«الخلاصة في أحكام صيام الرَّجل المُسِن والمرأة العجوز».
الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فإنَّ الرَّجلَ المُسِنّ والمرأةَ العجوز إذا كانا لا يُطيقان صيام شهر رمضان جاز لهما الفِطر، ولا إثم عليهما، باتفاق أهل العلم.
وقد نَقل اتفاقَهم هؤلاء الفقهاء:
ابنُ المُنذر النيسابوري، وابنُ حَزم الظاهري، وابنُ عبد البَرِّ المالكي، وأبو جعفر النَّحَّاس، والقاضي عبد الوهاب المالكي ــ رحمهم الله ــ، وغيرهم.
وقد قال الله تعالى مُيسِّرًا على عباده العاجزين، ومُخفِّفًا عليهم، وراحمًا لهم:
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }.
🔹 ـــــ إلا أنَّه يَجب عليهما عند أكثر الفقهاء:
أنْ يُطعِما عن كل يوم أفطَراه مسكينًا، بعدد أيَّام الشهر، لِثبوت الإطعام عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نَسبه إلى أكثرهم:
الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ، وغيره.
وصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:
(( الشَّيْخُ الكَبِيرُ وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا )).
وثبَت عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه:
(( ضَعُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَأَفْطَرَ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُطْعِمُوا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا )).
🔹 ـــــ وأمَّا إذا وصَل الرَّجلُ المُسِنُّ أو المرأةُ العجوز إلى حَدِّ الخَرَف والتَّخريف:
فإنَّ الصوم يَسقط عنهما، لفقد أهلِية التكليف، وهي: العقل.
وعليه:
فلا إطعام عنهما، لا مِن مالهما، ولا مِن مُتبرِّعٍ.
وهو قول الإمامين:
عبد العزيز ابن باز، ومحمد ابن عُثيمين ــ رحمهما الله ــ، وغيرهما.
والخَرَف:
«فساد العقل بسبب كِبَر السِّن».
🔹 ـــــ فإنْ كانا يُميِّزان أيَّامًا تامَّة، ويَهذِيان في أيَّام أُخْرَى:
فيجَب عليهما الصيام أيَّام تمييزهما إذا كانا يَقدِران عليه ويُطيقانه، وإلا أُطْعِمَ عنهما إنْ لم يَستطيعا الصوم.
ولا يَجب عليهما الصوم أيَّام هَذيانِهما، ولا إطعام عليهما في أيَّام الهذيان.
🔹 ـــــ وإنْ كانا يُميزان ويَهذيان ويَحصل لهما الخَرَف في نفس نهار يوم الصوم:
فلا صيام عليهما، ولا إطعام، وإنْ صاما لم يَصِح صيامهما، لفقد أهلِية التكليف والصِّحة، وهي: العقل.
🔹 ـــــ وإنْ كان الذي يَحصل لهما إنَّما هو مُجرَّد نسيانٍ، قلَّ أو كثُر:
فصومهما إنْ صاما صحيح إنْ أكلا أو شَرِبا عن نسيان، لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:
(( مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ )).
وإلى صحَّة صوم كل مَن أكل أو شَرب ناسيًا ذهب:
عامَّة العلماء.
وقد نَسبه إلى عامَّتهم:
الفقيه أبو سليمان الخطابي الشافعي، والقاضي عياض المالكي ــ رحمهما الله ــ، وغيرهما.
ولا فرْق في النسيان بين قليله وكثيره، ما دام أنَّ العقل ثابت يُدْرِك ويُميِّز.
✏️ ـــــ وكتبه:
عبد لقادر الجنيد.