بسم الله الرحمن الرحيم
يتبجَّح كثير من دعاة اللبرالية والنسوية وغيرها من المذاهب الإلحادية؛ بوصف المؤمنين، أهل العفاف، والحشمة، والأخلاق الكريمة، بأنهم شهوانيون، وعندهم “هوس” تجاه النساء! وتجدهم ينظرون باحتقار إلى إباحة شريعة الإسلام للتعدد، وعناية الشريعة بالحجاب والستر وتجريم التبرُّج والسفور، وإيجاب غض البصر، ومنع الاختلاط المحرم …إلخ، فيتظاهرون بالترفُّع عن هذه الأمور وأنهم لا يقيمون الإنسان إلا بفكره وعقله وروحه.
والواقع أننا لو فحصنا موقفهم تجاه الشهوات والنزوات، لوجدنا دينهم ومنهجهم مبنيٌّ على تعزيز الشهوات واتخاذها إلهًا، فهم دعاة حرية الزنا والإباحية، ودُعاة الإجهاض، بل أينما وُجد دُعاة اللـ.و اط تجدهم أول داعِمٍ لهم، ويسعون لإرغام المسلمين على التوقيع على المعاهدات الدولية التي تفتح أبواب الرذيلة والشذوذ، كوثيقة (سيداو) وغيرها، ليُفسدوهم كما أفسدوا أنفسهم.
بل من شدة هوسهم بالشهوات: يسعون بأيديهم وأرجلهم إلى إدخال منهج الثقافة الجنسية في مدارس الأطفال والإعلام الخاص بهم! وكأن البشرية كانت محرومة من معرفة كيفية معاشرة الرجل للمرأة حتى جاءنا هؤلاء المسوخ لنتعلم منهم هذا الشأن!
والناظر في حال النسويات تحديدًا، يجد منهجهن قائمًا على تعظيم واتباع هوى النفس وشهواتها، وإشباع نزواتهنّ.
فأتباع هذه الطائفة يستميتون في إباحة وشرعنة قتل الأنفس البريئة بما يسمى بالإجهاض، بزعم حرية المرأة في جسدها، وكذلك من الملاحظ سعيهم الدؤوب لإسقاط ما يسمونه بالنظام الأبوي لإلغاء دور الأسرة والمجتمع في تقويم الأبناء -ذكورًا كانوا أو إناثًا- لأجل أن تخرج الفتاة حيث شاءت ومع من شاءت، دون رقيبٍ ولا حسيبٍ؟ فيسهل افتراسها من الذئاب البشرية التي تترصد غفلةً من أوليائها.
ولا أنسى موقف ذاك الديوث (البوشي ود كوثر) وهو يُردد أن من أهداف ثورة ديسمبر -المشؤومة غير المجيدة- إسقاط تسلط الأخ على أخته في علاقتها مع الشبان!!
فالعقلاء عمومًا -والمسلمون خصوصًا- يسعون لحفظ الأعراض والأنساب، وحفظ مشاعر وقلوب الشباب والشابات بترك العلاقات المحرمة بكافة درجاتها، وأن يُسارعوا للزواج الذي فيه إشباع عاطفتهم وشهوتهم.
وأما إخوان الشياطين من الليبراليين والنسويات فيسعون لنقيض ذلك، بل جعلوا شهواتهم ونزواتهم إلهًا وطاغوتًا، وبابًا لتدمير الأسرة، بل والبشرية كلها.
فأيُّ الفريقين على صراط مستقيم؟ أهل الإسلام؟ أم أهل هذه الشهوات الشيطانية؟ وأيُّ الفريقين صاحب “هوس” مع النساء والشهوات؟
(إلى إخوة الإيمان، أخي المسلم، أختي المسلمة):
لنعلم أنَّ عاطفة الرجل تجاه المرأة، والمرأة تجاه الرجل، وميل كل واحدٍ منهما للآخر، هو من الأمور المهمة عند الإنسان ويصعب استقامة الحياة دونها، وهي أمرٌ فطريٌّ لا يُخالف فيه عاقل سويُّ الفطرةِ.
وأهمية الشهوة عند الإنسان لا تقل أهميةً من الطعام والشراب لأجل استقامة الحياة، لذلك جعلَتْ الشريعةُ إشباع هذه الشهوة بالطريقة الصحيحة من أكبر أهداف الزواج، كما أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ النبي ﷺ قال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فلعليه بالصوم، فإنه له وجاء». أي أنَّ من أعظم غايات الزواج: غضُّ البصرِ وتحصينُ الفرج.
والعواقب الناتجة عن سلوك الطرق غير المستقيمة لإشباع هذه الحاجة وخيمةٌ وواسعةُ الضرر على الفرد والمجتمع؛ لذلك اعتنَت الشريعة بهذا الأمر، وجعلت له ضوابط ومسارات تُحفظ بها حقوق الرجل والمرأة والطفل، وسائر المجتمع، وجعلت لذلك حدودًا ظاهرة، من تعدَّاها يُعرض نفسه للعقوبات، التي يصل بعضها إلى القتل!
وقد سدَّت شريعة الإسلام ذرائع الزنا والفواحش المتنوعة بوسائل كثيرة، ففيما يتعلق بالنظر: قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ الآية [النور: 30-31].
وفيما يتعلق بالخلوة: قال ﷺ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». متفق عليه.
وفيما يتعلق باللباس: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].
