يقول السائل: ما حكم الجهر ببعض الآيات في الركعات السرية من الصلوات الجهرية؟
الجواب:
لعل مراد السائل الإسماع، يعني أن الإمام يقرأ ويُسمع من خلفه بعض الآيات، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة أنه لما ذكر صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الظهر والعصر، قال: وكان يُسمعنا الآية أحيانًا.
فالإسماع في أصله جائز ولا يُقال إنه سنة -والله أعلم- فإني لم أقف على كلام لأهل العلم ذكروا سنيته، فلذا من أراد أن يقول إنه سنة فيحتاج إلى سلف، فالأصل في الإسماع أنه جائز، ويختلف باختلاف دافعه، من أسمع ليُعلم من وراءها بأن هذا مكان قراءة، فكأنه يقول: اقرأوا قراءة سرية، فإن فعل ذلك فهذا من باب التعليم وهو مستحب لدافع ولعارض ولا يكون كثيرًا ولمن احتاج إلى ذلك، أما أصل الإسماع فهو جائز ولا يُقال إنه سنة لما تقدم ذكره.
وفي المقابل هناك أئمة يُكثرون من الإسماع في صلاتهم عند قراءتهم للفاتحة في الصلاة الجهرية أو ما للدعاء في سجودهم أو للذكر في ركوعهم، وهذا على خلاف السنة، بل من المأمومين من يُسمع كثيرًا في صلاته، وهذا خلاف السنة، بل قد يكون منهيًا عنه لأن فيه أذية للآخرين، وهذا ملحوظ لاسيما من بعض المأمومين الذين يُسمعون من وراءهم.
فينبغي ألا يُفعل مثل هذا وأن نلتزم هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يكون الهدي الغالب عدم الإسماع، فإن احتاج الإمام أن يُسمع لمصلحة فيُسمع عرضًا -وهو خلاف الأصل- وإلا فإن أصل الإسماع جائز ولا يُقال إنه مستحب كما تقدم.
يقول السائل: ما صحة قاعدة: من ابتُلي بشيء من المختلف فيه فليأخذ بقول من أجاز؟
الجواب:
قبل الجواب على هذه القاعدة، ينبغي أن تُعلم مقدمة: وهو أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ بقول لأنه الأسهل والأيسر، وهذا يسمى عند العلماء بتتبع الرخص، وتتبع الرخص محرم بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.
فإن كل آية أو حديث فيها الأمر بطاعة الله ورسوله والرجوع إلى الله ورسوله هو ردٌ على من يتتبع الرخص وبيان أن تتبع الرخص محرم شرعًا؛ لأن الذي يتتبع الرخص يجعل دافعه ومرجعه الرخصة، أما الأدلة الشرعية فقد أوجبت أن يكون المرجع هو الكتاب والسنة، كقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 59].
أما الإجماع فقد حكاه ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في كتابه (جامع بيان العلم وفضله)، وروى بإسناده عن سليمان التيمي أنه قال: “لو أخذت برخصة كل عالم لاجتمع فيك الشر كله”.
إذن لا يجوز لأحد أن يتتبع الرخص، وقد ابتُلي المسلمون في هذا الزمن بتتبع الرخص لاسيما من ضعفاء الدين، فإنهم كثيرًا ما يجعلون الرخصة حجة لهم، وما إن يسمعوا برخصة عالم إلا ويفزعون إليها وهذا لا يجوز شرعًا كما تقدم بيانه.
أما ما ذكر السائل فيقول: من ابتُلي بشيء من المختلف فيه فليأخذ بقول من أجاز. هذا خطأ، بل ينبغي لكل أحد إذا أراد أن يتعبد قبل العبادة أو أراد أن يعمل معاملة قبل العبادة وقبل المعاملة أو في أثناء العبادة وأثناء المعاملة يكون دافعه طاعة الله ورسوله، وطاعة الله ورسوله في مثل هذا يقال: الناس من حيث الجملة صنفان:
الصنف الأول: أهل اجتهاد وعلم شرعي، فهؤلاء يأخذون ما ظهر لهم بالدليل الشرعي.
الصنف الثاني: ليسوا كذلك وهم الأكثر، فالواجب في حقهم ما قال الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7] فيسألون الثقة لأنه ثقة ولأنه يغلب على الظن أن يُفتيهم بما يرضي الله، فيأخذون بقوله سواء كان عسيرًا أو يسيرًا، شديدًا أو سهلًا، هذا الذي ينبغي أن يُفعل.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.