يقول السائل: الرخصة والعزيمة هل هي من الأحكام الوضعية أو من الأحكام التكليفية؟ وما هو الراجح مع ذكر الدليل؟
الجواب:
المشهور عند الأصوليين أنَّ الأحكام التكليفية خمسة: الواجب، والمستحب، والمكروه، والمحرم، والمباح.
وجعلها الأحناف سبعة فقالوا: الواجب، والمستحب، والمكروه، والمحرم، والمباح، وكراهة تحريم، والفرض. والمشهور عند الأصوليين ما تقدم ذكره.
والمشهور عندهم أنَّ الرخصة والعزيمة من الأحكام الوضعية؛ لأنها وُضِعت علامة على الأحكام.
وقد عرَّف الأصوليون العزيمة بتعاريف، يرجع معناها اصطلاحًا إلى: “أنه الحكم الثابت بدليل شرعيٍّ خالٍ عن معارضٍ راجح”، فعلى هذا كل واجب فهو عزيمة؛ لأنه حكم شرعي ثابت، وليس له معارض.
وعكس هذا الرخصة، وهو الحكم الشرعي الثابت على خلاف دليل شرعي، ومن أمثلة ذلك: القصر في الصلاة، فإن الإتمام عزيمة، لكن لمَّا عُورِض في السفر بالقصر، صار القصر رخصة. هذا معنى الرخصة عند الأصوليين.
وأنبه على أمور:
الأمر الأول: تسمية الأحكام بالتكليفية أصله مأخوذ من المعتزلة، وهو مخالف للشرع، وقد أنكره الإمام ابن تيمية كما في المجلد الأول من (مجموع الفتاوى) والإمام ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان).
لكن بعد ذلك لما شاع هذا الاصطلاح صحَّ أن يعبر به بناء على أنه اصطلاح شائع، وإلا أصل هذا مأخوذ من المعتزلة؛ وذلك أنهم يرون أن المشقة مُرادةٌ لذاتها، وأنَّ مقتضى التحسين والتقبيح العقلي عند المعتزلة والمبتدعة ألا يكون ثوابٌ إلا على ما فيه مشقة وتعب.
والرد على هذا من أوجه، وليس هذا موضع ذكرها.
الأمر الثاني: معنى الرخصة الاصطلاحي هو ما تقدم ذكره، أما معناها الشرعي واللغوي فهو أشمل من المعنى الاصطلاحي، فهو فمأخوذٌ مِن السهولة.
فلا يقال: هي حكم ثابت على خلاف دليل شرعي، بل قد يكون حكمًا سهلًا في ابتدائه، ويسمى رخصة، ومن ذلك حديث: «رخَّص النبيُّ ﷺ في القبلة للصائم» فلم يكن هذا ممنوعًا ثم رُخِّصَ بعد ذلك بدليل مُعارض راجح، ذكر هذا المعنى للرخصة الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (تهذيب السنن)، والصنعاني في (سبل السلام).
الأمر الثالث: قد جاءت أحاديث قد يُفهَم مِن ظاهرها ترك العزائم وتسويغ تتبُّع الرخص، كحديث ابن عمر: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تأتي معصيته»، ومثله حديث: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه».
فالحديث ليس من حيث الأصل مسوِّغًا لتتبع الرخص وترك العزائم، بل ينظر لكل رخصة بحسبها، فالقصر في السفر رخصة، ففعل ذلك محمود في الشرع، أما الجمع في السفر لغير مَن جَدَّ به المسير فعند جمهور أهل العلم لا يستحب فعله، ومثل ذلك الجمع للمطر عند جمهور أهل العلم لا يستحب فعله، مع أنه رخصة.
إذَن يُنظَر في كل رخصة بحسبها وبما يقتضيه الدليل الشرعي، ولا يقال: إنه يستحب فعل الرخص على الإطلاق.
وهذه المسائل تحتاج إلى تفصيل، وهي مهمة لمن أراد أن يتعامل مع المسائل العلمية، ومظان بحثها في كتب أصول الفقه.