إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينه ونستغفرهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله واصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلمَ تسليما.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله : واعلموا أن من السبل لاستقرار النفوس، وسَكَن القلوب، ما شرعه سبحانه وتفضل به ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) فالزواج نعمةٌ عظيمة منّ الله بها على عباده ذكورهم وإناثهم أحله لهم بل أمرهم به ورغّبهم فيه فقال تعالى)فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) وقال صلى الله عليه وسلم في الرد على قومٍ قال أحدهم أنا أصلي الليل أبداً وقال الثاني أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الثالث أنا أعتزل النساء فلا أتزوج قال النبي صلى الله عليه وسلم راداً على هؤلاء القوم: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)رواه الشيخان . والزواج سنة أنبياء الله قال سبحانه مخاطبًا خليله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً }
ففي النكاح تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان وصححه ابن حجر والألباني(تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم يوم القيامة)
وفي النكاح سرور القلب وطمأنينةَ في النفس، وحصوُلُ الاستقرار والأنُسُ، قال تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
وفي النكاح تحصين الفرج وحماية العرض وغض البصر والبعد عن الفتنة ، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)
لذا ولأجل ما فيه من المصالح العظيمة فقد رَغَّبَت شريعة الإسلام في الزواج، وحثّت على تيسيره وتسهيل طريقه، ونهت عن كل ما يقف في سبيله، أو يعوق تمامه، ويكدّر صفوه .
ولقد تواردت الآثار عن السلف في الحث عليه ومن ذلك ما ورد عن ابن مسعود أنه قال: لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما ولي طول النكاح فيهن
لتزوجت مخافة الفتنة .
وعن سفيان قال : قال لي إبراهيم بن ميسرة : قال لي طاوس ، وهو يطوف بالبيت : لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر رضي الله عنه لأبي الزوائد : « ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور ».
وعن عمر قال: إني لأقشعر من الشاب ليست له امرأة .
قال الإمام أحمد: من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام.
ألا وإن من كيد الشيطان وحبائله تأخير الزواج لدى الذكور والإناث بحجة إكمال الدراسة، أو الحصول على الوظيفة، أو القدرة المالية، أو عدم الرغبة في الارتباط المبكّر، أو غير ذلك من الأسباب.
فإن النكاح سببٌ للغنى وكثرة الرزق كما قال تعالى:( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم وذكر منهم الناكح يريد العفاف) رواه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
ولا يظن ظان أن النكاح مانع من المضي في الدراسة أو النجاح فيها والتحصيل بل ربما يكون الزواج عوناً على ذلك فإن الرجل الصالح إذا وفق زوجةً صالحة وسادت بينهما روح المودة صار كل واحدٍ منهما عوناً للأخر على دراسته وعلى مشاكل حياته .
إن تأخير الزواج مخالف للسنّة الشرعية كما هو مخالف للسنّة الفِطرية، وقد قرّر المتخصّصون في علم الاجتماع والحياة أنّ الزواج المبكّر هو أنجح الزِّيجات حتى ولو تعثّرت الظروف المادية، وأنه سبب رئيس لاستقرار الصحة النفسية والجسدية، وأن النبوغ والذكاء من الأطفال والصحة وانعدام الإعاقات الجسدية يكثر من الزِّيجات المبكّرة، كما أن الزواج كان عاملاً رئيسًا في نجاح الكثيرين في حياتهم العملية.
عباد الله :إن من أعظم العراقيل التي تحول بين الناس وبين الزواج هي المغالاة في المهور والمزايدة فيها حتى تبلغ المهور إلى حدٍ لا يستطيعه الإنسان إلا بأن يقترض أو يستدين وهذا خلاف ما يحث عليه الشرع فإن الشرع يحث على تقليل المهور ما أمكن ،الذي قال :(إن من يُمْنِ المرأة تيسير خِطْبتها وتيسير صَدَاقها) رواه أحمد وابن حبان والحاكم بسند حسن، وفي لفظٍ عند أحمد:(أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)
وروى ابن ماجه وصححه الألباني عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما أنه قال:(لا تَغْلُوا في صُدُقِ النساء، فإنَّها لو كانت مَكْرُمةً في الدنيا أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ما أصدقَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةً من نسائِه، ولا أُصدقت امرأةٌ من بناتِه أكثرَ من ثنتي عشرةَ أُوقيةً)رواه الخمسةُ، وصحَّحه الترمذي .
