يقول السائل: ما معتقد أهل السنة والجماعة في تعلق الأمر بالمعدوم؟ وما رأيك في قراءة مثل هذه المسائل في كتب الأصول؟
الجواب:
المراد بالأمر للمعدوم أي: أن يتوجَّه أمرٌ لغير موجود، وأصل هذا مأخوذ من اعتراض اعترضه المعتزلة على الأشاعرة، فإن المعتزلة لا يُثبتون كلام الله، بخلاف الأشاعرة فإنهم يُثبتون كلامًا قديمًا نفسيًا لا لفظيًا ولا مُتجددًا، فاعترض المعتزلة على الأشاعرة وقالوا: إن إثباتكم لكلامٍ قديمٍ أزليٍّ لا يتجدد لازمه أن الله أمرَ بأوامر في كتابه لعباده، وعباده لم يوجدوا بعدُ، فهو أمر لمعدوم! فهذا تناقض.
فإذن أصل هذا جواب على إشكال أورده المعتزلة على الأشاعرة، كما ذكر هذا الجويني في كتابه (البرهان)، ونقل كلامًا لشيخه أبي بكر الباقلاني، هذا أصل بحث هذه المسألة، فهي جواب اعتراض على الأشاعرة لمثل هذا، فاضطرب القائلون بالكلام النفسي في الجواب على مثل هذا، فمنهم -كأبي محمد بن كلاب- قال: أثبت كلامًا قديمًا لكن لم أيثبت أمرًا ولا نهيًا ولا خبرًا …إلخ.
ومنهم من قال: أُثبت كلامًا قديمًا أزليًا وأُثبت أمرًا وخبرًا ونهيًا …إلخ. والأمر مُتجه للمعدوم لكن لا يتعلق به إلا بعد الوجود، وهذا قول أبي الحسن الأشعري أو نُسب إلى أبي الحسن الأشعري، وهو مشهور عند الأشاعرة.
فإذن إذا تبيَّن ما تقدم، فأصل البحث مبنيٌ على هذا، وهذا من جهة ومن جهة أخرى لمسألة أخرى وهي: المعدوم هل هو شيء أم لا؟
ذهب المعتزلة إلى أن المعدوم شيءٌ، والذي قرره الأشاعرة -وهو الذي دلّت عليه الأدلة- على أن المعدوم ليس شيئًا، وهو الذي حققه وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.
فإذن هذان المبحثان وهو مبحث كلام الله في القدم وعدم التجدد، ومبحث هل المعدوم شيء أم لا، لهما أثران في هذه المسألة، ومثل هذه المسألة -والله أعلم- لا ترد على أهل السنة؛ لأن أهل السنة يقولون: إن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، فقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [المزمل: 20] هذا إنما وُجد بعد وجود المخلوقين؛ لأنه كلامه متجدد سبحانه، والقرآن بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مُتجه لموجودين لا لمعدومين.
ثم ينبغي أن يُنتبه إلى أنه قد أُمر الكفار والمسلمون بما في القرآن لما نُزل، وهذا الأمر مُستمر لأناس لم يأتوا بعد، أي لمعدومين، فالمقصود أن البحث في هذه المسألة مبنيٌ على ما تقدم ولا يترتب عليه بالنسبة لأهل السنة شيء كبير لما تقدم تقريره.
أما ذكر هذه المسألة في كتب الأصول فهو خطأ، وهذا ليس الخطأ الوحيد بل هناك مسائل كثيرة في كتب الأصول ذُكرت ولا علاقة لها بعلم الأصول، لذا الآمدي أشار في كتابه (الإحكام) إلى عدم صحة إيراد هذه المسألة وأنها تتعلق بعلم الكلام.
وعلم أصول الفقه علم مهم وهو سهل لكن صُعِّب بأمرين من حيث الجملة:
الأمر الأول: بمثل هذه المباحث الكلامية التي لا علاقة بعلم الأصول بها.
الأمر الثاني: بإيراد مسائل لا ثمرة لها ولا فائدة لها عمليًا.
فبهذين الأمرين عقَّدوا هذا العلم.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.