إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وادى الأمانة، أما بعد : ( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ )
عباد الله : روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد ، قال : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا ؟»” فقال : رجل من أشراف الناس : هذا والله حري إن خطب أن ينكح ،وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يسمع لقوله ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما رأيك في هذا؟»” قال : هذا رجل من فقراء المسلمين ، هذا حري أن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» .
إن من الاغترار بالدُّنيا السعيُ خلف الشُّهرة وبريقها، فكثيرٌ من الناس تَتُوق نفسه إلى أن يُشار إليه بالبنان أو أن يكون هو حديثَ المَجالس، أو أن يُسمع قولُه، أو يُكتب؛ لذا قد يَسعى بعضُهم بكلِّ سبيلٍ إلى تحقيق ذلك، فحب الشهرة والظهور هو من نداء النفوس المريضة حينما تشعر بالنقص والدون، فيضيع مقياس القناعة، ويغيب عن البال قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: “ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس”.
البحث عن الشهرة قدح في التوحيد قال صلَّى الله عليه وسلَّم : (إنَّ أوَّل النَّاس يُقضَى يوم القيامة عليه: رجلٌ
استُشهِد، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمه فعرَفها، قال: فما عَمِلتَ
فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتَّى استُشهدت، قال: كذبتَ ولكنَّك قاتلتَ لأنْ يُقال: جريءٌ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِر به فسُحِب على وجهه حتَّى أُلقِيَ في النَّار ” ثم مثله :رجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، والثالث :رجلٌ وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلِّه) كلهم يسحب على وجهه ثم يلقى في النار .
فهؤلاء الثَّلاثة ظاهر أعمالهم الطاعة : شَّهادة، أو تعليم
علم واقراء قرآن، أو إنفاق مال، ولكنَّهم أحبَطوا ثوابَ عمَلِهم بسبب طلب الشُّهرة بين النَّاس، وحب الظُّهور الذي يَقْصِم الظُّهور، فكانوا أوَّل من تُسعَّرُ بهم جهنَّم، فهم حطَبُها الأوَّل؛ لأنَّهم أرادوا أن يَكونوا أوَّلَ الناس، وعلى رأسهم، فعاقبَهم الله بمِثْل قصدِهم، والجزاء من جنس العمل، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
وطلب الشهرة مذموم مطلقا حتى في أمور الدنيا من غير
الطاعات ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : كَثِيرًا مَا يُخَالِطُ النُّفُوسَ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهَا تَحْقِيقَ مَحَبَّتِهَا لِلَّهِ وَعُبُودِيَّتِهَا لَهُ وَإِخْلَاصِ دِينِهَا لَهُ كَمَا قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ : يَا بَقَايَا الْعَرَبِ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ، قِيلَ لِأَبِي دَاوُد السجستاني : وَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ؟ قَالَ : حُبُّ الرِّئَاسَةِ )
حتى جاء نهيُ النبي عن لباسِ الشهرة كما عند أحمد
وأبي داود عنه أنه قال:( من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلّةٍ يوم القيامة) وفي لفظ عند أبي داود ( مَنْ لبس ثياب شهرة ألبسه الله ثياب مذلة تلتهب عليه نارا )
والشهرة بمثابة السبع الذي يفترس الإنسان إذا لم يتفطن لها ، كيف ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وعند الترمذي من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ )
فليس كلُّ مشهور ناجحًا أو ناجيًا عند الله تعالى، وليس كلُّ مغمور فاشلاً أو متأخِّرًا ، فعاشقُ الشهرة ـ عباد الله ـ لا ينظُر إلا إلى رضا الناس،وما يطلبه المستمعون لا ما يحتاجونه .
قارن هذا بحال صحابة رسول الله ، والسائرون نهجه صلَّى الله عليه وسلَّم القائل :(إنَّ الله يحبُّ العبد التَّقِيَّ الغنيَّ الخفيّ )
وماذا يغشاهم اذا حصل لهم شيء من ذلك وهم لم يطلبوه او بتقصدوه ، فهذا بُريدة بن الحصيب يقول: “شهدتُ خيبر، وكنت فيمن صعد الثُّلْمة، فقاتلتُ حتَّى رُئِي مكاني، وعليَّ ثوبٌ أحمر، فما أعلم أنِّي ركبتُ في الإسلام ذنبًا
أعظم عليَّ منه”؛ أيِ: الشُّهرة .
