يقول السائل: الشفاعة المُثبتة لها شرطان: إذن الله للشافع، ورضا الله عن المشفوع له، السؤال: كيف نُوفق بين إثبات الشفاعة لأبي طالب وهو المشفوع له، وبين كونه مات كافرًا مع أن الله لا يرضى لعباده الكفر؟
الجواب:
للشفاعة المُثبتة شرطان: إذن الله للشافع، ورضا الله عن المشفوع فيه، أو له، والمشفوع فيه أو له لا يرضى الله عنه إلا أن يكون موحدًا، لما روى البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه».
فإذن لا يرضى الله إلا عن الموحد، فبهذا يُعلم أن الرضا نوعان: رضا عام وهو لكل موحد، والثاني رضا خاص وهو يختلف باختلاف حال الموحدين، كلما كان الرجل أكثر صلاحًا كان أكثر رضًا من الله.
وقد جمع الله بين هذين الشرطين في سورة النجم قال سبحانه: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: 26] فبهذا يُعلم أنه لا شفاعة للكافر، لأن الله لم يرض عنه.
فإن قيل: كيف شفع لأبي طالب وهو كافر كما ذكر السائل؟
يُقال: على أصح أقوال أهل العلم أن الشفاعة لأبي طالب خاصة به، لمكانته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولنصرته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ذهب إلى الخصوصية الحليمي، والحافظ ابن حجر.
والدليل على هذا ما ثبت في البخاري من حديث العباس وحديث أبي سعيد، وفي حديث أبي سعيد صرَّح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يشفع له، وأنه لولا هو لكان في الدرك الأسفل من النار.
فإذن هذا خاص مستثنًى من شرط الرضا، كما تقدم بيانه.
يقول السائل: ما صحة القول بأن دعوى الإجماع في مسائل العقيدة يصعب ضبطه؟ لأنك قد ترى بعض الأشاعرة يذكرون الإجماع على اعتقادهم مثلًا؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن الإجماع حجة في الدين، والأدلة على حجية الإجماع كثيرة كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: 115] إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة.
وإذا كان الإجماع صحيحًا فهو حجة، وعلامة الإجماع الصحيح الذي لا يكون مخرومًا في زمانه، أي أجمع العلماء واستقر الإجماع منذ أن أجمع العلماء فإن إجماعهم حجة، ومن خالف بعد ذلك فهو محجوج بالإجماع السابق، وهذا الإجماع كثير في العقائد، وذلك أن الإجماع حجة وقد حفظ الله الدين، وحفظ أدلته الذي به تقوم الشريعة، ومن ذلك الإجماع في مسائل العقائد، وهي كثيرة بل أكثر العقائد إلا نزرًا قليلًا مجمع عليه.
بل إن العلماء إذا كتبوا في الاعتقاد فالأصل فيما يقررونه في الاعتقاد أنه مجمع عليه عند أهل السنة، وهذا هو الأصل.
فإذن قول القائل: يصعب ضبطه. يُقال: هذا فيه نظر، بل قد ضبطه العلماء والحمد لله.
أما قوله: [لأنك قد ترى بعض الأشاعرة يذكرون الإجماع على اعتقادهم مثلًا] فيُقال: فرق بين المتكلمين كالأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والجهمية، وبين أهل السنة، أما المتكلمون فإن مذهبهم ودينهم باطل وهو مخالف لإجماع السلف، فلذلك إجماعاتهم ضالة ولا يصح لهم الإجماع على عقائدهم البدعية الضالة، بل كل ما زعموا أنه مجمع عليه فهو خطأ قطعًا، لأن الإجماع الأول على خلافه، ولأن عقيدتهم عقيدة بدعية.
وقد ذكر ابن تيمية في (التسعينية) أن المتكلمين متساهلون في حكاية الإجماع على اعتقادهم، ومن أمثلة ذلك: أن الرازي -وهو إمام الأشاعرة المتأخرين- ذكر أن العرض لا يبقى زمانين، وحكى على ذلك الإجماع في كتابه (المحصل لأفكار المتقدمين والمتأخرين)، وطار فرحًا بهذا الإجماع وبنى عليه الشواهق الكبيرة، وبعد ذلك في كتابه (معالم في أصول الدين) خالف هذا الأمر، ولم ير أن العرض يبقى زمانين، فضلًا على أنه مجمع عليه.
لذلك لا يُعتد بإجماع المتكلمين، وكل ما انفردوا به من الاعتقادات البدعية فهي قطعًا خطأ ومخالف للإجماع، فكيف يُدعى عليها الإجماع؟
وقد بيَّن ابن تيمية تساهلهم كما تقدم في كتابه (التسعينية).
أسأل الله أن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.