الخارجي كل من كفر بغير مكفر، ومنهم النجدات


الخارجي كل من كفر بغير مكفر، ومنهم النجدات

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فإن الخوارج مبتدعةٌ ضلال، وتنازع العلماء في تكفيرهم، مع إجماع الصحابة أنهم ليسوا كفارًا، كما قرره ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى) ([1]) .

والخارجي: من كفَّر بغير مكفر بتأويل غير سائغ، كما يستفاد من مجموع كلام طائفة من أهل العلم، كابن قدامة ([2])،والنووي ([3]) وابن تيمية ([4])، والزركشي الحنبلي ([5]).

وانظر للاستزادة كتابي: (براءة دعوة الإمام المجدد من الخوارج داعش والنصرة نموذجًا) ([6]).

وليس من شرطه أن يخرج على السلطان، وفي كلام بعض أهل العلم إطلاق الخارجي على مجرد الخروج على السلطان، ويحتمل أنهم أطلقوا ذلك لأن الغالب على المُكفِر بلا مكفر يخرجون على السلطان، أو لأنه الذي اشتهروا به، أو أن هذا العالم اختار أن الخارجي كل من خرج على السلطان ولو لم يكفر، فيكون قوله مرجوحًا؛ لأن الأدلة أوضحت أن أول الخوارج هم الذين خرجوا على علي -رضي الله عنه- فلا يكون الذين خرجوا على عثمان-رضي الله عنه- خوارج؛ وذلك أن الذين خرجوا على علي بن أبي طالب كفّروا دون الذين خرجوا على عثمان بن عفان روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة، -وفي الحديث_ آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على ‌حين ‌فرقة من الناس).

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ﷺ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي ﷺ الذي نعته، وفي صحيح مسلم قال: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق» ففي هذا الحديث أن أول الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب من جهات:

الأولى: أنه جعل علامتهم ذا الثدية وهذا فيمن قاتلهم علي-رضي الله عنه-

الثانية: أنهم الذين مرقوا عند فرقة من المسلمين وقوتلوا فقد قاتلهم علي بن أبي طالب بعد صفين.

وهذا ظاهر اختيار ابن تيمية -رحمه الله- فقد قال: ” لما قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان وسار علي بن أبي طالب إلى العراق وحصل بين الأمة من الفتنة والفرقة يوم الجمل ثم يوم صفين ما هو مشهور: خرجت الخوارج المارقون على الطائفتين جميعا وكان النبي ﷺ قد أخبر بهم وذكر حكمهم قال الإمام أحمد: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه وهذه العشرة» فقرر أن الخوارج لم تخرج إلا بعد صفين ” ([7]).

وقال: ” وفي حديث أبي سعيد: أن {النبي ﷺ ذكر قوما يكونون في أمته: يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق. قال: هم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق} وهذه السيما سيما أولهم كما كان ذو الثدية؛ لا أن هذا وصف لازم لهم ” ([8]).

ومن هذا يُعلم ما يلي:

الأمر الأول: أن الذين يخرجون على السلطان بلا تكفير ويتدينون بذلك مبتدعة ويستحقون القتل وإن لم يكونوا خوارج، وكذلك من لم يتديَّن آثم ويستحق القتل؛ لما روى مسلم عن عرفجة الأسلمي أن النبي ﷺ قال: «من أتاكم وأمركم ‌جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم ‌فاقتلوه» ([9]).

الأمر الثاني: أن الذين خرجوا على عثمان -رضي الله عنه- ليسوا خوارج، وإنما بغاة، وإن كانوا ضلالًا؛ لأنهم لم يُكفِّروا، لذا ذكر غير واحد من أهل العلم أن أول الخوارج هم الذين خرجوا على عليّ وفيهم ذو الثُديَّة الذي أخبر عنه النبي ﷺ.

وفي كلام بعض أهل العلم وصف من خرج على عثمان بأنهم خوارج، وهذا لا إشكال فيه؛ وذلك أنهم تلبَّسوا بفعل الخروج فسُموا بهذا الاسم، لا أنهم من طائفة الخوارج -والله أعلم-.

الأمر الثالث: من الخوارج النجدات، وقد ذكر عنهم من كتب في الفرق أنهم كفروا بلا مُكفِّر، قال ابن حزم: ” النجدات وهم أَصْحَاب نجدة بن عويم الْحَنَفِيّ- وذكر من مذهبهم: أنهم قَالُوا من كذب كذبة صَغِيرَة أَو عمل عملا صَغِيرا فأصر على ذَلِك فَهُوَ كَافِر مُشْرك وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي الْكَبَائِر وَأَن من عمل من الْكَبَائِر غير مصر عَلَيْهَا فَهُوَ مُسلم … وَقَالُوا أَصْحَاب الْكَبَائِر مِنْهُم لَيْسُوا كفَّارًا وَأَصْحَاب الْكَبَائِر من غَيرهم كفار وَقد بادت النجدات([10]).

وقال عبد القاهر البغدادي: ” وزعمت النجدات من الخوارج ان صاحب الذنب الذي اجمعت الامة على تحريمه كافر مشرك ” ([11]).

ووصفهم بالتكفير السفاريني، فقال: ” النجدية أتباع نجدة بن عامر الحنفي، قالوا: لا حاجة إلى الإمام، ويجوز نصبه، ووافقوا الأزارقة في التكفير([12]).

الأمر الرابع: أن من خوارج العصر سفرًا الحوالي، فإنه كفَّر بالإصرار على فعل الكبيرة، وسمى ذلك جحودًا، وغالط بأن نسب ذلك إلى السلف، وقد رددت عليه في كتابي: (تطهير الأرجاء من مخالفات سفر الحوالي في كتابه ظاهرة الإرجاء) ([13])، وفي كتابي: (البرهان المنير في الرد على شبهات أهل التكفير والتفجير) ([14]).

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

__________________________________

([1]) مجموع الفتاوى (3 / 282).

([2]) المغني (12 / 239، 247).

([3]) روضة الطالبين وعمدة المفتين (10 / 50-51).

([4]) مجموع الفتاوى (28 / 489-486) و (28 / 486) و(3 /355) و (19 /27) و(22 /548) و (7 / 481) و (3 / 279).

([5]) شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6 / 218).

([6]) رابط الكتاب: https://www.islamancient.com/ar/?p=15235

([7]) «مجموع الفتاوى» (7/ 479).

([8]) «مجموع الفتاوى» (28/ 497).

([9]) مسلم (6 / 23) رقم: (١٨٥٢).

([10]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 145).

([11]) الفرق بين الفرق (ص 97).

([12]) لوامع الأنوار البهية (1/ 87).

([13]) رابط الكتاب: https://www.islamancient.com/ar/?p=15314

([14]) رابط الكتاب: https://www.islamancient.com/ar/?p=15350


شارك المحتوى:
1