الفارق بين السلفي والقطبي المارق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
القطبيون يرون أنّ أول واجبٍ متعيّن على العباد هو إرجاع حقّ الله تعالى إليه، وردّ مُلكه المُغتصب، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب، فأهمّ الواجبات عندهم وأعظمُها وآكدُها هو منازعةُ ولاة الأمر حُكمهم، والخروج عن طاعتهم، والسّعي لتغيير الحكومات وقلب الأنظمة .
من أجل ذلك يدخلون في الُلعبة السياسية، وينازعون أهلها، ويتحايلون بالميكافيلية، والتُقية السياسية من أجل الوصول إلى السّلطة والاستيلاء على سُدّةِ الحكم.
ويُهدرون في سبيل القفز على السّلطة، والوصول إلى مآربهم الدنيوية ومطامعهم الشخصية دعوة الناس إلى معنى لا إله إلا الله الذي بُعثت من أجله الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهو إفراد الله وحده لا شريك له بالعبادة والبراءة من المعبودات الباطلة والآلهة الزائفة كما في قوله تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } (36) سورة النحل
وقوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء
وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات
فيرى أهلُ هذه البدعة المضلّة أنّ الاعتقاد بهذا المعنى الصحيح لكلمة التوحيد، والقيام بمتطلّباتها، يُضعفُ وهج دعوتهم، ويُفرّق جموعهم، ويشوّش عليهم مسيرتهم، فيقوم منظّروهم ودعاتهم، بأمرين اثنين:
أولهما: تحريف معنى لا إله إلا الله، فيدّعون أنّ ما هم عليه من منافسة على مقاعد البرلمانات، واحتشاد في سبيل نُصرة أحزابهم، والوفاء لديمقراطيتهم هو معنى كلمة التوحيد الذي بُعثت من أجل تحقيقه الأنبياء والرسل عليهم السلام، والذي عطّلته البشرية وارتدّت عنه، ونكصت الأمةُ كلّها عن القيام بمهامّه وأعبائه، ووجب عليهم دلالة البشرية عليه ودعوتها حتى تُذعن لحاكميته.
ثانيهما: تهميش المعنى الحقّ لكلمة لا إله إلا الله، الذي قامت دعوة الأنبياء والرسل عليهم السلام من أجله، وذلك بالسُخرية من دعاة التوحيد والمبشرين به والمنافحين دونه.
ويُسمّون الشرك الذي كان أولئك الأنبياء والرسل عليهم السلام يُحاربونه، ويُجاهدون في سبيل استنقاذ النّاس منه، شرك القبور أو الشّرك البدائي أو الشّرك الساذج، فيقللون من شأنه، ويحقّرون من أمرِ محاربته، ويسفّهون أحلام الدعاة المستفرغين وسعهم وطاقتهم وجُهدهم في دعوة الناس إلى البراءة منه والخُلوص من شرَكَه.
ومفترقُ الطّرق بين السّلفي والقطبيّ هو أن يدخلا بلدا من أجل الدعوة إلى الله تعالى، فإنّ السلفي يبدأ بدعوة النّاس إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، والبراءة من الشّرك والأوثان، وينهى النّاس عن اتّخاذ الوسطاء أو الشفعاء الذين يُدعون ويُتقرّب إليهم من دون الله، ثم يدعو الخلق بعد ذلك إلى القيام ببقية دعائم الإسلام وأركانه وفرائضه وشُعبه، فيعظّم ما عظّمه الله، ويُقدّم ما أمره الله بتقديمه، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: ( إنّك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افْتَرَضَ عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب (
أما مسألة التمكين في الأرض والاستخلاف، فهو أمرٌ بيد الله وحده، يمنُّ به على من يشاء من عباده.
يقول الله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ .. الآيةَ} (55) سورة النــور
ويقول: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ… الآية} (26) سورة ص
ويقول الله عن ذي القرنين:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (84) سورة الكهف
ويقول سبحانه: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ …ِ} (41) سورة الحـج
ويقول: {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ } (56) سورة يوسف
فالاستخلاف والتّمكين في الأرض وعدٌ من الله وحده، تكفّل بتحقيقه لعباده الموحدين، الذين استجمعوا الشروط التي نصّ الله عليها في هؤلاء الآيات، وانتفت عنهم الموانع التي تعوق مسيرة استخلافهم وتمكينهم، فهذه طريقة الأنبياء والرسل عليهم السلام في دعوتهم وجهادهم، والواجب اتّباعهم في ذلك والتأسّي بهم، قال تعالى: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } (90) سورة الأنعام
أما القطبيّ فإذا نزل ببلد من البلدان من أجل الدعوة إلى الله، فإنّ عينَهُ تتّجهُ مباشرةً إلى السُلطة، وترمُق الحكم، وتهفو إلى الرئاسة، ويسعى إلى سلوك أقرب الطرق وأسرع الوسائل الموصلة إلى قُبّة البرلمان، ويستقوي بكثرة الأنصار والأعوان والأتباع، مهما كانت عقائدهم وأفكارهم ونِحلهم من أجل جمع أكبر عدد من أصوات النّاخبين حتى يفوز بالأغلبيّة السّاحقة، ثم إذا حقّق مطلبهُ ونال بُغيتهُ، وتمكّن حزبه من بسط نفوذه والهيمنة على المقاعد، والفوز بالحقائب الوزارية، وظفر بالسّلطة التي كان يسعى لنيلها، ويُمنّي النفس بتولّيها، فإنّ سادتهُ وكُبراءه عند ذلك ينسون القضيّة التي جاءوا من أجل تحقيقها، وتصبحُ الحاكمية أمرا يستحيون من ذكره أو الدعوة إليه أو الإفصاح عن معناه.
فيبدّلون من أجل البقاء في السلطة هتافاتهم، ويُغيّرون أولويّاتهم، ويُديرون ظهورهم لمن صدّقوا شعاراتهم واتّبعوا أكاذيبهم، فيدعون إلى الحرية قبل الشريعة أو إلى الشّرعيّة قبل الشّريعة أو يُطالبون بالشّريعة لا بتحكيم الشّريعة!!
كتبه محمد بن علي الجوني العسيري
الجمعة 1435/6/4