بل حتى طريقة المشي والكلام: قال تعالى: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32] وقال: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وكل ما نشاهدهُ اليوم من العلاقات العاطفية المحرمة بين الشباب والشابات من طلاب الثانوي والجامعات، أو بين الموظفين وزملاء العمل… هو محاولة منهم لملء هذا الفراغ الفطري والرغبة العاطفية التي تجذب كل واحد من الجنسين إلى نظيره، سواء كان الدافع الأساسي هو البحث عن المحبة والمودة، أو قضاء الشهوة الفطرية.
ولو أنَّ أحمقًا سارَ خلف أصحاب المبادئ الهدَّامة تاركًا تعاليم الإسلام وراء ظهره، وادَّعى أنه لا يهتم بالشهوات الحيوانية -حسب زعمهم- وأنه يحمل لفتاةٍ ما حُبًّا طاهرًا نقيًّا …
فمهما جلس هذا الشاب مع تلك الفتاة وأخذ يصف لها شوقه ومحبته من الصباح إلى الليل، فلن تزيده كثرة نظَرَاتهِ إليها وترديدِ شكواه عن اشتياقِهِ إلا حرارةً وعذابًا؛ بسببِ مُدافعته للشهوة التي يجدها كلُّ رجلٍ تجاه النساء، بل لو استمرَّ على هذه الحال فيُخشى أن يُصاب بمرض العشق وغيره من الأمراض الحسية والنفسية -عياذًا بالله-.
فحال هذا الشاب والشابة -من باب التقريب- كحال الرجل الجائع الذي يتفرّج على الطعام الشهي وهو يُشوَى أمامه ويمنع نفسه من أكله، ثم يتغزل بطيب رائحته وطعمه، وهو مستمر على الامتناع من أكله، فكيف سيكون حاله؟
وقد خلقَ اللهُ الرجلَ ضعيفًا تجاه المرأة، لذلك حذَّر النبي ﷺ الرجال من فتنة النساء في مواضع كثيرة، فإذا عرفتَ ذلك، فليس من الرجولة ولا العقل أن تتساهل في أمور النساء وتُعرِّض نفسك للفتن، بزعم القوة والقدرة على السيطرة …إلخ، فقد سُمي العقل عقلًا لأنه يَعقِلُ صاحبَهُ عن ارتكاب ما لا ينبغي.
فمن عرفَ قدرَ نفسِهِ وابتعدَ عن الفتن وعمَّا يضرُّهُ في دنياه وآخرته، كان ذلك من تمام عقلِهِ ودينِهِ، فليس كل ما يُشتهى يُفعَل، فمن مِنا لا يميل إلى النساء؟ لكن العاقل من أتى البيوت من أبوابها، ونهى نفسه عن الدخول في علاقةٍ تُغضب ربه، فرُبَّ علاقةٍ محرمةٍ استمتعتَ بها، فأفسدت ونغَّصت عليك الاستمتاع بما أباحه الله لك، ووجدت مغبَّة ذلك في الدنيا والآخرة.
فتعلقُ القلبِ بعلاقةٍ كهذه مجازفةٌ كبيرةٌ لا يُدرك خطورتَهَا قليلُ التجربةِ في الحياة، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾، ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟
وكثيرٌ مِن هؤلاء الشباب من أعظم أسباب انحرافهم في هذه العلاقات بُعدهم وغفلتهم عن دينهم، واغترارهم بالحياة الدنيا، لذا تجدهم اعتاضوا عن القرآن بالالتذاذ بسماع الأغاني التي تُهيِّج عواطفهم وتُزيِّن لهم هذه العلاقات المحرمة.
بل بعضهم عند فشل علاقته المحرمة مع الفتاة، تجده قد اتخذ الأغاني كالرقية! فيستمع للأغاني الحزينة لتسكين جُرحه، ويسرح به شيطانه في الخيالات المظلمة، وقد تُغويه شياطين الجن والإنس ونفسه الأمَّارة بالسوء إلى ما هو أسوأ من ذلك، فيبدأ بتعاطي الخمور والمخدرات، تقليدًا لما يشاهده في الإعلام، فيخسر عقله ومستقبله زيادةً على تحطُّم قلبه لهذه العلاقة المحرمة.
فلأجل هذا وغيره، سدَّت الشريعة الأمور التي تُوصل للزنا، من النظر المحرم، أو الخلوة، أو مصاحبة الفتيات، وحرمت تعطر وتبرج الفتيات عند خروجهن من البيت، ومنعت الاختلاط المؤدي للحرام …إلخ.
وفي المقابل حثّت على الزواج والمسارعة إليه؛ لإشباع هذه الرغبة العاطفية والغريزية، لاسيما في هذا الوقت الذي كثُرَت فيه المغريات ومُثيرات العواطف والشهوات، في الإعلام، ووسائل التواصل، وفي الجامعات، والشارع، …إلخ، فالشباب في هذا الوقت يعيشون معركةً كبيرةً مع هذه المُثيرات، فإن لم يُشبعوا احتياجاتهم بالحلال فيُخشى عليهم أن يُشبعوها بالحرام، لسهولة سُبُل الحرام في هذا الوقت أكثر من الماضي، فلابد من المسارعة للزواج لئلا يتضرر الإنسان بسببها عند تأخير الزواج، عاطفيًّا وجسديًّا.
نسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا، وأعراضنا، وذرياتنا.
كتبه/ محمد بن عبد الحفيظ
25 / 12 / 1443هـ
24 / 7 / 2022م