بسم الله الرحمن الرحيم
قال سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، وهذا الأمر بالقرار وإن كان في سياق مخاطبة أمهات المؤمنين – رضي الله عنهنَّ – ليس خاصًّا بهن، بل الحكم عام يشمل جميع النساء، ويوضح ذلك الأدلة الأخرى العامة الآمرة بالستر والقرار، من أمثلة ذلك: تفضيل صلاة المرأة في بيتها على الخروج للمسجد كما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»، وتأمل كيف أن الأصل في قرار المرأة في بيتها مُقدم حتى على العبادة في المساجد التي هي أكثر الأماكن بُعدًا عن الفتن! وغيرها من الأدلة الكثيرة بهذا المعنى.
ثم إن الأصل في الأوامر الشرعية أنها تشمل الجميع ما لم يأت دليل على التخصيص، بل ويشمل ذلك حتى الأنبياء كما روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «وإنَّ اللهَ أمَرَ المؤمنين بما أمَرَ به المُرسَلين».
ويظن بعض النساء المتأثرات بالتغريبيين ودعاة الانحلال أن هذا نوع من التسلط الذكوري على النساء، أو الانتقاص لحقوقهن في الخروج للعمل مثل الرجال، ويعتبرن المرأة لا تقل شأنًا عن الرجل في مجال الدراسة والعمل والإنتاج.
لكن هناك حقائق لا تُفهم ولا يُعتَرف بها إلا من خلال التجربة والممارسة الفعلية، ومن ذلك: أن المرأة المتزوجة وإن كانت من متطرفات الحركة النسوية، فإنها لن تستطيع الجمع بين الحمل والولادة والرضاعة من جهة، والعمل الوظيفي من جهة أخرى – وإن كان من أسهل الأعمال في المشقة وساعات العمل – ولا يُنكر ذلك إلا مُكابر.
وهذه الحقيقة أحد الأسباب التي جعلت رواتب النساء في معظم أنحاء العالم أقل من رواتب الرجال، حتى في الدول الكافرة التي ألغت جميع الفروق بين الرجال والنساء، إذ كيف يُنفق صاحب العمل على موظف يعمل طيلة السنة دون انقطاع إلا في الإجازة الرسمية، وبين موظف يأخذ إضافةً على ذلك إجازة للحمل والولادة والنفاس …؟ وغير ذلك من العوامل الناتجة عن طبيعة خلقة النساء المغايرة للرجال.
وهذه الحقيقة المؤسفة تفسر لنا عدة ظواهر سيئة سبَّبتها مخالفة النساء للقرار في البيت عمومًا، وبشكل خاص الخروج للعمل بصورته المعاصرة:
- (مخالفة الشريعة بترك القرار في البيت والخروج دون حاجة حقيقية):
فانفتاح سوق العمل للنساء بالصورة المعاصرة أنسى كثيرًا من النساء هذا الأمر: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، ويستغرب الكثير منهن إذا ذكَّرتها بذلك، فصار الأصل عندهن الخروج وليس القرار في البيت!
- (تأجيل أو عزوف كثير من النساء عن الزواج):
فكثير من النساء يؤجلن الزواج لسن متأخر قد يصعب معه الإنجاب، إما لأنه يُعيق التقدم في العمل أو بسبب الخوف من التأثير على مسيرتهن المهنية – وهذه حقيقة لا مفر منها – وبعضهن قد تصل إلى حد الإجهاض أو إهمال الأطفال لتجنب تأثير ذلك على حياتهن العملية.
- (زيادة حالات الطلاق):
بسبب التناقض بين مسؤوليات العمل المنزلية والوظيفية، مما يؤدي إلى توتر العلاقات الزوجية، وبسبب محاولة منافسة الرجل على قوامته لظنها أن أمر القوامة مقتصر على المال، فتساهلت كثير من النساء في طلب الطلاق اكتفاءً بوظيفتها لدرجة انتشار ظاهرة حفلات الطلاق بين بعض النساء!
- (انسلاخ الحياء من كثير من النساء):
نتيجةً للاختلاط المحرم في عامة بيئات العمل، فيُسبب تآكل الحياء والتساهل في العلاقات والصداقات بين الرجال والنساء التي منعتها الشريعة.
- (تفشِّي الزنا):
نتيجةً للاختلاط المحرم بين الرجال والنساء وذهاب الحياء، ونتيجةً لكثرة المُثيرات الشهوانية في الواقع وفي وسائل التواصل والإعلام، مع الاستغلال الجنسي من بعض أرباب العمل للمرأة من خلال الترغيب أو الترهيب، أضف إلى ذلك زيادة تعقيدات وتكاليف الزواج بسبب المنافسة بين الرجال والنساء على الفرص الوظيفية، وتأخير الزواج نتيجة لذلك، وفي ظل بيئة مختلطة تشجع على الفتن والشهوات: يُسهم ذلك وغيره في تزايد حالات الزنا، وهذا أمر مُشاهد.
فهذه الحقائق الملموسة تُظهر مكابرة من يلغي الفوارق بين الرجل والمرأة، ويزعم أن خروج المرأة بهذه الصورة المعاصرة أمر طبيعي وغير مؤثر!
وفي المقابل تزيدنا هذه الحقائق يقينًا بأن الله تعالى هو العليم الخبير بما يُصلح عباده في الدنيا والآخرة، {أَلا يَعْلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}؟