ولما حدث معاوية حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار قال رضي الله عنه: قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً حتى ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله)مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
وذكر الدارمي رحمه الله عن سليمان بن حنظلة ، قال:
( أتينا أبي بن كعب لنتحدث إليه ، فلما قام قمنا ، وبينما نحن نمشي إذا بعمر يعلو أبيَّا بالدرة ، فإذا بأبي رضي الله عنه يتقيها بذراعين ، فقال ماذا تصنع يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوما ترى هؤلاء ؟ فتنة للمتبوع ، مذلة للتابع )
المتبوع : يفتتن في دينه ، والتابع أذل نفسه .
تأمَّـل نزولاً إن تَكن حُزتَ العُلا فالشيءُ يَهوي إن تسامَى وارتفَع
مـا طـارَ طيرٌ مرّةً نحـو العـلا مُستمتعًا إلا كمـا طـار وقـع
وأصدَق منه وابلغ كَلام المصطفى فيما رواه البخاري إذ يقول:(حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا
وضعه(
بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والذّكر والحكمة، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، اما بعد :إن حب الظهور والشهرة مظنة الغرور والعجب بالنفس ، واتباع غريب الأمور وعدم قبول النصح والتعرض للفتنة .
فاسمع أخي المبارك : ما علمه أولئك الأخيار تلامذتهم بوَّب الدارمي رحمه الله في سننه قائلا [ باب من كره الشهرة والمعرفة ] ثم ذكر عن الحارث بن قيس الجعفي ، وكان من أصحاب عبد الله ، وكانوا معجبين به فقالوا :
( كان إذا جلس إليه الرجل والرجلان تحدث معهما ، فإذا كثروا قام وتركهم ) وقيل لعلقمة رحمه الله حينما مات عبد الله بن مسعود 🙁 لو قمت مقامه فعلمت الناس ؟فقال : أتريد أن توطأ عقبي ؟ ) قال إبراهيم بن أدهم 🙁 كانوا يكرهون أن توطأ أعقابهم ) أي أن يكون هناك أناس من
خلفهم ، بهرجا وتزينا .
وقال إبراهيمُ بن أدهم: “ما صدَقَ اللهَ عبدٌ أحبَّ الشُّهرة ” كما تضافرَتْ أفعالُهم في البعد عن الشُّهرة؛ رغبةً في ثواب الله – عزَّ وجلَّ – وإخلاصًا له؛ فعن صفوان بن عمر، قال: كان خالدُ بن معدان إذا عظمَتْ حلقتُه (أيْ: كثر تلاميذه في حلقة التَّدريس)، قام فانصرف، قيل لصفوان: ولِم كان يقوم؟ قال: كان يَكْره الشُّهرة )
قال الذهبيُّ معلِّقًا: ينبغي للعالِم أن يتكلَّم بنِيَّة وحُسْن قصد، فإنْ أعجبَه كلامُه فلْيَصمت، فإن أعجبه الصَّمت فلينطق، ولا يفتُرْ عن محاسبة نفسه؛ فإنَّها تحبُّ الظهور والثَّناء.
وقال إمامُ أهل السُّنَّة أحمدُ بن حنبل: أُريد أن أكون في شِعبٍ بمكَّة؛ حتَّى لا أُعرَف، قد بُلِيتُ بالشُّهرة، إنِّّي أتَمنَّى
الموت صباحًا ومساءً”
هكذا مضى السَّلف الصالِح على هذا المنهاج، وكان هذا دِينَهم ودَيدنَهم، فأين هذا من أقوامٍ غلبَهم حبُّ الشهرة.
عباد الله : إن من الصالحين من طلبته الشهرة مع فراره منها الا أنها لم تكن له هدفًا ، فعلى مَن ابتُلِي بها الصَّبرُ والمجاهدة، ومدافعَتُها قدر الإمكان دون الإخلال بوظيفته الصالحة في الحياة، قال المروذيُّ: قال لي أحمد: قل لعبدالوهاب: أخمل ذِكْرَك؛ فإنِّي أنا قد بُلِيت بالشُّهرة )ولعلها إن شاء الله من عاجل بشرى المؤمن .
عباد الله:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه امهات المؤمنين والصحابة اجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ،
، اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ فَرَجًا مِنْ عِنْدِكَ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ
فِي سَائِر بلاد المسلمين. اللَّهُمَّ فَرِّجْ كَرْبَهُمْ، وَارْحَمْ ضَعْفَهُمْ
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْبَاطِنِيِّينَ وَالصَّلِيبِيِّينَ وَمَنْ عَاوَنَهُمْ عَلَى
ظُلْمِهِمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ،اللهم انصر عبادك المرابطين على ثغور بلاد الحرمين , اللهم انصر جنودنا عسكر الإسلام والسنة ، ومنَّ عليهم بفتح مبين .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد يا ذا الجلال والإكرام
سبحان ربك …..
وقوموا الى صلاتكم .