يقول السائل: ما هي مخالفات المعتزلة لأهل السنة في مسألة الإمامة؟
الجواب:
مراد السائل بالإمامة أي: في الولاية والحكام. وينبغي أن يُعلم أن المعتزلة مخالفون لأهل السنة في هذا الباب خلافًا كبيرًا؛ وذلك يرجع إلى مسائل منها:
الأمر الأول: أن المعتزلة لا يرون الولاية في الحاكم الفاسق؛ لأنهم يرون الفاسق كافرًا، ويجعلونه في منزلة بين المنزلتين ويرون الخروج عليه، ويزعمون أن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مخالف لأدلة الكتاب والسنة والإجماع، فإن الله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] فمن ثبتت له ولاية فيُسمع ويُطاع له بما أنه مسلم، ولو كان فاسقًا.
وثبت في مسلم من حديث عوف بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة». فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسمع والطاعة له مع وجود المعاصي منه، فدل على أنه يُسمع ويُطاع له وإن وُجدت منه معاصٍ، وهذا مخالف لما عليه المعتزلة، وقد أجمع أهل السنة على هذا كما ذكر الإجماع الإمام أحمد في (أصول السنة) وعلي بن المديني في عقيدته، وتوارد أئمة السنة على حكاية هذا الأمر، هذا هو الأمر الأول الذي خالفت فيه المعتزلة أهل السنة.
الأمر الثاني: أن المعتزلة لا يرون الأئمة من قريش، وهذا مخالف للأحاديث النبوية وللإجماع، فقد ثبت في البخاري عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن هذا الأمر في قريش، لا يُعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين».
وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان».
وقد أجمع أهل السنة على هذا، وهذا مما خالفت فيه المعتزلة أهل السنة.
الأمر الثالث: أنهم لا يرون ولاية المتغلب؛ لأن المتغلب قد غصب الحكم فلا يرون ولايته، وهذا أذكره تخريجًا على قولهم وإلا لم أقف على شيء منصوص في هذا، وهذا مخالف لاعتقاد أهل السنة، فإن أهل السنة مجمعون على أن من تولى الحكم ولو بغلبة فإنه يُسمع ويُطاع له بما أنه مسلم، ولا يُنظر إلى أي شرط، وقد حكى الإجماع الإمام أحمد في (أصول السنة) وعلي بن المديني في عقيدته، وابن أبي زيد القيرواني في عقيدته، وغيرهم من علماء أهل السنة.
فالمقصود أن المعتزلة قد ضلوا في هذا الباب ضلالًا مبينًا كما ضلوا في غيره من أبواب الدين.
يقول السائل: هناك من المشايخ من يُحذر من حفظ المتون الفقهية ويقول إن في دراستها والمطالعة لشروحها كفاية، لأن حفظها يأخذ وقتًا طويلًا مثل الزاد ودليل الطالب …إلى أن قال: فما توجيهك؟ وهل هناك تخطيط لدراسة الفقه لغير المتخصص فيه؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أولًا أن التفقه على كتب الفقه أنفع بكثير من التفقه على أحاديث الأحكام؛ لأن كتب الفقه مرتبة ولأسباب كثيرة وسبق الجواب على هذا في أكثر من مناسبة.
بعد هذا ينبغي أن يُعلم أن من أراد أن يحفظ فالأولى له أن يحفظ أدلة الأحكام، ومن أحسن الكتب التي كُتبت في ذلك كتاب (بلوغ المرام) فإن كان ذا حفظ وهمة فليحفظ (دليل الطالب) أو (الزاد) أو غير ذلك من المتون الفقهية في المذاهب الأربعة، وإنما يحفظ هذه المتون من باب الفهرس والتفقه ولاستحضار المسائل والشروط والأركان وغير ذلك، وكتاب (دليل الطالب) أنفع من (زاد المستقنع) في هذا، فإنه أوضح.
فالمقصود إن كان ذا همة فليحفظ، وإن كان لا يستطيع الجمع بينهما فليعتمد على أحاديث الأحكام فإنها أنفع لاسيما كتاب (بلوغ المرام).
أما غير المتخصص فمن أنفع ما يتفقه ويتعلم هو أن يدرس العلم على أحد الموثوقين فيُسهل له العلم ويتابع فتاوى المشايخ في أبواب الدين، ثم يتعلم رويدًا رويدًا، فلينكب على فتاوى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمها الله تعالى- وأمثالهم من أهل العلم.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.