الدعوة إلى التوحيد هي أم القضايا
اتفق أن جلست مرة في مجلس جل من فيه من العوام.
وقد أدير فيه الحوار عن بعض القضايا الدينية الاجتماعية التي تشغل الدعاة إلى الله وتؤرقهم، ويعدونها خطا أحمر لا يقبلون التساهل فيه، ولا السكوت عن الإنكار على المخالفين بشأنه.
والعجيب أنني رأيتهم مجمعين على أن أعظم أمر يهم الدعاة إلى الله هو قضية المرأة، زينتها لباسها تبرجها سفورها اختلاطها، قيادتها للسيارة !
هذا هو ما فهمه المخاطبون بالدعوة إلى الله من الدعاة، وهذا ما تعلموه، وهذا ما قر في أذهانهم واستقر في قلوبهم، وهذا ما وجدوا أن أكثر المشايخ والدعاة إلى الله في مجتمعاتنا مشغولون به، مهتمون بشأنه.
ولا شك أن قضية المرأة قضية خطيرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة مستفيضة، توجب العناية بهذا الأمر، وتدل على أن صلاح المرأة التي هي الأم والأخت والزوجة والبنت، يترتب عليها صلاح المجتمع كله، وإقامته على الوجه المرضي الذي جاءت به الشريعة.
كل هذا قدر مفهوم ومتقبل؛ لكن أن تكون هذه القضية هي أم القضايا، وتكون هذه المعركة هي أم المعارك، وتكون هي أعظم ما يعتني به كثير ممن ينتهض للقيام بالدعوة إلى الله، فهذا أمر تنبغي مراجعته والتعجيل بمعالجته.
نعم لا يمنع من هذا أن تقوم طائفة من أهل العلم بالتخصص في قضايا المرأة، وتأصيل هذا الباب وتقعيده، وتبيين أحكامه وتفاصيل مسائله، والإنكار على المخالفين في أبوابه، حتى لا يتولى الحديث في هذه المسائل من لا يخاف الله في نساء المسلمين وذراريهم، ممن يلبسون سرابيل العلم والمشيخة وهم أعداء للعفة مخاصمون لحراس الفضيلة.
لكن على أن لا يكون ذلك على حساب الدعوة إلى توحيد الله وتعبيد الناس له سبحانه، فإن هذا أعظم ما تنبغي العناية به، واستفراغ الطاقات والجهود والقدرات في سبيل الدعوة إليه.
فإن التوحيد هو الأمر الذي خلقت من أجله الخليقة كما قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات : 56]
وما بعث الله الأنبياء والرسل عليهم السلام إلا من أجل الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له والإنذار عن الشرك والتخويف من عاقبته كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : 36]
وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [سورة اﻷنبياء : 25]
فعلى الدعاة إلى الله أن يعظموا ما عظم الله وأن ينزلوه منزلته، وأن يقتدوا في دعوتهم وتوجيههم للناس وإصلاح ما فسد من أحوالهم بالأنبياء والرسل عليهم السلام وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذين أمرنا الله بأن نقتدي بهم، ونقتص آثارهم.
وأن يدعو الداعي إلى الله على بصيرة، كما قال سبحانه: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة يوسف : 108]
ومن البصيرة في الدعوة إلى الله أن يعلم أن ما اختاره الله من تراتيب في سلم الدعوة إليه سبحانه ومن تعظيم لبعض المطالب دون بعض هو الأصلح للدعوة والأدعى لقبولها والأنفع للمخاطبين بها.
ولا يظنن ظان مهما أوتي من علم وذكاء، أن انتحاءه طرقا أخرى غير الطريقة الشرعية سوف يحقق ما يرومه من صلاح للمجتمعات وتقويم لاعوجاجها.
فعلى الدعاة إلى الله البداءة في دعوتهم بلب الدين ورأس امره وقطب رحاه وهو توحيد الله تبارك وتعالى وبيان حقوقه، وأن يعظموا هذا الأمر وأن يكثروا من الدندنة حوله حتى تكون دعوتهم دعوة طيبة زكية متقبلة، تؤتي أكلها وتعطي كل حين خيراتها.
كتبه محمد بن علي الجوني
22 محرم 1436