إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)).
أمابعد
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة
عباد الله:
إن أعظم النعم علينا في هذه البلاد نعمة الإسلام ونعمة التوحيد ونعمة الأمن: دولة قامت على الكتاب والسنة منذ عهد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، وهي مستمرة ولله الحمد، وستستمر بإذن الله ما دامت متمسكة بهذا الأصل التي قامت عليه، ولن يضرها من خالفها ولا من خذلها.
أيها المسلمون إن هذه البلاد مستهدفه في عقيدتها، مستهدفة في ولاة أمرها وعلمائها، مستهدفة في شبابها وشاباتها، مستهدفه في أمنها،وأعظم وأخطر مستهدف لها هم الخوارج.
ولقد جاء في السنَّة ذمُّ الخوراج وبيانُ سماتهِم مما لم
يأت في الشريعة بيانٌ مثلُه في أحدٍ من أهل البدع، وما ذاك إلا لعظم فتنتهم، الاغترار بهم لما يظهرونه من الغيرة على دين الله، ولظاهر دعوتهم التي يمتطون بها كتاب
الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتباعاً لمتشابه
القول.
أيها المسلمون وإن نابتة السوء هذه لها علامات وصفات، وأني سائق لكم بعض هذه الصفات فأعلموها وأحذروها:
1ـ فمن صفات نابتة السوء الخوارج الخروج على ولاة الأمر ونزع اليد من الطاعة ولا يرون لهم بيعة، والنصوص في تحريم الخروج على ولاة الأمور متواترة في الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة قال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )، وقال -صلى الله عليه وسلم-:«من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له». رواه مسلم.
2ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج الجرأة على العلماء الربانيين، قدوتهم رأسهم الأول حين قال: يا محمد اعدل، وقال: يا رسول الله، اتق الله، فلا تعجبوا أيها المسلمون من جرأتهم الآن على مشايخنا وعلمائنا، فإنهم لا يرضون عن أحد حتى يتابعهم على ضلالهم وينزع البيعة ويهاجر إليهم، وينضم إلى حزبهم.
3ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج الطعن في العلماء، وحجب فتاواهم في التحذير من الجماعات الضالة وكتبها، وصرف الشباب عن مجالستهم.
4ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج صلاح الظاهر وفساد المعتقد والباطن،«تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقراءتكم مع قراءتهم وصيامكم مع صيامه، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، فلاتغتروا بزهدهم المزعوم وتشددهم، ودعواهم نصر الدين والدعوة والجهاد، فإن العبرة بموافقة الرجل للسنة وتمسكه بالمنهج السلفي؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الخوارج مع
شدة عبادتهم: «هم شر الخلق والخليقة» رواه مسلم، وفي
صحيح مسلم أيضاً «أنهم من أبغض خلق الله إليه».
5ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج إظهار شيء من الحق للتوصل إلى الباطل، فيظهرون الإصلاح والمطالبة بتحكيم الشريعة ـ مع أنها محكّمة ـ ليتوصلوا بذلك إلى حمل السلاح وإسقاط الدولة.
6ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج الجهل بالكتاب والسنة، وسوء الفهم لمعانيهما؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم» رواه مسلم.
7ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج استباحة دماء المسلمين والمعاهدين واستحلال أعراضهم وأموالهم.
8ـ ومن صفاتهم أنهم «سفهاء الأحلام»، ورداءة عقولهم اما لعدم اتمال السن ونضج العقل، أو لأن مدرجهم لهذا الفكر لفيف التبليغ فيكون كثير منهم قد مل الحياة في المخدرات وسبق إليه أولئك الجهلة الضالون.
ومن صفات نابتة السوء الخوارج اللاحقة بما سبق أنهم «حدثاء الأسنان» كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام» متفق عليه، فعامة من يتبنى رأي الخوارج هم من الشباب الذين يغلب عليهم الخفة والاستعجال والحماس وسفاهة العقول.
ولهذا فقتال الخوارج بجنب المسيح الدجال و بصف واحد لأنّهم قوم مفتونون سريعوا الإفتتان لقصر عقولهم, و معلوم أنّ الجهلة سريعوا الإفتتان.
وفي زماننا هذا خرج قرن جديد منهم، إنه تنظيم
القاعدة الخارجي، الذي أعلن قادته ومنظريه وأربابه وأتباعه تكفيرهم لحكام المسلمين، واستحلال دمائهم وديارهم واعتبارهم ذلك ذروة الجهاد، وما تفرع منها من جبهات كجبهة النصرة وغيرها.
فكان لخروج هذا التنظيم الأثر البالغ الإسلام والمسلمين وظهور الكفر والكافرين، وهذه سنة الله في الخوراج، فما من زمان خرجوا فيه إلا وكان ذاك الزمان زمان شدةٍ وبلاءٍ على المسلمين والتاريخ شاهد بذلك.
