بسم الله الرحمن الرحيم
الشوكاني والصوفية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ,,, أما بعد :
الناظر في كتب الشيخ العلامة محمد بن علي الشوكاني اليماني رحمه الله, لا يستريب من مكانة هذا العالم الفذ, ويعلم يقينًا إنه من أبعد الناس عن فرق الضلالة من رافضة وصوفية ومعتزلية ومرجئة وحرورية, بل أن الشيخ رحمه الله قد حمل حملة شعواء على التقليد والمقلدة, حتى صنف في ذلك المصنفات المفردة, وفي هذا أكبر دلالة على براءته رحمه الله من الصوفية مذهبًا وانتسابًا, فالصوفية يقوم دينهم على التقليد المحض والتسليم الأعمى لمشايخهم, ويكفي في ذلك المثل المشهور القائل (( المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي مُغسّله )) !!
وإليك أيها القارئ الكريم النبيه المستعمل لنعمة العقل بعد تطعيمه بالشرع, بعض الأقوال الشوكانية الهادمة لزعم الزاعمين الناسبين زورًا وبهتانًا هذا العالم النحرير للطائفة الصوفية الغارقة في الانحراف والبدع والضلالات.
علمًا بأنني أعود للتأكيد بأن أهل الزهد والسلوك المنضبط بالكتاب والسنة قديمًا وحديثًا براء من هذه الطائفة الصوفية القبورية والتي وصلت في إنحرافها إلى المساواة بين الأديان كما نصت على ذلك وثيقة شيخ الأزهر الأخيرة المتضمنة :
– ” احترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية فى المجتمع “.
– ” ضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية مُعوِّقات، واحترام جميعمظاهر العبادة بمختلف أشكالها ” .
فرحم الله العلامة النقاد عبد الرحمن المعلمي اليماني الذي أكد على هذا الانحراف الخطير عند هذه الفرقة فقال أسكنه الله الجنة (رفع الاشتباه ص608) : ” وقد اشتهر في هذا العصر بين الباحثين أن من العقائد الأساسية للتصوف تساوي الأديان ” . انتهى
فاعلم رعاك الله بأن العلامة الشوكاني رحمه الله عندما عدّد المفاسد التي أصابت دين الإسلام, كالتعصب للمذاهب, جعل من أهم تلك المفاسد بدع وضلالات الفرقة الصوفية الضالة, فأوضح الحق فيها دون تفريط ولا إفراط, مع اسداء النصح والتوجيه لمن يريد الله له الهداية منهم.
فيقول العلامة الشوكاني رحمه الله : ” وَالْأَمر الثَّانِي هَذِه الاعتقادات الَّتِي حدثت لهَذِهِ الْأمة فِي صالحي الْأَمْوَات, حَتَّى صَار الرجل يقرن من يَعْتَقِدهُ من الْأَمْوَات بِمن يقلده مِنْهُم. فَيَقُول إِمَامه فِي الْمَذْهَب فلَان, وَشَيْخه فِي الِاعْتِقَاد والمحبة فلَان, وَهَذَا يَقُوله ظَاهرًا, وَهُوَ لَو كوشف ونطق بِمَا فِي ضَمِيره لقَالَ: وَشَيْخه الَّذِي يعول عَلَيْهِ فِي زَعمه عِنْد الشدائد فِي قَضَاء حاجاته ونيل مطالبه فلَان. وصمى صَامَ من خلف وأمام فَإِن هَذِه الداهية الدهياء والمصيبة الصماء العمياء.
فقد كَانَ أَوَائِل المقلدة يعتمدون على أئمتهم فِي الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة, ويعولون على آرائهم ويقفون عِنْد اختياراتهم, وَيدعونَ نُصُوص الْكتاب وَالسّنة, وَلَكنهُمْ لا ينزلون حوائجهم بِغَيْر الله عز وَجل, وَلَا يناجون سواهُ, وَلَا يرجون غَيره, وَلَا يعولون إِلَّا عَلَيْهِ, وَلَا يطْلبُونَ إِلَّا مِنْهُ, فهم وَإِن خلطوا صومهم وصلاتهم وحجهم وزكاتهم وَسَائِر عباداتهم ومعاملاتهم بآراء الرِّجَال, وقلدوا فِي كثير من تفاصيلها مَا لم يَأْذَن الله بتقليده, وَأخذُوا دينهم على الْوَجْه الَّذِي لم يَأْمر الله بِهِ وَلَا ارْتَضَاهُ لَهُم, لكِنهمْ لم يخلطوا فِي معنى لَا إِلَه إِلَّا الله, وَلَا تلاعبوا بِالتَّوْحِيدِ, وَلَا دخلُوا فِي أدوار الشّرك ومضايق الْجُحُود وبلايا الْجَاهِلِيَّة وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَأما هَؤُلَاءِ فعمدوا إِلَى جمَاعَة من الْأَمْوَات الَّذين لَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ, فقصدوهم فِي الْمُهِمَّات, وعكفوا على قُبُورهم, ونذروا لَهُم النذور, ونحروا لَهُم النحاير, وفزعوا إِلَيْهِم عِنْد الْمُهِمَّات.
فَتَارَة يطْلبُونَ مِنْهُم من الْحَاجَات مَا لَا يقدر عَلَيْهِ إِلَّا الله عز وَجل, وخصوهم بالنداء, وأفردوهم بِالطَّلَبِ, وَتارَة ينادونهم مَعَ الله عز وَجل ويصرخون بِأَسْمَائِهِمْ مَعَ اسْم الله سُبْحَانَهُ, فَيَأْتُونَ بِكَلِمَات تقشعر لَهَا جُلُود من يعلم معنى لَا إِلَه إِلَّا الله, وَيعرف مَدْلُول قل هُوَ الله أحد, وتلاعب بهم الشَّيْطَان فِي ذَلِك ونقلهم من مرتبَة إِلَى مرتبَة وَمن منزلَة إِلَى منزلَة, حَتَّى استعظموا من جَانب هَؤُلَاءِ الْأَمْوَات الَّذِي خلقهمْ الله ورزقهم وأحياهم وأماتهم مَا لَا يستعظمونه من جَانب بارئ الْبَريَّة وخالق الْخَالِق, يستعظمون جلّ اسْمه وَتَعَالَى قدره وَلَا إِلَه غَيره.
وأفضى ذَلِك إِلَى أَن أحدهم يحلف بِاللَّه تَعَالَى فَاجِرًا وَلَا يحلف بِمن يَعْتَقِدهُ من الْأَمْوَات, وَيقدم على الْمعْصِيَة فِي الْمَسَاجِد الَّتِي هِيَ بيُوت الله, وَلَا يقدم عَلَيْهَا عِنْد قبر من يَعْتَقِدهُ, وتزايد الشَّرّ وعظمت المحنة وتفاقمت الْمُصِيبَة حَتَّى صَار كثير مِنْهُم ينسبون مَا أَصَابَهُم من الْخَيْر, فِي الْأَنْفس وَالْأَمْوَال والأهل إِلَى ذَلِك الْمَيِّت, وَمَا أَصَابَهُم من الشَّرّ فِي ذَلِك إِلَيْهِ, وَقد صَار تَحت أطباق الثرى, وغيب عَن أعين الْبشر, وَصَارَ مَشْغُولًا عَاجِزًا عَن جر نفع إِلَيْهِ أَو دفع ضرّ عَنهُ منتظرا لما ينْتَظر لَهُ مثله من الْأَمْوَات, لَا يدْرِي مَا نزل بِهِ من هَؤُلَاءِ النوكاء, وَلَا يشْعر بِمَا ألصقوه بِهِ, وَلَو علم بذلك لجالدهم بِالسَّيْفِ ودفعهم بِمَا يقدر عَلَيْهِ.
وَمن أعظم الذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية أَنهم بالغوا فِي التأنق في عمَارَة قُبُور من يعتقدونه من الصَّالِحين, ونصبوا عَلَيْهَا القباب, وَجعلُوا على أَبْوَابهَا الحُجّاب, وَوَضَعُوا عَلَيْهَا من الستور الْعَالِيَة والآلات الرائعة مَا يبهر النَّاظر إِلَيْهِ, وَيدخل الروعة فِي قلبه ويدعوه إِلَى التَّعْظِيم, كَمَا جبلت عَلَيْهِ طبائع الْعَوام من دُخُول المهابة فِي قُلُوبهم والروعة فِي عُقُولهمْ بِمَا يتعاطاه المريدون لذَلِك, كَمَا يَفْعَله غَالب مُلُوك الدُّنْيَا من الْمُبَالغَة فِي تَزْيِين مَنَازِلهمْ وتعظيمها .. وصنع هَؤُلَاءِ القبوريون كصنعهم, فَفَعَلُوا فِي الْأَمْوَات من جوالب التَّعْظِيم, وَأَسْبَاب الهيبة, مَا يكون لَهُ من التَّأْثِير فِي قُلُوب من يزورهم من الْعَامَّة, مَا لَا يقادر قدره ثمَّ يزِيد ذَلِك قَلِيلًا قَلِيلًا, حَتَّى يحصل لَهُم من الِاعْتِقَاد فِي أُولَئِكَ الْأَمْوَات مَا يقْدَح فِي إسْلَامهمْ ويخدش فِي توحيدهم.
وَلَو اتبع النَّاس مَا أرشد إِلَيْهِ الشَّارِع من تَسْوِيَة الْقُبُور كَمَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره من حَدِيث أبي الْهياج قَالَ: قَالَ لي عَليّ بن أبي طَالب: أَلا أَبْعَثك على مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : “أَن لَا تدع قبرًا مشرفًا إِلَّا سويته, وَلَا تمثالا إِلَّا طمسته “.
فَانْظُر كَيفَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِيرًا لهدم الْقُبُور المشرفة وطمس التماثيل هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ثمَّ بعث عَليّ أَيَّام خِلَافَته أَمِيرًا على ذَلِك هُوَ أَبُو الْهياج.
ويلتحق بالأمرين الْمَذْكُورين أَمر ثَالِث وَإِن لم تكن مفسدته كمفسدتهما وَلَا شُمُوله كشمولهما, وَهُوَ مَا صَار عَلَيْهِ هَذِه الطَّائِفَة المدعوة بالمتصوفة, فقد كَانَ أول هَذَا الْأَمر يُطلق هَذَا الِاسْم على من بلغ فِي الزّهْد وَالْعِبَادَة إِلَى أعلا مبلغ, وَمَشى على هدى الشَّرِيعَة المطهرة وَأعْرض عَن الدُّنْيَا وَصد عَن زينتها وَلم يغتر ببهجتها, ثمَّ حدث أَقوام جعلُوا هَذَا الْأَمر طَرِيقًا إِلَى الدُّنْيَا, ومدرجًا إِلَى التلاعب بِأَحْكَام الشَّرْع, ومسلكًا إِلَى أَبْوَاب اللَّهْو والخلاعة, ثمَّ جعلُوا لَهُم شَيخًا يعلمهُمْ كَيْفيَّة السلوك, فَمنهمْ من يكون مقْصده صَالحًا وطريقته حَسَنَة, فيلقن أَتْبَاعه كَلِمَات, تباعدهم من الدُّنْيَا, وتقربهم من الْآخِرَة, وينقلهم من رُتْبَة إِلَى رُتْبَة, على أعراف يتعارفوها, وَلكنه لَا يَخْلُو غَالب ذَلِك من مُخَالفَة للشَّرْع وَخُرُوج عَن كثير من آدابه, وَالْخَيْر كل الْخَيْر فِي الْكتاب وَالسّنة فَمَا خرج عَن ذَلِك فَلَا خير فِيهِ, وَإِن جَاءَنَا أزهد النَّاس فِي الدُّنْيَا وأرغبهم فِي الْآخِرَة وأتقاهم الله تَعَالَى وأخشاهم لَهُ فِي الظَّاهِر, فَإِنَّهُ لَا زهد لمن لا يمش على الْهدى النَّبَوِيّ, وَلَا تقوى وَلَا خشيَة لمن لم يسْلك الصِّرَاط الْمُسْتَقيم, فَإِن الْأُمُور لَا تكون طاعات بالتعب فِيهَا وَالنّصب, وإيقاعها على أبلغ الْوُجُوه, بل إِنَّمَا تكون طاعات خَالِصَة مَحْضَة مباركة نافعة بموافقة الشَّرْع, وَالْمَشْي على الطَّرِيقَة المحمدية.
وَاعْتبر بالخوارج فقد وَصفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا وصف من تِلْكَ الْعِبَادَات والمجاهدات الَّتِي لَا تبلغ عبادتنا وَلَا مجاهدتنا إِلَى شئ مِنْهَا وَلَا تعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا, وَمَعَ هَذَا فَقَالَ: ” إِنَّهَا لَا تجَاوز تراقيهم ” وَقَالَ: ” إِنَّهُم يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية” وَقَالَ: ” إِنَّهُم كلاب النَّار ” .
فَانْظُر كَيفَ كَانَت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم اللَّيْل وصيامهم النَّهَار نقمة عَلَيْهِم وبلية ومحنة لَهُم, لم تعد عَلَيْهِ بنفع قطّ, إِلَّا مَا أصيبوا بِهِ من الخسار والنكال والوبال, فَكَانَت تِلْكَ الطَّاعَات الصورية من صَلَاة وَصِيَام وتهجد وَقيام هِيَ نفس الْمعاصِي الْمُوجبَة للنار, وَهَكَذَا كل من رام أَن يُطِيع الله على غير الْوَجْه الَّذِي شَرعه لِعِبَادِهِ وارتضاه لَهُم, فَإِنَّهُ رُبمَا يلْحق بالخوارج بِجَامِع وُقُوع مَا أطاعوا الله بِهِ على غير مَا شَرعه لَهُم فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله .
وَإِنِّي أخْشَى أَن يكون من هَذَا الْقَبِيل مَا يَقع من كثير من المتصوفة من تِلْكَ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال الَّتِي ظَاهرهَا التنفير عَن الدُّنْيَا والبعد عَن أَهلهَا والفرار عَن زينتها مَعَ تِلْكَ الْوَظَائِف الَّتِي يلازمونها من التخشع والإنكسار والتلهب والتأسف والصراخ تَارَة والهدوء تَارَة أُخْرَى والرياضيات والمجاهدات مُلَازمَة أذكار يذكرُونَ بهَا لم ترد فِي الشَّرْع على صِفَات لم يَأْذَن الله بهَا مَعَ مُلَازمَة تِلْكَ الثِّيَاب الخشنة الدرنة وَالْقعُود فِي تِلْكَ المساطب القذرة وَمَا يَنْضَم إِلَى ذَلِك من ذَلِك الهيام والشطح وَالْأَحْوَال الَّتِي لَو كَانَ فِيهَا خير لكَانَتْ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الَّذين هم خير الْقُرُون.
وَلَا أنكر أَن فِي هَذِه الطَّائِفَة من قد بلغ فِي تَهْذِيب نَفسه وغسلها من الطواغيت الْبَاطِنَة والأصنام المستورة عَن النَّاس كالحسد وَالْكبر وَالْعجب والرياء ومحبة الثَّنَاء والشرف وَالْمَال والجاه مبلغًا عَظِيمًا وارتقى مرتقًا جسيمًا.
وَلَكِنِّي أكره لَهُ أَن يتداوى بِغَيْر الْكتاب وَالسّنة وَأَن يتطبب بِغَيْر الطِّبّ الَّذِي اخْتَارَهُ الله لِعِبَادِهِ فَإِن فِي القوارع القرآنية والزواجر المصطفوية مَا يغسل كل قذر ويرخص كل درن ويدمغ كل شهية وَيدْفَع كل عَارض من عوارض السوء.
فَأَنا أحب لكل عليل فِي الدّين أَن يتداوى بِهَذَا الدَّوَاء فيعكف على تِلَاوَة كتاب الله متدبرا لَهُ متفهما لمعانيه باحثًا عَن مشكلاته سَائِلًا عَن معضلاته ويستكثر من مطالعة السِّيرَة النَّبَوِيَّة ويتدبر مَا كَانَ يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ليله ونهاره ويتفكر فِي أخلاقه وشمائله وهديه وسمته وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابه وَكَيف كَانَ هديهم فِي عِبَادَتهم ومعاملاتهم.
فَإِنَّهُ إِذا تداوى بِهَذَا الدَّوَاء ولاحظته الْعِنَايَة الربانية وجذبته الْهِدَايَة الإلهية فَازَ بِكُل خير مَعَ مَاله من الْأجر الْكثير وَالثَّوَاب الْكَبِير فِي مُبَاشرَة هَذِه الْأَسْبَاب.
وَإِذا حَال بَينه وَبَين الِانْتِفَاع بِهَذِهِ الْأُمُور حَائِل وَمنعه من الظفر بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مَانع فقد نَالَ بِتِلْكَ الْأَسْبَاب الَّتِي بَاشَرَهَا أجرًا عَظِيمًا لِأَنَّهُ طلب الْخَيْر من معدنه ورام نيل الرشد من موطنه فَكَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الأشغال من الْأجر مَا لطلبة علم الشَّرْع لِأَنَّهُ قد جهد نَفسه فِي الْأَسْبَاب وَلم يفتح لَهُ بَاب.
فَانْظُر كم بَين هذَيْن الْأَمريْنِ من الْمسَافَة الطَّوِيلَة فَإِن طَالب الرشد بِغَيْر الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة لَا يَأْمَن على نَفسه بعد الْوُصُول إِلَى مَطْلُوبه من أَن يكون صنعه كصنع الْخَوَارِج فِي خسرانهم بِمَا ظنوه ربحًا ووقوعهم فِي الظلمَة وَقد كَانُوا يظنون أَنهم يلاقون صبحًا لأَنهم خالفوا الطَّرِيقَة الَّتِي أرشد الله إِلَيْهَا عباده وَأمرهمْ بسلوكها.
وَإِذا كَانَ هَذَا الْأَمر مجوزا فِي طلبة الْخَيْر من غير طَرِيق الشَّرْع كصلحاء الصُّوفِيَّة[1] اللَّذين لَا رَغْبَة لَهُم فِي غير تَهْذِيب أَخْلَاقهم على وَجه يُوجب زهدهم فِيمَا ترغب النُّفُوس إِلَيْهِ وتتهالك الطبائع البشرية عَلَيْهِ فَمَا ظَنك بِمن كَانَ من متصوفة الفلاسفة الَّذين يدورون بمرقعاتهم وأبدانهم القشفة وثيابهم الخشنة ووجوههم المصفرة حول مَا يَقُوله الفلاسفة من تِلْكَ المقالات الَّتِي هِيَ ضد الشَّرْع وَخلاف لَهُ وينهقون عِنْد إِدْرَاك شئ من تِلْكَ المعارف الشيطانية نهيقا مُنْكرا ويسمون ذَلِك حَالا وَهُوَ عِنْد التَّحْقِيق حَال حَائِل عَن طَرِيق الدّين وخيال مائل عَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ.
وللرد على هَؤُلَاءِ جمعت الرسَالَة الَّتِي سميتها الصوارم الْحداد هِيَ من المجموعات الَّتِي جمعتها فِي أَيَّام الحداثة وأوائل الشَّبَاب[2].
وَبعد هَذَا كُله فلست أَجْهَل أَن فِي رجال هَذِه الطَّائِفَة الْمُسَمَّاة بالصوفية من جمع الله لَهُ بَين الْمُلَازمَة لهَذِهِ الشَّرِيعَة المطهرة وَالْمَشْي على الطَّرِيقَة المحمدية والصراط الإسلامي مَعَ كَونه قد صَار من تصفية بَاطِنه من كدورات الْكبر وَالْعجب والحسد والرياء وَنَحْوهَا بِمحل يتقاصر عَنهُ غَيره ويعجز عَنهُ سواهُ.
وَلَكِنِّي فِي هَذَا المُصَنّف بِسَبَب الْإِرْشَاد إِلَى الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة والتنفير عَمَّا عداهما كَائِنا مَا كَانَ فلست أحب لمن أَرَادَ الْقرب إِلَى الله والفوز بِمَا لَدَيْهِ وَالظفر بِمَا عِنْده أَن يتسبب إِلَى ذَلِك بِسَبَب خَارج عَنْهُمَا من رياضة أَو مجاهدة أَو خلْوَة أَو مراقبة أَو يَأْخُذ عَن شيخ من شُيُوخ الطَّرِيقَة الصُّوفِيَّة شَيْئا من الاصطلاحات الموصلة إِلَى الله عِنْدهم[3] بل يطْلب علم الْكتاب وَالسّنة ويأخذهما عَن الْعلمَاء المتقنين لَهما المؤثرين لَهما على غَيرهمَا المتجنبين لعلم الرَّأْي وَمَا يُوصل إِلَيْهِ النافرين عَن التَّقْلِيد وَمَا يحمل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك سلك مَسْلَك النُّبُوَّة وظفر بهدى الصَّحَابَة وَسلم من الْبدع كائنة مَا كَانَت فَعِنْدَ ذَلِك يحمد مسراه ويشكر مسعاه ويفوز بِخَير أولاه وأخراه “. انتهى
فيا أيها المريد المغتر بمن تُعظّم اتق الله العظيم وعظّم براهينه, واحذر من أن تكون ممن سيقال لهم :
{أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} .
فالنجاة النجاة {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} والله الموفق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين .
وكتبه / أبو طارق علي بن عمر النهدي
ربيع الأول لعام 1433 للهجرة على صاحبها الصلاة والسلام.
[1] المقصود بالصلاح مقارنة بغيرهم من أهل الإتحاد ووحدة الوجود والحلول وغيرها من الاعتقادات الكفرية, فإن الصلحاء منهم هم الذين يرومون الخير من غير طريق الشرع ! فكيف بالطلحاء !؟
[2] في هذا بيان أن هذه الرسالة من أواخر مؤلفات الشوكاني رحمه الله, وهذا يبطل زعم من زعم بأن الشوكاني تصوف أخرًا
[3] وهذا تصريح يفيد إنكار استحبابه الأخذ عن الطرقية, مما يلقي الشك في المنقول عنه في البدر الطالع في أخذه الذكر على الطريقة النقشبندية, وأن ذلك إما أنه قد دس في كتابه أو قد تراجع عنه وجرى ذكره من باب الإخبار لا الإقرار والله أعلم.