يقول السائل: هل يجب الوضوء من مس الذكر؟ وهل الأم تتوضأ من مس ذكر ولدها الصغير؟
الجواب:
إنه على أصح قولي أهل العلم أنَّ مسَّ الذكر ناقضٌ للوضوء، ثبت عند الخمسة عن بسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- أنَّ النبي ﷺ قال: «من مسَّ ذكره فليتوضأ»، وصحح الحديث جماعةٌ من أهل العلم كالإمام البخاري والترمذي والإمام أحمد وابن معين وغيرهم من أهل العلم.
فهو حديثٌ صحيح ثابت عن رسول الله ﷺ، ولا يصح أن يُعارض بما روى الخمسة من حديث قيس بن طلق بن علي عن أبيه أنَّ رجلًا قال: مسست ذكري، أو قال: الرجل يمس ذكره في الصلاة، أعليه وضوء؟ قال ﷺ: «لا، إنما هو بضعة منك»؛ وذلك أنَّ قيس بن طلق ابن علي فيه كلام، وقد تكلم فيه الشافعي والرازيان وابن معين في أحد أقواله.
ثم لو صحَّ حديث قيس بن طلق بن علي عن أبيه فإنَّ حديث بسرة بنت صفوان مُقدم عليه لأنه ناقلٌ عن الأصل، والقاعدة الأصولية: إذا تعارض حديثان فإنَّ من المرجحات أنَّ ما كان ناقلًا عن الأصل فهو مُقدم عليه، فحديث: «من مسَّ ذكره فليتوضأ» ناقلٌ عن الأصل، وقد ذهب إلى الوضوء من مس الذكر من حيث الجملة الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك على تفصيل عنده -رحمه الله تعالى-.
ويتعلق بمس الذكر مسائل:
المسألة الأولى: أنَّ الذي ينقض الوضوء هو باطن الكف مع أصابعه لا اليد كلها، بمعنى: لو وقع ظهر اليد على الذكر لم يُنتقض الوضوء، وقد ذهب إلى هذا الشافعية وهو قول عند المالكية، وذلك أنَّ هذا هو العادة في التي تمسُّ الذكر.
المسألة الثانية: أنَّ مسَّ الذكر ينقض الوضوء ولو لم يتعمَّد الماسّ، مثله مثل الريح إذا خرجت ولو لم يتعمَّد الماس فإنه ينقض الوضوء، لعموم حديث بسرة بنت صفوان، وقد ذهب إلى هذا القول الإمام الشافعي وأحمد في رواية، وثبت عن ابن عمر -رضي الله عنه- عند مالك في الموطأ أنه اغتسل ثم وقعت يده على ذكره فأعاد وضوءه.
المسألة الثالثة: أنَّ الذي ينتقض وضوؤه عند مسَّ الذكر هو الماسّ لا وضوء الممسوس، فلو أنَّ امرأة مسَّت ذكر زوجها انتقضَ وضوؤها هيَ.
فإن قيل: ماذا يُقال في حديث: «من مسَّ ذكره فليتوضأ»؟
فيقال: هذا الحديث خرجَ مخرج الغالب، والقاعدة الأصولية: أنَّ ما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، وقد ذهب إلى أنَّ الذي ينتقض وضوءه الماس دون الممسوس الإمام الشافعي وأحمد في رواية.
المسألة الرابعة: إذا مسَّت المرأة ذكر صبيها فإنه ينتقض وضوؤها، لعموم حديث: «من مسَّ ذكره فليتوضأ».
فإن قيل: إنَّ الحديث يقول: «من مسَّ ذكره فليتوضأ»؟
فيقال: ذكر لفظ «ذكره» خرج مخرج الغالب، والقاعدة الأصولية: أنَّ ما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له. وقد ذهب إلى هذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد.
إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة المتعلقة بمسِّ الذكر، ثم ليُعلم أنَّ هذا الحكم ليس خاصًّا بالذكر، بل يدخل في ذلك قبل المرأة، ويدخل في ذلك الدبر، من مسَّ فتحة الدبر أو قبل المرأة أو مسَّت المرأة قبلها فإنه ينتقض وضوؤها، لما ثبت عند البيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “أيما امرأةٍ مسَّت فرجها فلتتوضأ”، والفرج شاملٌ للقبل والدبر، وقد جاء في ذلك حديث من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أيما رجل مسَّ فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مسَّت فرجها فلتتوضأ»، وصحح الحديث البخاري والحازمي، وذلك أنه لم يأت بحكم بجديد لأثر عائشة المتقدم -رضي الله عنها-.
فعلى هذا يُنتقض الوضوء بمسِّ القبل والدبر …إلخ، وقد ذهب إلى هذا الإمام الشافعي والإمام أحمد، وهو قول الإمام مالك على تفصيل عنده.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.