فتأمل أوجه الشبه بين خوارج القرون الأولى وخوارج القرون المعاصرة بأي اسم تسموا من الجماعات في ثلاث مسائل:
أولها: أنهم يركزون على المال والمادة فقط ويجعلونها ذريعة ومعيارا ووسيلة في التهجم على السلطان وانتقاصه والثورة عليه وإيغار صدور رعيته عليه، وهل هناك أتقى من محمد عليه الصلاة والسلام ؟!!. متظاهرين باسم الدين جاعلينه مطية لهم.
ومن فقه الإمام مسلم في صحيحه أنه أدخل أحاديث الخوارج في كتاب الزكاة، لينبه ان مبدأ خروجهم على الحاكم كان من أجل الدنيا.
ثانيا: الطعن العلني في الحاكم ” اعدل يا محمد…” والذي هو طريق الى التدين بالخروج على ولاة الأمر وعدم السمع والطاعة لهم بالمعروف قال لإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله عمن لايرون وجوب البيعة لولاة الأمر في هذه البلاد: ننصح الجميع بالهدوء والسمع والطاعة والحذر من شق العصى والخروج على ولاة الأمور لأن هذا من المنكرات العظيمة،هذا دين الخوارج، هذا دين الخوارج دين المعتزلة، الخروج على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة لهم في غير معصية ).
ثالثا: إظهار محبة القرآن الكريم والمناداة بتحكيمه
لمخادعة العامة وبلهاء الخلق ومخالفته والتحايل على نصوصه وأوامره باطنا.
فالحذر الحذر من فتنتهم وشبهاتهم فكم من فتنة خطفت قلبا متيقظا في لحظة غفلة فاورثته بعد اليقظة غفلة وبعد الحياة موتا , وبعد الهدى ضلالا.
باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمنَ الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظم شانه ودام سلطانه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله به علا منار الإسلام وارتفع بنيانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الناس: هناك أسباب كثيرة تسببت في بروز ظاهرة الغلو، ظاهرة التكفير، ظاهرة التطرف ومن ضمن هذه الأسباب على سبيل التمثيل لا الحصر:
1- الجهل سبب لكل داء، وهو جهل بعلم الكتاب والسنة، فإن من عنده علم بالكتاب والسنة، وما دلا عليه لا يتصور وقوعه في الغلو والتطرف، وقد شهد بذلك الغلاة أنفسهم، فقد كانوا يعتقدون أنهم كانوا على صواب بسبب جهلهم.
2- ونشأ عن جهلهم وإن كانوا حفاظا للصحيحين والسنن
اعتدادهم بفهومهم ،والبعد عن العلماء وترك التلقي عنهم، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم مصدر تلقي العلم الصحيح كما قال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
3- ومن اسباب انتشار ظاهرة الغلو غيبة ولاة الأمر والطعن في تصرفاتهم وانتقاصهم عند الناس وكتمان محاسنهم، وهذا هو شرارة النار، وبداية الخروج، وأول خطوة لتنفير لقلوب الرعية عن ولي أمرهم، وهذا هو أسلوب ابن سبأ اليهودي لتأليب الناس، باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- عدم نشر فتاوى كبار العلماء التي تدين القاعدة وقادتها وفكرها التخريبي في المدارس و في المخيمات والقوافل الدعوية، وبيانها من قبل الرموز التي لها شعبية عند جماهير الشباب مع أن رواد هذه المناشط هم في الغالب الشبابُ المستهدف بهذا الفكر؟
5- غربة الإسلام في ديار الإسلام تؤذن بغياب الوسطية في المجتمعات المسلمة، ومتى غابت الوسطية ظهر الغلو والتطرف، وظهرت البدع والخرافات، وكثر الانحراف العقدي والفكري، وفسدت الأخلاق.
6- إقصاء شريعة الله تبارك وتعالى عن الحكم،مما اوقع الألم الكبير في نفوس متعجلة طائشة لا تحسن طرائق التصحيح.
7- من الأسباب وسائل التواصل ومواقع الانترنت التي تزرع في قلوبهم الضغينة والحقد على دولتهم وعلمائهم.
أعاذنا الله من اضلالة وأهلها، ورزقنا البصيرة والهدى
عباد الله: صلُّوا وسلِّموا على من أمرَكم الله بالصلاة
عليه، فقد قال – جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ – -صلى الله عليه وسلم- -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كُن لإخواننا المُضطهَدين في دينِهم في
سائر الأوطان يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، ووفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نعوذُ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مُفرِّطين ولا مفتُونين يا ذا الجلال والإكرام. ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.