الدماء الدماء يا أهل مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته … أما بعد:
فكم تتألم نفوسنا لسيلان الدماء الطاهرة وإزهاق الأنفس الزكية في دولة مصر الحبيبة .
وإني أذكر نفسي وإياهم وكل من يؤزهم ويفتنهم بخطورة الدماء وعظيم جرمها
قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:” أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء “
وأخرج مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:” أتدرون ما المفلس؟ “. قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:” إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار “
وأخرج البخاري عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :” أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه “
وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً “
وأخرج البخاري أن عبد الله بن عمر قال : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله .
وثبت عند أحمد والنسائي عن سالم ، سئل ابن عباس عن رجل قتل مؤمنا ، ثم تاب وآمن وعمل صالحا ، ثم اهتدى ، قال : ويحك ، وأنى له الهدى ، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم ، يقول : يجيء المقتول متعلقا بالقاتل ، يقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وما نسخها بعد إذ انزلها ، قال : ويحك ، وأنى له الهدى ؟.
وإن استرخاص الدماء باسم الجهاد والشهادة المزعومة ليس عذراً عند الله لا لمفتيهم ولا لمباشرها حتى كتب بعض المفتين المفتونين – وايم الله إنهم لمفتونون – أن ذهاب مليون نفس ليس كثيراً في سبيل الشهادة المزعومة .
يا حسرتاه على خيانة الحزبية المقيتة باسم التأويل قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 193): وبالجملة فافتراق أهل الكتابين، وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل، وإنما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين والحرة وفتنة ابن الزبير وهلم جرا بالتأويل، وإنما دخل أعداء الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية من باب التأويل، فما امتحن الإسلام بمحنة قط إلا وسببها التأويل؛ فإن محنته إما من المتأولين، وإما أن يسلط عليهم الكفار بسبب ما ارتكبوا من التأويل وخالفوا ظاهر التنزيل وتعللوا بالأباطيل، فما الذي أراق دماء بني جذيمة وقد أسلموا غير التأويل حتى رفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يديه وتبرأ إلى الله من فعل المتأول بقتلهم وأخذ أموالهم؟ وما الذي أوجب تأخر الصحابة – رضي الله عنهم – يوم الحديبية عن موافقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غير التأويل حتى اشتد غضبه لتأخرهم عن طاعته حتى رجعوا عن ذلك التأويل؟ وما الذي سفك دم أمير المؤمنين عثمان ظلما وعدوانا وأوقع الأمة فيما أوقعها فيه حتى الآن غير التأويل؟ وما الذي سفك دم علي – رضي الله عنه – وابنه الحسين وأهل بيته – رضي الله تعالى عنهم – غير التأويل؟ وما الذي أراق دم عمار بن ياسر وأصحابه غير التأويل؟ وما الذي أراق دم ابن الزبير وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وغيرهم من سادات الأمة غير التأويل؟ وما الذي أريقت عليه دماء العرب في فتنة أبي مسلم غير التأويل؟ … ا.هـ
إن هؤلاء الحزبيين من الإخوان المسلمين والمصفقين لهم في بلدان دول الخليج وغيرها يتسببون في الدماء ثم يستعطفون الناس ويستدرون أموالهم لأجل حقن الدماء أليسوا هم الذين نادوا بالثورات في سوريا وليبيا واليمن، ثم بعد ذلك تباكوا على إزهاق الأنفس وانتهاك الأعراض وهلاك الأموال .
ألا فليعلموا أنهم وإن خدعوا ثلة من الناس باسم الدين، فإن آخرين -يتزايدون يوماً بعد يوم- لخدعهم وألاعيبهم يقِضون واعون.
فكيف برب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ثم إنهم لقلة حيائهم إذا هيجوا على الثورات وغيرها المتسببة لإزهاق الدماء الزكية عابوا على أهل السنة – الذين يسمونهم جامية ومداخلة – لماذا لا يشاركونهم في الدعوة إلى ما يتسبب في قتل المسلمين وانتهاك أعراضهم ثم نبزوا أهل السنة بأنهم مداهنون للسلطان وهكذا …
فإذا هاجت الفتنة وسفكت الدماء عابوا على أهل السنة لماذا لا يشاركونهم في مناطحة الحكومات لأجل مناصرة المسلمين الذين سفكت دماؤهم .
وما علموا أن منطلقات أهل السنة الوحي ثم أقوال علمائهم – الذين بينت الأيام صدقهم وصلاح طريقتهم كالعلامة الفوزان والعلامة اللحيدان وسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ والعلامة محمد بن حسن آل الشيخ –
وإن الذي منع أهل السنة من الدعوة إلى الثورات هو ما تجلبه هذه الثورات على المسلمين من القتل وانتهاك الأعراض لا مداهنة الحكام – كما يزعمون –، وهذا ما أظهرته الأيام فهل من معتبر .
أيها المسلمون احذروا دعاة الإخوان المسلمين ودعاة الحزبية – في دول الخليج وغيرها- ولا تدعوهم يتلاعبون بعواطفكم وحماستكم، وخذوا العبرة من سوريا واليمن، فمن المتسبب في دمائهم المسفوكة وأنفسهم المزهوقة ؟
ولو كانت دماء المسلمين غالية عند جماعة الإخوان المسلمين لما تسببوا في سفكها لأجل الحكم، ولجعلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان قدوة لهم لما منع الصحابة أن يدافعوا عنه لئلا تسفك الدماء لأجله ، وليس معنى هذا إقرار الخروج على الحاكم محمد مرسي لكن لما وقع الخروج المحرم وتغلب الحاكم الجديد وصارت الشوكة والقوة بيده وجب الإذعان له، كما دلت على ذلك الآثار وإجماعات أهل السنة قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (1/ 527): بل الإمامة عندهم – يعني أهل السنة – تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماما حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما. ا.هـ
أسأل الله أن يحقن دماء أهل مصر ويعز دولتهم عزاً دينياً ودنيوياً، ويجمع كلمتهم على التوحيد والسنة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبد العزيز بن ريس الريس
Dr_alraies @
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://islamancient.com
12 / 10 / 1434 هـ