يقول السائل: لم أر كسوف الشمس فصليت مثل غيري، فهل يصح فعلي؟
الجواب:
إن صلاة الكسوف إنما تُشرع إذا انعقد سببها، وهو كسوف الشمس، ومثل ذلك صلاة الخسوف إنما تُشرع إذا انعقد سببها وهو خسوف القمر، فمن علم كسوف الشمس أو خسوف القمر فإن الصلاة تُستحب في حقه.
ويعلم ذلك بأمور منها: أن يرى ذلك بنفسه، ومنها أن يراه من يثق به فيخبره، ومنها أن يُصلي إمام صلاة الكسوف وهذا الإمام معروف بدقته وتحريه وأنه غير متعجل ولا متساهل، إلى غير ذلك.
ففي مثل هذا يصح أن تُصلى صلاة الكسوف، لأنه قد صلى الكسوف لما علم انعقاد سبب الكسوف أو الخسوف.
أما أن يُتابع أيَّ إمام فينبغي أن يكون المسلم حذرًا، لاسيما إذا كان الإمام معروفًا بتعجله وتساهله، فمثل هذا لا ينبغي أن يُتابع، والواجب الاحتياط والتحري وأن تُسلك الطرق التي يُعلم بها حصول الكسوف أو الخسوف، وقد تقدم ذكر بعضها -والله أعلم-.
يقول السائل: كيف الجمع بين أن الكسوف ظاهرة كونية، وأن الله يُخوف به عباده؟
الجواب:
إنه لا تعارض بين أن يُخوف الله عباده بكسوف أو خسوف أو بغير ذلك من الآيات، وبين أن تكون أسبابًا كونية، قال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ [الإسراء: 59].
فلذا حصول الكسوف والخسوف لا يُشترط أن تكون عقوبة، وإنما تكون تخويفًا وتحذيرًا وإنذارًا، كما تقدم في الآية، وقد ذكر هذا شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-.
لذا لما حصل الكسوف في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فزع إلى الصلاة، كما أخرجه البخاري من حديث عائشة، فقولها: “فزع” يدل على أنه كان فزعًا -صلى الله عليه وسلم-.
وقال في حديث عائشة الذي أخرجه البخاري: «فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا»، فدل هذا كله على أنه تخويف وإنذار من الله.
لكن هذا لا يتعارض بحال مع كونها أسبابًا كونية قد قدرت قبلُ وأُحكمت وأُتقنت ووقعت في وقتها.
وأُقرب ذلك بمثال: قد يعصي عاصٍ ربه، فيُصاب بحادث في سيارته أو يُصاب بمرض أو بغير ذلك، فمثل هذا قد قدَّره الله لعلمه بقدمه سبحانه أن فلانًا سيعصي وأنه سيُعاقبه بهذا.
وكذلك علم الله أن العباد محتاج للتخويف لوجود الذنوب والمعاصي أو غير ذلك، وأن هذا سيقع منهم في زمن كذا، فكانت من حكمته أن يُقدر الخسوف في هذا الوقت، فإذن لا تعارض بينهما.
وقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله قدَّر مقادير الخلائق» وفي رواية: «كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة».
فعلى هذا؛ علم الله أن العباد سيعصونه وأنهم محتاجون لأن يُخوفوا وأن يُذكروا، فقدر أن هذا يقع في يوم كذا إنذارًا لهم، وكل هذا قديم، فأؤكد أنه لا تعارض بين كون الخسوف والكسوف ظاهرة كونية وبين أن الله يُخوف بهما عباده.
فمن اتسع قلبه وزاد علمه وتنوَّر بنور الكتاب والسنة علم يقينًا أنه لا تعارض بينهما.
وكان الأولى والأحسن -والله أعلم- ألا يُخبر الناس لا بالكسوف ولا بالخسوف، حتى تكون أكثر تخويفًا لهم، فإنه إذا وقع فجأة ولم يعلموه كان أكثر تخويفًا، وحصلت الحكمة من التخويف بالكسوف والخسوف أكثر وأكثر، وقد ذكر هذا علماؤنا كشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز، وشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين.
وأختم بأن العلماء من قديم يُقررون أن للكسوف وقتًا وأن للخسوف وقتًا، بل ذكر العلماء قديمًا أن الفلكيين إذا كانوا متقنين للحساب والضبط يستطيعون أن يُحددوا الكسوف ولو بعد سنين، وكذلك الخسوف.
لكنهم ما كانوا ينشرون هذا ويُشيعوه بين الناس وأنه سيقع كسوف يوم كذا أو كذا، لما تقدم ذكره من الحكمة -والله أعلم-.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.