الديمقراطية ليست من الإسلام في شيء
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ……….. أما بعد،،،
إن الديمقراطية تعني: حكم الشعب بالشعب، فما كان عليه الأكثرية من الشعب يحكم به . وهذه محرمة وليست من دين الله في شيء، وإن حاول طائفة من الإسلاميين المفتونين مسلمتها وذلك من أوجه:
الوجه الأول: أن الأكثرية من الشعوب إذا اختارت حكماً صار معتمداً، ولو كان مخالفاً لحكم الله، فلو طالب الأكثرية بعدم قطع يد السارق لاعتمد تشريع عدم قطع يد السارق، وهذه مخالفة صريحة لكل دليل يدل على التحاكم إلى الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) وقوله: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
فيا عجبي كيف يجعل من الإسلام ما هو مصادم للإسلام من كل وجه ولو لم يكن إلا هذا الوجه لكفى .
الوجه الثاني: إن مرجع التشريع بالديمقراطية راجع إلى الأكثرية، وكأن الحق والخير مناط بالأكثرية، وهذا مخالف لما بينه الله من أن أكثر الناس ليسوا على هدى، وهو سبحانه خالقهم والأعلم بهم قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) وقال : ( فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) وقال: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) وقال: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) وقال: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) وقال: ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) وقال: ( فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ) وقال: ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) وقال: ( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن أهل الحق قلة ، أخرج مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ” وفي حديث أبي هريرة قال:” فطوبى للغرباء ” ، وحكم الذين لا يعلمون ولا يؤمنون ولا يشكرون وهم فاسقون حكم ضال .
الوجه الثالث: أن الديمقراطية تساوي بين العالم العارف والفلاح الجاهل، فكلهم واحد في التصويت، وهذا ما لا يصح عقلاً ، فكيف يساوى بين أهل الدراية والمعرفة في الدين أو الدنيا مع من ليس كذلك قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) وهل يصح لمريض عاقل أن يقدم قول عشرة جهال في الطب فيما يتعلق بمرضه على قول طبيب واحد ماهر؟!. إن هذا ما لا تقره العقول السليمة .
الوجه الرابع: مبدأ الديمقراطية يصادم الدين الإسلامي في أمور منها: حرية الدين، وحرية التعبير بالرأي وهكذا … وديننا الحنيف الذي هو من عند الله الحكيم العليم ضبط الحريات بلا إفراط ولا تفريط، ومن ضبطه للحريات ضبطه لحرية الدين؛ فلا يصح في الإسلام الانتقال من الإسلام إلى الكفر وهو المسمى شرعاً بالردة، و في ذلك عقد العلماء في كتب الفقه: باب حكم المرتد، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرتد بالقتل، كما أخرج البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من بدل دينه فاقتلوه “
ومن ضبطه للحرية الدينية: أنه لا يسمح لأحد أن ينشر ما يخالف الدين من الكفر أو البدع، وهذا يرجع لأسباب منها: الرحمة بالخلق حتى لا يضلوا باتباع الضلالات إما الكفرية أو البدعية فيهلكوا في الدنيا والآخرة .
الوجه الخامس: أن مبدأ الديمقراطية الغربي يخالف مبدأ الشورى الإسلامي فالشورى شرعية بخلاف الديمقراطية قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) وقال: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )
وأخيراً .. يحاول بعض المنهزمين مسلمت الديمقراطية والانتخابات متمسكين بما أخرج البخاري عن عمرو بن ميمون في قصة استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قيل لعمر : أوص يا أمير المؤمنين استخلف. قال: ما أجد أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنهم راض؛ فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن – ثم قال – اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي. فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف .”
وأخرج البخاري عن المسور بن مخرمة – رضي الله عنه-: “أرسل عبد الرحمن بن عوف إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً “. وهذا لا دلالة فيه على الديمقراطية بحال لما يلي:
الأمر الأول/ أن أصل التولية في ستة مخالفة للديمقراطية؛ لأن عمر بن الخطاب أوكل الأمر في ستة ولم يجعل الأمر انتخاباً بين الناس .
الأمر الثاني/ أن الترجيح بين الستة ابتداء لم يكن بالانتخابات، بل كان ابتداء بالتنازل حتى بقي ثلاثة، وهذا مخالف للديمقراطية .
