بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك واشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الله أمر عباده المؤمنين بالجماعة والألفة في غير ما آية من كتابه قال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] {آل عمران:103}
ونهى عن التفرق بقوله:[وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {آل عمران:105}
وقال النبي ﷺ :[ لَا تَبَاغَضُوا ولا تَحَاسَدُوا ولا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ] رواه الشيخان من حديث انس >، فالأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة من أعظم أصول الدين، ومن هذا الباب فإني أذكر إخواني طلبة العلم السائرين على طريقة السلف الصالح, فأقول إن ما جرى ويجري من تعاد بينهم وتقاطع وتهاجر على أمور قد لا يدرك بعضها كثير منهم, هذا لا خير فيه بل هو من حظ الشيطان. كما قال تعالى:[وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا] {الإسراء:53} : ومقصوده صدهم عن دعوة الناس إلى التوحيد والسنة, وربما استفحل الأمر حتى يصل إلى القتال عياذا بالله.
وقد رأيت جمعا من الشباب الذي لا يحسن قراءة القرآن فضلا عن الفقه فيه يخوضون في هذا وقد أشغلتهم عن العبادة وطلب العلم ، فإدخال العامة من أهل السنة في الخلافات التي تجري بين نفر قليل بين أهل العلم ينشأ عنه فساد أضعاف ما عند المخالف من الخطأ
قال تعالى: [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا] {النساء:83}.
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عَبَّاسٍ قال:( كنت أُقْرِئُ رِجَالًا من الْمُهَاجِرِينَ منهم عبد الرحمن بن عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أنا في مَنْزِلِهِ بِمِنًى وهو عِنْدَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ في آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إلي عبد الرحمن فقال : لو رَأَيْتَ رَجُلًا أتى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فقال يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هل لك في فُلَانٍ يقول لو قد مَاتَ عُمَرُ لقد بَايَعْتُ فُلَانًا فَوَاللَّهِ ما كانت بَيْعَةُ أبي بَكْرٍ إلا فَلْتَةً فَتَمَّتْ, فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قال: إني إن شَاءَ الله لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ في الناس فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قال عبد الرحمن فقلت: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فإن الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ الناس وغَوْغَاءَهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ على قُرْبِكَ حين تَقُومُ في الناس وأنا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وَأَنْ لَا يَعُوهَا وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا على مَوَاضِعِهَا فَأَمْهِلْ حتى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ الناس فَتَقُولَ ما قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا على مَوَاضِعِهَا فقال عُمَرُ والله إن شَاءَ الله لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ ) الحديث
وهذا يدل على أن المتكلم وإن كان مصيبا في قوله فليس كل حق يطلب نشره وحديث معاذ في هذا معروف.
وروى البخاري عن ابن عُمَرَ قال:( دَخَلْتُ على حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ قلت : قد كان من أَمْرِ الناس ما تَرَيْنَ فلم يُجْعَلْ لي من الْأَمْرِ شَيْءٌ فقالت: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ في احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ فلم تَدَعْهُ حتى ذَهَبَ, فلما تَفَرَّقَ الناس خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قال من كان يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ في هذا الْأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لنا قَرْنَهُ فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ منه وَمِنْ أبيه قال حَبِيبُ بن مَسْلَمَةَ فَهَلَّا أَجَبْتَهُ قال عبد اللَّهِ فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بهذا الْأَمْرِ مِنْكَ من قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ على الْإِسْلَامِ فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بين الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذلك فَذَكَرْتُ ما أَعَدَّ الله في الْجِنَانِ قال حَبِيبٌ : حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ )).
فهذا هو منهاج القرآن والسنة وطريقة السلف الصالح.
ثم إني أنصح أهل العلم الذين يقتدى بهم في هذا الأمر أن يتقوا الله في شباب المسلمين وأن لا يجعلوهم أحزابا وجماعات،فإن هذا من السبيل الذي يكرهه الله وأن يتذكروا أن الخير والشر درجات فيسعوا إلى تحصيل الخير ولو كان قليلا ويدرأوا الشر الكبير بالشر اليسير.
وهذه قاعدة الشريعة فإنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأن يفرقوا بين من انتحل طريقة السلف من أهل العلم وأخطأ ومن ليس كذلك.
ويفرقوا بين الخطأ في المسائل الدقيقة في العلم وغيرها مما اجمع عليه السلف الصالح أو قال به جماهيرهم.
كما ينبغي أن يعلموا أن من يأخذ العلم عنهم لا يتوقفون عند أقوالهم بل يقيسون عليها وربما نسبوا إليهم أمور لم يقولوها وربما كانت لهم أهواء على أشخاص فيجعلوا كلامهم مطية للوصول إلى أغراضهم, إلى غير ذلك من المفاسد.
قال عَلِيٌّ رضي الله عنه:( حَدِّثُوا الناس بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ الله وَرَسُولُهُ ) رواه البخاري،
وقال عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُود رضي الله عنهٍ 🙁 ما أنت بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلا كان لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً ) رواه مسلم،
ومن هنا كان كبار علمائنا يوجهون طلبة العلم للعلم النافع والعمل الصالح ولا يدخلونهم في مايجري بين أهل العلم من ردود فضلا عن أن يحظوهم على الولاء والبراء فيما يجري بينهم من خلاف لعلمهم بما يترتب على ذلك من مفاسد على الإسلام والمسلمين.
فالمعصوم الذي تجب موالاته مطلقا هو محمد صلى الله عليه وسلم لا غيره, ولما قيل لابن عباس رضي الله عنه أنت على ملة علي أوعلى ملة عثمان قال 🙁 أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
وأما رد ما يخالف الكتاب والسنة فهو واجب على كل قادر على ذلك من أهل العلم وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين.
وختاما أذكر بما رواه الشيخان عن جَابِرَ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما يقول:( كنا مع النبي ﷺ في غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ من الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ فقال الْأَنْصَارِيُّ يا لَلْأَنْصَارِ وقال الْمُهَاجِرِيُّ يا لَلْمُهَاجِرِينَ فقال رسول اللَّهِ ﷺ :{ ما بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ } قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ من الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا من الْأَنْصَارِ فقال:{ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ } فَسَمِعَهَا عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ فقال قد فَعَلُوهَا والله لَئِنْ رَجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ منها الْأَذَلَّ قال عُمَرُ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا الْمُنَافِقِ فقال:{ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ الناس أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ } )
فالنبي عليه السلام ترك قتل المنافقين مراعاة للمصالح ودرءاً للمفاسد ومنها نفور الناس عن الإسلام, ووصف ما يجري بين المسلمين من تفرق بدعوى الجاهلية.
وفق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه والحمد لله رب العالمين.
وكتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو عبد الرحمن عبدالله بن صالح العبيلان
10/7/1431 لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم