العلوم الشرعية سبيل العزة
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته…. أما بعد:
فإننا خُلقنا لعبادة الله وهي الغاية الأساس قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وهذه العبادة لا تتحقق اعتقاداً وعملاً إلا بمعرفة العلم وهو الوحي قال سبحانه: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
والعلم قسمان:
القسم الأول: علم واجب وهذا نوعان:
النوع الأول/ علم واجب على كل مسلم ومسلمة وهو تعلم فروض الأعيان كأحكام الطهارة والغسل وأحكام الصلوات الخمس وهكذا… وكذلك تعلم الاعتقاد الصحيح في الله كتعلم معنى كلمة التوحيد وهو ألا يعبد إلا الله وتعلم شروطها وهكذا..
النوع الثاني/ علم واجب يختلف باختلاف الناس كتعلم أحكام البيع والشراء لمن يبيع ويشتري وأحكام الزكاة لمن عنده مال يزكى وهكذا..
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/ 156): “ثم إن العلم بالمفروض تعلمه ضربان: ضرب منه فرض عين لا يسع مسلماً جهله…”. اهـ.
القسم الثاني: علم مستحب وهو ما عدا هذا من العلوم الشرعية.
تنبيهان:
التنبيه الأول/ العلم الممدوح في الكتاب والسنة هو العلم الشرعي دون العلوم الدنيوية كعلم الطب والهندسة وغير ذلك، يدل لذلك أن الله بعث النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بالعلم الشرعي دون غيره.
التنبيه الثاني/ لا يصح أن يقال في العلوم الدنيوية كعلم الطب والهندسة إنها من فروض الكفايات لأنه لا دليل على ذلك ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأمة أن تسعى لتحصيل هذه العلوم.
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/ 157): “وأما فرض الكفاية فلا أعلم فيه ضابطاً صحيحاً، فإن كل أحد يدخل في ذلك ما يظنه فرضاً، فيدخل بعض الناس في ذلك علم الطب وعلم الحساب وعلم الهندسة والمساحة، وبعضهم يزيد على ذلك علم أصول الصناعة كالفلاحة والحياكة والحدادة والخياطة ونحوها، وبعضهم يزيد على ذلك علم المنطق وربما جعله فرض عين وبناه على عدم صحة إيمان المقلد، وكل هذا هوس وخبط، فلا فرض إلا ما فرضه الله ورسوله، فيا سبحان الله هل فرض الله على كل مسلم أن يكون طبيباً حجاماً حاسباً مهندساً أو حائكاً أو فلاحاً أو نجاراً أو خياطاً، فإن فرض الكفاية كفرض العين في تعلقه بعموم المكلفين وإنما يخالفه في سقوطه بفعل البعض… “. اهـ.
وإنه مع شدة حاجة الأمة للعلم الشرعي، وذلك أنها أحوج إليه من الهواء الذي تتنفسه والطعام والشراب الذي تحيا به أبدانهم إلا أن كثيراً من الأمة مقصر في تحصيله ومعرفته، وهذا من أعظم أسباب انتشار الشرك والبدع في بلاد العالم الإسلامي مما أدى إلى تأخر الأمة الإسلامية وجعلها في مؤخرة الركب.
فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما ارتفع إلا بتوبة، ولا تصلح حال الأمة إلا بصلاح حال أفرادها قال تعالى {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا } وقال {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وقال {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } وقال { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
وإن سبيل رقي الأمة في تحصيل العلم الشرعي يرجع لأسباب كبيرة؛ منها:
الأمر الأول: قناعتها بأنها في حاجة ماسة للعلم الشرعي، وهذا دور العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله لإقناعهم بذلك.
الأمر الثاني: سعي العلماء وطلاب العلم في تعليم الأمة العلم النافع، والاعتقاد الصحيح، وتعليم الأمة يكون بتسهيل العلم وتقريبه، واستغلال المواسم والحوادث وهكذا.
وأخيراً… إن الأمة ابتلت بدعاة وأشباه طلاب علم أشغلوها بما لا ينفعها أو بما قل نفعه عن العلم النافع، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من علم لا ينفع. أخرجه مسلم عن زيد بن أرقم.
يا قوم إن الأمة أمانة في أعناقكم وأنتم محاسبون عن حرمانها ما ينفعها من العلم النافع والعمل الصالح بإشغالها بمثل القضايا السياسية التي لو أرادوها وجدوها عند غيركم أحسن مما هو عندكم، وإنما الشيء الذي تميزتم به هو العلم والدعوة إليه، فكيف بمن يشغل الأمة بما هو محرم شرعاً كالثورة على الحكومات ونشر عيوبها لتشحن الصدور على الولاة مما يجعل الناس قابلين للثورات التي مآلها إفساد الدنيا والدين والواقع خير شاهد.
يا أمة الإسلام أفيقي، وعلى ما ينفعك مما خلقت من أجله احرصي، وعمن يريد أن يشغلك عن ذلك أعرضي، ولو قنعه بقناع الدين والدين منه براء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
@dr_alraies
12 / 7 / 1434هـ