يقول السائل: كيف الجمع بين حديث النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة وبين حديث: «لا بأس طهور إن شاء الله»؟
الجواب:
يقال: ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- وأبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت».
ففي هذين الحديثين النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة، والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، لذا ذهب ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- إلى أن تعليق الدعاء بالمشيئة محرم، فلا يصح لأحد أن يقول: أسأل الله أن يتوب علينا إن شاء الله، أسأل الله أن يغفر لنا إن شاء الله، إلى غير ذلك من الألفاظ، فإنه لا يُقال في الدعاء: إن شاء الله.
فإن قيل: ماذا يُقال فيما روى البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل على مريض يعوده قال: «لا بأس طهور إن شاء الله»؟ ففي هذا الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن شاء الله»، وهذا دعاء معلق بالمشيئة؟
والجواب على هذا أن يُقال: إن العلماء متنازعون في قوله: «لا بأس طهور إن شاء الله» هل هو دعاء أم من باب الإخبار، وقد تكلم على هذا الحديث جمعٌ من أهل العلم كأبي الوليد الباجي، وابن حجر، وعلي القاري في كتابه (مرقاة المفاتيح)، وذكره غيرهم من أهل العلم.
وأصح ما يُقال -والله أعلم- أن هذا الحديث ليس من باب الدعاء وإنما من باب الإخبار، ويتضح ذلك بما يلي:
الأمر الأول: أن قوله: «طهور إن شاء الله» أي أن هذا المرض كفارة لك يُطهر آثامك، ومن المتقرر شرعًا أن المصائب كفارة ولو لم توجد نية، بما أن المصاب صابر فإنها تكفر خطاياه، فإذا وُجد مع ذلك احتساب رفعت درجته زيادة على تكفيره لخطاياه، وقد بيَّن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كما في (مجموع الفتاوى) وغيره، وابن القيم في كتابه (عدة الصابرين)، وذكره غيرهما من أهل العلم.
فإذن معنى حديث: «طهور إن شاء الله» أي: بما أنك مُصاب فهي كفارة لك، هذا أولًا.
ثانيًا: يقال إن الحديث محتمل أن يكون دعاء ومحتمل أن يكون إخبارًا، فهو محمول على الإخبار لا الدعاء، للتوفيق بين الأدلة، فقد جاء النهي عن قول (إن شاء الله) عند الدعاء، فبمقتضى الجمع بين الأدلة أن يُحمل هذا الحديث على الإخبار ولا يُحمل على الدعاء، فإن العمل بالدليلين أولى من إهمال أحدهما، وأولى من أن يُدعى أن بينهما تعارضًا.
وبنحو هذا الجواب قرر شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-
يقول السائل: هل للمنفرد أن يجهر بالقراءة الجهرية في الصلاة وأن يُسر في الصلاة السرية؟
الجواب:
يقال: إن المنفرد والمسبوق -أي من فاتت عليه ركعة أو ركعتان- يُستحب لهما إذا كانت الصلاة صلاة جهرية أن يجهرا بالقراءة، جهرًا لا يُؤذون به غيرهم، وإنما يحصل به تحقيق السنة، لأن الصلاة الجهرية يُجهر بها، وإن كانت الصلاة صلاةً سرية فإنهما لا يجهران بها بل يُسران، وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد، وثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عند مالك في الموطأ أنه كان مسبوقًا فجهر بقراءته لما كانت الصلاة مما يُجهر فيها.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وجزاكم الله خيرًا.