السلفية العضين
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخليله محمد بن عبدالله وآله وصحبه ، أما بعد ؛ فإن من الدواهي التي أصيب بها المسلمون : تجزئة منهج السلف الصالح إلى أجزاء ، فأحدثت السلفية الجهادية، والسلفية العلمية ، والسلفية الحركية … ، بقطع النظر عن جهة الإحداث ؛ إذ الحكم على التقسيم بقطع النظر عن مَصَدره أومُصَدِّره ، والكفار جاهدون في دعم هذا التقسيم ، وأزّ الناس عليه ؛ لأنه وسيلة ناجعة لإضعاف الدعوة إلى الله ( المد الإسلامي الذي اجتاح الغرب ) ، كما تفرقت الأمة من قبل فضعفت ، واستولى العدو على خيراتها ، وصرف كثيرا من المسلمين عن التمسك بدينه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه .
وللأسف أن طائفة من المسلمين تعزز هذا التقسيم الذي يذهب بالأمة كل مذهب ، ويوردها المهالك، ويشتت عليها أمرها ، ويفرق شملها ، بتثبيت ذلك على مواقع النت والمنتديات والتواصل الاجتماعي ، والقنوات ، بل بإنشاء الأحزاب والجماعات والحركات، التي تعقد عليها الولاء والبراء ، وتصارع من أجلها ، وليس من أجل الدين المحض ؛ بل آل الأمر إلى توالد هذه الأحزاب والجماعات؛ فأنجبت أمثالها ، في تسلسل لا يعلم منتهاه إلا الله !! وهذا شأن البدع ؛ فإن البدع تتنادى ، كل بدعة تقول لأختها : أختي أختي !! ولهذا ترى في هذه الفرق والأحزاب بدعا كثيرة ، بل في الفرقة الواحدة تجد المتناقضات ؛ لخروجها عن سواء السبيل ، وصدق الله ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرا) (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى إصلاح أوضاعنا الدينية قبل الدنيوية ؛ بعيدا عن التلاوم الذي يثير الأحقاد، ويزرع الفتن ، ويسهم في مزيد من الشتات ، مستصحبين النصيحة والإخلاص والصدق في الاتباع ؛ رجاء أن يرفع الله عن الأمة مانزل بها مما اقترفته أيديهم من الذنوب والسيئات التي عمت أرجاء الأرض ، ولاحول ولاقوة إلا بالله ، ومانزل بها من قتل وأسر واعتداء على الحرمات ، إن بأيدهم أوبأيدي أعدائهم .
وتذكيرا ، وتعليما ، وإقامة للحجة ، وإعذارا عند الله ، إليك أيها المؤمن الكريم ما يلي :
أولا : إن السلفية ليست حزبا ؛ ولاتيارا ؛ ولا حركة ، ولاطائفة مخصوصة بمكان أوزمان ، بل هي دين الله الذي ارتضاه لعباده في الإيمان والعلم والعمل والسلوك والأخلاق ، قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .
وقال أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ( سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله عز وجل ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله تعالى ، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها فهو مهتد ، ومن استنصر بها فهو منصور ، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا ). أخرجه الآجري في الشريعة (3 / 1128) ، وعبدالله بن أحمد في السنة ( 1 / 357 رقم 766 ) ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1 / 94) ، والتيمي في الحجة ( 1 / 95 ) .
وقال الحافظ ابن بطة ـ رحمه الله ـ في ( الإبانة 1 / 268).بعد ذكره جملة من الآثار في التمسك بالسنة ( فالذي ذكرته ـ رحمكم الله ـ في هذا الباب من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحضضت عليه من اتباع سنته ، واقتفاء أثره ، موافق كله لكتاب الله عز وجل ، وسنة رسول الله ، وهو طريق الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين والصحابة والتابعين ، وعليه كان السلف الصالح من فقهاء المسلمين ، وهي سبيل المؤمنين ، التي من اتبع غيرها ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم ، وساءت مصيرا ) .
ثانيا : تقسيم السلفية إلى تيارات أوحركات قول محدث ، وضلال عن الهدى ، وتفريق للدين ، قال الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) ، وهو شبيه بصنيع من قال الله فيهم : (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) .
فالسلفية دين الله الذي ارتضاه لعباده المؤمنين بجميع شرائعه في التوحيد والإيمان ، والصلاة والزكاة والصيام والحج ، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي العلاقات والحقوق ، والمعاملات ، والسياسات ، وغيرها ، بحقائقها وحدودها وشرائطها ؛ فاختزال السلفية في جانب من الجوانب كالجهاد ، أوالعلم ، مخالف لما أخبر الله عنه من كمال الدين ، وشموليته ، في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ، والخروج بهذه الشرائع عن حقائقها وحدودها التي حدها ، أواستنقاص شرائطها ، تعد لحدود الله ، وقد قال جل شأنه : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ، وقال : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِين ) ، وقال : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ).
ثالثا : تقسيم السلفية سبب للفشل ؛ وذهاب القوة ، وخروج عن طاعة الله ، كما قال تعالى :
( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).
رابعا : لا يجوز لأحد أن يطعن في منهج السلف ؛ بسبب خطأ ، أوما يتصور أنه خطأ ، وقع من بعض المنتسبين إليه ؛ لأن الأفراد ليسوا بمعصومين وإن كانوا حريصين على الاستقامة على منهج السلف ، وحال الطاعن في منهج السلف كحال من يطعن في الإسلام ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) وقال : ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ) .
خامسا : التبرؤ من منهاج السلف ضلال ، ورغوب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن معاداته معادة للسنة ولسبيل المؤمنين ، قال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ،وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن رغب عن سُنَّتِي فليس مني ) .
سادسا : ليس كل من زعم أنه على منهاج السلف كان له ما أراد ، ولكن الاعتبار بموافقة السلف على الحقيقة ، وليس بالتمني ولا بالانتحال ولا بالتوهم ولا بالجهل ، قال الله تعالى : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) ، بل عليهم إثبات الحجة على ماقالوا ، كما قال تعالى : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .
كتبه / عبدالعزيز بن محمد السعيد