بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فما بين حين وآخر يخرج دعاة الإلحاد والتشكيك ويبثُّون شبهاتهم لتشكيك المسلمين في حجية سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعضهم يريد أن يُلبس ذلك لباس الدين، فيدَّعي أن تشكيكه وردَّه للسنة من باب تعظيم القرآن.
أما الملحدون الخاسرون والأغبياء الهالكون فلهم شأن آخر ورد آخر وإنما المراد بهذا المقال الرد على من يزعم تعظيم القرآن ويشكك في السنة وذلك من أوجه منها:
الوجه الأول: أن الله أمرنا في القرآن بالرجوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في نحوٍ من أربعين آية، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كقوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 92]، وكقوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، وكقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 59] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي فيها الأمر بالرجوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فمقتضى القول بأن القرآن حجة هو الرجوع إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن قال: إن القرآن حجة دون السنة فلابد أن يتناقض ويخرج بأحد نتيجتين:
- إما أن القرآن ليس حجة.
- وإما أن القرآن وما دلَّ القرآن على أنه حجة فهو حجة، فتكون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة؛ وذلك لأن القرآن أمر بالرجوع إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم.
الوجه الثاني: من زعم أن القرآن حجة دون السنة النبوية فلابد أن يقع في مآزق شرعية كثيرة؛ منها: من أين له معرفة عدد ركعات الصلوات الخمس كصلاة الظهر و العصر والفجر ؟ ومعرفة نصاب الزكاة واشتراط مضي الحول، ومنها: صفة الحج و ركنية الوقوف بعرفة و الإحرام إلى غير ذلك؟ فمقتضى هذا القول أن تُترك كل العبادات إلا شيئًا قليلًا.
قال الإمام أبو بكر الآجري -من أعيان القرن الرابع- في كتابه [الشريعة (1/ 411)]:
“وقيل لهذا المعارض لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جاهل قال الله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] أين تجد في كتاب الله تعالى أن الفجر ركعتان، وأن الظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وأن العشاء الآخرة أربع؟ أين تجد أحكام الصلاة ومواقيتها، وما يصلحها وما يبطلها إلا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومثله الزكاة، أين تجد في كتاب الله تعالى من مائتي درهم خمسة دراهم، ومن عشرين دينارا نصف دينار، ومن أربعين شاة شاة، ومن خمس من الإبل شاة، ومن جميع أحكام الزكاة، أين تجد هذا في كتاب الله تعالى؟
ثم روى بإسناده عن عمران بن حصين –رضي الله عنه- أنه قال لرجل: ” إنك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله تعالى الظهر أربعا لا تجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحوهما، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرا؟ إن كتاب الله أحكم ذلك، وإن السنة تفسر ذلك “. اهـ.
وقد سمعت شبهة ساذجة من بعضهم وهي أن مثل هذه العبادات يُرجع فيها إلى عادات الناس وما يتناقلونه، كما أن الناس في عاداتهم يرجعون إلى ما يُتناقل.
فيقال: إن هذا الكلام ساقط لأسباب كثيرة منها: أن عادات الناس تتغير، فليست عاداتنا اليوم كعاداتنا قبل عشرين سنة وقبل خمسين سنة فمقتضى هذا أن يتغير الناس في عباداتهم، فكل يعبد الله بما عليه عادة قومه لا شريعة ربه!!.
الوجه الثالث: قد تكفل الله بحفظ القرآن كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ومقتضى حفظ الله للقرآن أن يحفظ كل ما يُفهم به القرآن، فتُحفظ لغة العرب حتى يُفهم بها كلام الله، فلو لم تُحفظ لغة العرب لما فُهم القرآن، وأولى من ذلك أن تُحفظ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها تفسير للقرآن وبيان له، فقد أمر الله تعالى بالصلاة والحج والزكاة وغيرها من العبادات، وتفصيلها إنما يُعرف بالرجوع إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال العلامة المعلمي اليماني في كتابه [التنكيل (1 / 234)]: ” قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة لأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وشريعة خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها “. اهـ.
إذن بمعرفة ما تقدم فإن السنة محفوظة من الله وقد هيأ علماء يبينون صحيحها من ضعيفها وهذا مقتضى حفظ الله لدينه، لذا ما من أحد يروي حديثًا ضعيفًا إلا ويبين أئمة الإسلام والمحدثون حال هذه الأحاديث إلى وقتنا هذا.
فأرجو من المسلمين أن يتقوا الله وألا يلتفتوا إلى الشبهات التي يُثيرها دعاة الإلحاد والزنادقة وبعضهم يخرج ذلك باسم الدين وتعظيم القرآن وصدق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما قال: ” هَلْ تَدْرِي مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟ زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّون “رواه الدارمي.
وأخيرًا .. إن أعظم مقصد لمن يريد إسقاط حجية السنة أن يفتح الباب له في أن يغير ويحرف الدين بما شاء، ويستدل – كذبًا وتدليسًا – بعمومات وإجمالات القرآن، وهذا ما لا يستطيعه مع السنة لوضوح دلالتها أكثر من القرآن لأنها بيان له، وقد وضح هذا ما روى الآجري بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:” سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله تعالى”.
أسأل الله أن يُحيينا جميعًا على التوحيد والسنة وأن يميتنا على ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
@dr_alraies
17 / 9 / 1441هـ
Tags:
إنكار السنة,
السنة