والاثنتا عشرةَ أوقيةً تساوي تقريبا ثلاثة آلاف ريال .
ولقد استنكرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المُغالاةَ في المهور، كما رُوِيَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ لرجلٍ:(على كم تزوجتَ؟ قال: على أربعِ أواقٍ، فقال له:(على أربعِ أواقٍ؟ كأنما تنحِتُونَ الفضةَ من عُرضِ هذا الجبلِ) رواه مسلم ، والأربع أواق يزيد ثمنها على الف ريال قليلا .
قالَ العلماء: أنكرَ عليه صلى الله عليه وسلم هذا المبلغَ؛ لأنه كانَ فقيراً.
عباد الله : ومن العراقيل للنكاح ما أُحيطت به بعض حفلات الأعراس بهالةٍ من التكاليف والمبالغات ، وتضخّمت حتى أصبحت عَقَبة كَأْدَاء أمام إتمام الزواج، بل تجاوزت تكاليفها قيمة المهر أضعافًا، وتُرِك القِياد فيها للنساء والسفهاء، وتعظم المصيبة إذا صحبتها المنكرات والمعاصي، فأيّ بركة تُرجَى، الاختلاط بين الرجال والنساء غير المحارم، وجَلْب المغنّين والمغنّيات بالمعازف وآلات الطرب، وتضييع الصلوات، وكشف العورات بالذات بين النساء، حيث التعرّي في لباس الحفلات، والتصوير العلني والتصوير الخفي؛ كل ذلك يُعدّ كفرًا بالنعمة لا شكرًا .
أقول ما سمعتم وأستغفر الله تعالى لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه.
عباد الله : ومما يتعلق بأمور النكاح ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه: (ليس لأحد الأبوين أن يُلزِم الولدَ بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقًّا )
وكذا من زوج أبنته بغير رضاها فإن الشيخ ابن عثيمين قال: الزواج فاسد ولا تحل به البنت لمن تزوجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنكح البكر حتى تستأذن) بل قال (البكر يستأذنها أبوها) وهذا نصٌ صريح في أن الأب لا يمكنه أن يزوج أبنته إلا بعد استئذانها وأما إذا كرهت الزوج وأبت أن تتزوجه فإنه إذا عقد عليها لا يصح العقد هذا مقتضى ما تقتضيه السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم )
ومما يشرع للنكاح الوليمة قال الإمام ابن باز : الوليمة سنة مؤكدة ولو بشاة، كما قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف 🙁 أولم ولو بشاة ) ، والنكاح صحيح ولو لم يحصل هناك وليمة، إذا تمت شرائطه وأركانه ) .
والمباهاةُ في إقامة الحفلات، واستئجارُ أفخمِ القصور من مجاراة المبذرين والسخفاء ومنهي عنه شرعا (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ )
فاتقوا الله عباد الله ويسروا ييسر الله لكم وكونوا عوناً لإخوانكم على تنفيذ ما أمرهم الله به فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
اللهم يسر أمور المسلمين وسهلها لهم يا رب العالمين وأجعلهم متعاونين على البر والتقوى متباعدين عن الإثم والعدوان يا رب العالمين .
اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم صغيرهم وكبيرهم يا رب العالمين اللهم أصلح بطانة ولاة أمور المسلمين اللهم من كان من بطانتهم غير مستقيمٍ على شرعك ولا ناصحٍ لعبادك فأبدله بخيرٍ يا رب العالمين إنك على كل شيءٍ قدير .
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم كن لهم عونا ونصيرا، اللهم انصرهم على القوم الظالمين.
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ،اللهم إنا رفعنا اليك أكف الضراعة ، مفتقرين لرحمتك وفضلك ، اللهم فأسقنا غيثك، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، اللهم انشر علينا رحمتك ، اللهم اغثنا غيثا مغيثاً هنيئاً مريئاً مجلِّلاً نافعا غير ضار، اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتحيي به ما قد مات، وتردَّ به ما قد فات ، اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين، اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .