يقول السائل: هل هناك فرق بين السنة التركية والبدعة؟ وإذا كان هناك فرق فحبذا لو تذكر لنا بعضه.
الجواب:
إن مما ينبغي أن يُعلم أن السنة التركية من الطرق التي تُعرف بها البدع، وذلك أن المقصود بالسنة التركية هو أن يترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام فعل عبادة أو فعل وسيلة من وسائل العبادة مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فإذا كان الأمر كذلك وتركوا فعل هذه العبادة أو تركوا فعل هذه الوسيلة المؤدية إلى تلك العبادة فإن فعلها هذه العبادة أو هذه الوسيلة من البدع المحدثة.
وقد دل على السنة التركية أدلة من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعل الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، منها ما روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في قصة النفر الثلاث الذين سألوا عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنهم تقالّوها.
فقال أحدهم: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الآخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الثالث: وأما أنا فأصوم ولا أفطر.
فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- الخبر أنكر عليهم ثم قال: «أما أنا فأقوم الليل وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
فهذه أفعال أرادوا أن يفعلوها وقد تركها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالتعبد بما تركه بدعة.
ومن الأدلة ما ثبت في مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة أن بشير بن مروان كان يخطب وكان إذا أراد أن يدعو رفع يديه إلى السماء، فقال عمارة بن رؤيبة: “قبح الله هاتين اليدين، فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدعو أن يزيد على أن يشير بأصبعه السبابة”.
فإذن لما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء على المنبر برفع اليدين دل على أن فعل ذلك من البدع.
ومن الأدلة ما ثبت عند الدارمي وابن وضاح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه دخل المسجد فرأى الناس حلقًا في كل حلقة يقول أحدهم: كبروا الله مائة، هللوا الله مائة، فيكبرون ويُهللون مائة ويعدون ذلك بالحصى.
فأنكر عليهم عبد الله بن مسعود متمسكًا بأن هذا الفعل لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام.
وعلى هذا فقس.
إذن هذه هي السنة التركية، فكما أن السنة تكون بالفعل كصلاة الرواتب وقيام الليل، فكذلك السنة تكون بالترك، وقد استدل بالسنة التركية الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه (الرسالة)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الاقتضاء) وفي شرح (العمدة): كما أن فعله سنة فكذلك تركه سنة.
وقرر هذا ابن القيم في كتابه (الهدي) وفي كتابه (أعلام الموقعين)، وقرره الشاطبي في كتابه (الاعتصام)، وأبو شامة في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث)، وذكره غيره من أهل العلم.
وهذه السنة التركية مفيدة للغاية في تمييز العبادة التي يُراد أن يُتعبد بها هل هي سنة ترضي الله أم هي بدعة منكرة يجب تركها.
فإذن السنة التركية طريق لمعرفة البدع، ومن القواعد النفيسة ما ذكره ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن السنة التركية تُخصص العام وإذا خالفها القياس صار القياس فاسدًا، ويتضح هذا بالمثال:
المثال الأول: أمر الله بالذكر، كما قال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، فلو قال قائل: بمقتضى هذا النص يصح أن نذكر الله ذكرًا جماعيًا بعد الفرائض.
فيقال: هذا مُعارض بالسنة التركية، والسنة التركية تُخصص العام وتُقيد المطلق.
المثال الثاني: لو قال قائل: كما يُستحب أن تُصلى ركعتين بعد الطواف، فكذلك يُقاس على هذا بأن تصلى ركعتين بعد السعي.
فيقال: هذا القياس مُعارض بالسنة التركية، فيكون قياسًا فاسدًا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يعملوا بهذا القياس، فيكون قياسًا فاسدًا.
بهذا تُعرف السنة التركية في هذين المثالين في العبادة نفسها، أما في وسائل العبادة فيُعرف بالمثال الثالث:
المثالث الثالث: اتخاذ الأناشيد وسيلة في الدعوة إلى الله، وهي المسماة بالأناشيد الإسلامية، وهذه الوسيلة بدعة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام لم يفعلوا هذه الوسيلة، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
فبدلالة السنة التركية تكون الأناشيد المسماة بالأناشيد الإسلامية بدعة، فإن البدع تدخل في العبادة وفي وسائلها.
فقد تقدم أن عبد الله بن مسعود أنكر على الذين يسبحون بالحصى مائة…إلخ، وهذه بدعة في الوسائل، فالبدعة تدخل في العبادة وفي وسائلها.
بهذا كله يُعرف أن السنة التركية طريق لمعرفة البدع، لذا قول السائل: (هل هناك فرق بين السنة التركية والبدعة) يقال: السنة التركية طريق من طرق معرفة البدع وتمييزها وتمييز الأفعال من كونها سنة أو بدعة.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.