسلام ان تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان»، قال يا رسول الله ما الاحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فانك ألا تراه فإنه يراك»، قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها، اذا ولدت الأمةّ ربها، فذاك من أشراطها، واذا كانت العراة الحفاة، رؤوس الناس، فذاك من أشراطها، واذا تطاول رعاء البَهْم في البنيان، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن الا الله، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: (انَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ان اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 34]، قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ردوا على الرجل»، فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم».
قال الصحابي: (والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا)، فلن يزيد قاعدة [الحرية قبل الشريعة] وبدعا ومحدثات في الدين ولا اختراع حريات لا تقر بالشرع والدين ودليله ما رواه البخاري (1397) ومسلم (15/14) في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل اذا عملته دخلت الجنة قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان»، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره ان ينظر الى رجل من أهل الجنة، فلينظر الى هذا».وقال الله تعالى: {ان الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الاسْلاَمُ}[ال عمران:19]، وقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا}[الفتح: 28].فمن ذا الذي لا يريد ما قاله الله في كتابه وبينه نبيه قولا وفعلا، هل يريدون خروجاً عن دين الاسلام وشرائعه؟ ولماذا هذه الدعوة؟! قال الدكتور القرضاوي وفقه الله في [قناة الجزيرة مباشر]: لاعلاج لهذه الأمة الا بالحرية، أنا قلت في بعض برامجي: (أنا أقدم الحرية على تطبيق الشريعة الاسلامية، لا يمكن تطبيق الشريعة الاسلامية والحرية مفقودة، نريد ان نعطي الناس الحرية)..اهـ وقال الدكتور طارق سويدان سدده الله في [صحيفة القبس عدد 13954تاريخ2012/4/5]: ان الحرية عندي تأتي قبل الشريعة.ا.ه وهذا الكلام الذي صدر من د.يوسف القرضاوي ود.طارق سويدان وفقهما الله لما يحبه ويرضاه، كلام خطير صادر من مسلمين، فلا أقول: انها وجهة نظر! ولا أقول: كلام عليه ملاحظات، بل أقول: ان هذا القول باطل من أصله، بطلان واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.
أسباب النقض والبطلان:
أولا: الفهم السقيم لدين الله، ذلكم الدين الحق، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}[البقرة: 176]، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}، أي: انما استحقوا هذا العذاب الشديد، لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الأنبياء قبله كتبه، بتحقيق الحق وابطال الباطل.ا.هـ
وأقول: ان الحق الذي في كتاب الله وسنة نبيه فيه من الخير للناس ما لا تستطيع العقول ادراكه وحصره، فكيف بالاستخفاف والتنقص؟! فهل أنتم منتهون؟! وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ } [النساء:170]، اعلموا عباد الله ان معرفة الحق قد حصرت في كتاب الله وسنة نبيه، فالحق ليس هوى ورأياً وفكرة تتبع، قال تعالى: {انْ هُوَ الاَّ وَحْيٌ يُوحَى }[النجم:4]، فلا يعرف الحق من قبل الدكتور يوسف القرضاوي ولا الدكتور طارق سويدان أو غيرهما، قال تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48]، وقال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}، وأتبعها بالعلاج، فقال:{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:71]، قال ابن سعدي في تفسيره: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بذكرهم﴾، أي بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير، الذي به فخرهم وشرفهم حين يقومون به، ويكونون به سادة الناس، ﴿فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾، شقاوة منهم وعدم توفيق ﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾، ﴿نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾، فالقرآن ومن جاء به أعظم نعمة ساقها الله اليهم، فلم يقابلوها الا بالرد والاعراض، فهل بعد هذا الحرمان حرمان؟ وهل يكون وراءه الا نهاية الخسران؟
ثانيا: هل الشريعة جاءت رحمة للعالمين، أم ليست برحمة، فان كانت ليست برحمة للناس فهذا كفر صريح وقائله لا يُشك في كفره، وان كانت رحمة للعالمين، فلم تأخير ما أنزله الله هدى وشفاء ورحمة للعالمين، كما بين ربنا سبحانه وتعالى ان ارساله للرسل للنفع والتوجيه لكل خير، وبيان الشر وأهله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ الاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء:170]، ولذلك فلا قيمة لتسويق كل المفاهيم المخالفة لشريعة الله، مهما زُيّنت وزخرفت وغلفت بأسماء خادعة.فهل أنتم منتهون؟!