الأمر الثالث/ أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لم يعمم على جميع بلاد المسلمين، وإنما خص أهل المدينة وأمراء الأجناد، وأمراء الأجناد لم ينتخبوا وإنما كانوا باختيار ولي الأمر .
الأمر الرابع/ أنه ليس في هذه القصة أن الناس ألزموا عبدالرحمن بن عوف بما يريده أكثرهم كما هو حال الديمقراطية، وإنما اتخذ رأي الأكثر من بعض أهل المدينة وأمراء الأجناد مرجحاً، وفرق بين هذا وبين الديمقراطية التي تجعله حكماً ابتداءً وانتهاءً . بل إن من تدبر هذه القصة جعلها حجة على دعاة الديمقراطية .
وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية لما قال في الجواب الصحيح (2 / 38): بل عامة ما يحتجون به من نصوص الأنبياء، ومن المعقول فهو نفسه حجة عليهم، ويظهر منه فساد قولهم مع ما يفسده من سائر النصوص النبوية، والموازين التي هي مقاييس عقلية.
وهكذا يوجد عامة ما يحتج به أهل البدع من كتب الله عز وجل، ففي تلك النصوص ما يتبين أنه لا حجة لهم فيها، بل هي بعينها حجة عليهم، كما ذكر أمثال ذلك في الرد على أهل البدع والأهواء وغيرهم من أهل القبلة. وإنما عامة ما عند القوم ألفاظ متشابهة تمسكوا بما ظنوها تدل عليه، وعدلوا عن الألفاظ المحكمة الصريحة المبينة مع ما يقترن بذلك من الأهواء ا.هـ
وقال كما في جامع الرسائل (2 / 51): وهكذا نجد أهل البدع لا يكادون يحتجون ” بحجة ” سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم ؛ لا لهم ا.هـ
ومن أمثلة هذا استدلال ممسلمت الديمقراطية بفعل عبدالرحمن بن عوف في الترجيح بين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – .
وإن محاولة مسلمت الديمقراطية مثال من الأمثلة الكثيرة في تبديل الحركيين لمعالم الشريعة، وإفساد فطر العامة السوية .
فيا علماء الأمة ودعاتها وحراسها وجنودها ذودوا عن الشريعة الإسلامية، فإن الأمر خطير، ومعاول هدم أهل البدع لا تتقوى إلا عند ضعف أهل السنة عن مواجهتهم وحربهم، ومن أسباب ضعف مواجهة بعض أهل السنة لأهل البدع انشغالُ بعض أهل السنة بإخوانه من أهل السنة بغير حق أو بحق مبالغٍ لم تُراع فيه المصالح والمفاسد، فصد طائفة عن أهل السنة، وأضعف آخرين إلا من رحم الله، فخلت الميادين لأهل البدع، فعاثوا فساداً بفطر العامة وعقائدهم.
ولا أعني بهذا الكلام الحركيين الحزبيين، فقد خرجوا من السنة، وخلعوا ربقتها من أوجه كثيرة قد أبنتها في مناسبات عدة .
قال الإمام ابن القيم في الكافية الشافية (1 / 5): والجهاد بالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان، ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد إنذاراً وتعذيراً، فقال تعالى: ( فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ).
وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ). فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبياء الله ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق.
وكفى بالعبد عمى وخذلاناً أن يرى عساكر الإيمان وجنود السنة والقرآن قد لبسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عدته، وأخذوا مصافهم ووقفوا مواقفهم، وقد حمي الوطيس ودارت رحى الحرب واشتد القتال وتنادت الأقران نَزالِ نَزالِ، وهو في الملجأ والمغارات، والمدخل مع الخوالف كمين، وإذا ساعد القدر وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جهد أيمانه: إني كنت معكم، وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين.
فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة أن لا يبيعها بأخسِّ الأثمان، وأن لا يعرضها غدًا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبت قدمه في صفوف أهل العلم والإيمان، وأن لا يتحيز إلى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن.
فكأن قد كشف الغطاء، وانجلى الغبار، وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غبرة ترهقها قترة، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ، فوالله لمفارقة أهل الأهواء، والبدع في هذه الدار أسهل من موافقتهم إذا قيل: ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ )
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبعده الإمام أحمد: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، وقد قال تعالى: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) ، قالوا فيجعل صاحب الحق مع نظيره في درجته، وصاحب الباطل مع نظيره في درجته. هنالك والله يعض الظالم على يديه، إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه، يقول: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور عبدالعزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://islamancient.com /
10 / 8 / 1432هـ