يقول السائل: أنا مصابة بالسحر منذ خمس سنوات، والآن لا أستطيع الصوم وقد تجمَّع عليَّ صيام السنين، أحاول الصيام لكن تصيبني آلام في البطن ووخز في البلعوم …إلخ. ثم تقول: هل يسقط عني الصيام مثل المريض الذي لا يعلم متى يُشفى؟
الجواب:
الأصل وجوب الصيام، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] ولا يسقط الصيام إلا لعذر، ومن ذلك عدم استطاعة الصيام، كحال هذه السائلة، لكن لا تُعامل معاملة من لا يُرجى برؤه، لأنها لا تدري قد تُشفى إن شاء الله، لذا تستمر مفطرة بما أنها معذورة، إلى أن يزول عنها هذا العذر، فإذا زال عنها فإنها تقضي أيامها الماضية إن شاء الله تعالى.
يقول السائل: قرأت كتبًا عن العقيدة للأئمة الأوائل أمثال أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وهم ينفون عن الله في كلامه الصوت والحرف، فأرجو التبيان لما هو الحق الصحيح في اعتقاد أهل السنة والجماعة.
الجواب:
الاعتقاد الصحيح الذي لا شك فيه وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ولم يُخالف في ذلك أحد حتى جاء أبو محمد بن كلاب، وتبعه أبو الحسن الأشعري، هو أن الكلام لفظ -أي صوت- وما في النفس، فكلاهما يسمى كلامًا، كما قال تعالى: ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [الكهف: 5] فسمى ما يُتلفظ به كلامًا، وهذا معقول من جهة المعنى ومن جهة الشرع وتوارد عليه أئمة السنة، حتى قال السجزي في رسالته لأهل زبيد، وذكر مثل كلامه ابن تيمية في (التسعينية) أنه لا يعلم أحد خالف في ذلك قبل ابن كلاب ومن تبعه.
فإذن الأمم كلها والمسلمون أجمعون من الصحابة ومن بعدهم كلهم على هذا القول حتى خالف أبو محمد بن كلاب وأبو الحسن الأشعري ومن تبعهما، وهذا كافٍ لمن أراد الحق والهدى.
وقد بسط الأدلة الكثيرة السجزي في رسالته لأهل زبيد، وكذلك شيخ الإسلام في كتابه (التسعينية) وفي غيرها للرد على الأشاعرة، ومنه ما تقدم ذكره، أولًا قال تعالى: ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [الكهف: 5] سماه كلامًا وقد خرج من الأفواه.
ثانيًا: قال الله عز وجل: ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ﴾ [الأعراف: 22] والنداء بإجماع أهل اللغة لا يكون إلا بصوت.
ثالثًا: الشريعة بيَّنت أن من تكلم في الصلاة بطلت صلاته، لكن من حدَّث نفسه في الصلاة ولم يتلفظ فإن صلاته لا تبطل.
إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة.
فالمقصود أن الاعتقاد الصحيح والذي لا يصح غيره هو القول بأن كلام الله كلام لفظي، وأن اعتقاد الأشاعرة في هذه المسألة وغيرها مما انفردوا به عن أهل السنة اعتقاد بدعي، لذا توارد الأئمة على تبديع الأشاعرة، وقد ذكر ابن مبرد في رده على ابن عساكر، ذكر عن ألف عالم تبديع الأشاعرة، وقال: ولو شئت لنقلته عن ألفي عالم، بل عن عشرة آلاف عالم، بل عن أكثر في تبديعهم.
فأسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.