ثالثاً: المصادمة الصريحة لمراد لله وأمره للعباد على اختلاف الزمان والبلدان والبيئات ودون نظر الى الألوان وما بينهم من تفاوت وتفاضل وطبقات، الأعجمي والعربي والأحمر والأبيض والأسود، فان أول خطوات الناس هي بتوحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، عبيدا وأسيادا، ومملوكاً وملوكاً، كلهم يجب ان يأتي بالشهادتين وبالتوحيد أولا، وأولا، وأولا، وقبل كل رأي وهوى مقدماً على كل مطلب أو مسلك بشري ونظر انساني.
والبراهين والحجج نعرضها كما بينها الله على نوعين: النوع الأول: أدلة العامة بأن التوحيد مطلب وواجب أول وأصيل، ودعوة للرسل كافة: لقد كان التوحيد أول دعوة الرسل والمطلب الاسمى للتغيير من حال الى حال، قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ الاَّ نُوحِى اليْهِ أَنَّهُ لا الهَ الاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 25]، وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً ان اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾[النحل: 36]، وقال: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالهَةً يُعْبَدُونَ}[الزخرف: 45].
النوع الثاني: الأدلة الخاصة بأن التوحيد أول كلمة وخطاب يبدأُ به ويبلغه كل رسول الى قومه ويدعوهم اليه.
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا الَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ الَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: 59]، وقال: {وَالَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ الَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}[الأعراف:65]، وقال: {وَالَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ الَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:73]، وقال: {وَالَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ الَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85].
رابعاً: مناقضته لدعوة سيد الأنبياء والمرسلين:
-1 ان الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور طارق سويدان وفقهما الله الى الحق، يباشران الدعوة الى مبادئ وأفكار محدثة تنقض أصل الايمان بالله، فدعوة الناس لمقولة: [الحرية قبل الشريعة!!] جعل [فكرة الحرية المحدثة] أول واجب على العباد، وهي دعوة لغير الاسلام، وأذكركم بماذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، بأن تبدأ دعوة الناس اليه، لقد أمر ان تكون البداية الى الشريعة وتوحيد الله، قال: «أمرت ان أقاتل الناس حتى»، حتى ماذا؟! حتى يتحرروا من الشريعة؟! أو حتى يؤمنوا بأن الحرية قبل الشريعة، أم حتى يخرجوا من الكفر الى شريعة الاسلام! والحق الذي يجب ان يؤمن به طلاب الحق والباحثون عنه، قد رواه البخاري (25)، ومسلم (36/22) في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فاذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، الا بحق الاسلام، وحسابهم على الله».
-2 أين دعاة التوحيد وحراس الشريعة؟! «فليكن أول ما تدعوهم اليه ان يوحدوا الله» وسأُذَكّركم بدعوة معاذ بن جبل وأبِي موسى الأشعري رضي الله عنهما عندما أُرسلا الى اليمن، فهل بدآ دعوتهما الى [فكرة الحرية المحدثة]، أم قاما بدعوة الناس الى الشريعة ودين الاسلام؟! فقد روى البخاري (1458)، ومسلم (19) في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَما بعث معاذا رضي الله عنه الى اليمن قال: «انك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم اليه (1): «عبادة الله» – (2) وفي رواية: «أن يوحدوا الله»، (3) وفي رواية: «ادعهم الى شهادة ألا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله»-، فاذا أطاعوا لذلك، فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فاذا فعلوا، فأخبرهم ان الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فاذا أطاعوا بِها، فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس».
-3 ان الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الشعوب والقبائل في مكة والطائف وغيرهما الى التوحيد وأبا جهل دعا الى الكفر وحرية الاعتقاد، فهل أنتم منتهون!! روى أحمد في المسند (63/4) باسناد صحيح من طريق أشعث المحاربي قال حدثني شيخ من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها، يقول: «يا أيها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا»، قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب، ويقول: يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم، وتتركوا اللات والعزى، قال: وما يلتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسال الله لي ولكم التوفيق والثبات على الحق والحمد لله رب العالمين.
يتبع
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي
|